صحافة دولية

الغارديان: التواجد بغزة كان مميتا للسكان ولمن حاولوا إيصال صوتهم للعالم

أكدت كاتبة المقال أن شعبية أمس الشريف في غزة جعلته هدفا إسرائيليا- حسابه على "إكس"
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لأستاذة الصحافة المالية في جامعة سيتي سانت جورج، لندن، جين مارتينسون، قالت فيه إن الهشيد أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة، كان الاسم الأبرز بين العديد من الأسماء التي استُهدفت لمجرد شهادتها على الحقيقة.

ففي كانون الثاني/ يناير من هذا العام، صُوِّر أنس الشريف وهو يُرفع في الهواء بعد أن خلع خوذته وسترته الواقية احتفالا بوقف إطلاق نار سرعان ما ثبت أنه مؤقت للغاية في قطاع غزة. هذا الصيف، انهار الصحفي الفلسطيني أثناء تغطيته لأخبار المجاعة في مسقط رأسه التي أصبحت الآن منطقة حرب، وقال له أحد المارة حينها: "استمر يا أنس، أنت صوتنا".

وقالت كاتبة المقال: إن شعبية الشريف في غزة جعلته هدفا، ففي تموز/ يوليو، حذرت منظمات دولية من الخطر الذي يحيط به مع تصعيد الجيش الإسرائيلي هجماته على الانترنت، واصفا إياه زورا بأنه إرهابي من حماس. بينما أصرت قناة الجزيرة، التي يعمل بها، على أن يقتصر عمله على مستشفى الشفاء الأكثر أمانا بعد مقتل والده والعديد من زملائه".

وأضافت أنه "في آب/ أغسطس، قبل أشهر قليلة من بلوغه التاسعة والعشرين من عمره، قُتل الشريف وستة آخرون في هجوم مباشر على خيمة إعلامية بجوار المستشفى، في منشورٍ نُشر بعد وفاته، قال: "إذا وصلتكم هذه الكلمات، فاعلموا أن إسرائيل نجحت في قتلي وإسكات صوتي".

وأكدت أن أنس الشريف "ليس سوى واحد من 67 إعلاميا قُتلوا عام 2025 أثناء تأديتهم واجبهم، وفقا لتقرير منظمة مراسلون بلا حدود السنوي حول سلامة الصحفيين. بل إن الاتحاد الدولي للصحفيين ذهب أبعد من ذلك، إذ وجد أن 111 صحفيا قُتلوا عام 2025، نصفهم تقريبا في غزة".

وبينت أن "كل وفاة من هذه الوفيات مأساة، وانتهاك لحق الصحفيين في نقل الحقيقة. ومع ذلك، يجدر بنا أن نتذكر قصة الشريف، لا سيما أنه أصبح أحد أبرز الأمثلة على تكتيك تشويه سمعة الصحفيين باتهامهم بالتحيز".

وذكرت أن جيش الاحتلال أكد استهدافه للشريف، مدعيا أنه كان يقود "خلية إرهابية تابعة لحماس، وأنه مسؤول عن شن هجمات صاروخية على المدنيين الإسرائيليين"، كل ذلك رغم ظهوره المتكرر على الهواء. لقد نفى هذه الاتهامات مرارا وتكرارا، ولم تجد أي من منظمات الدفاع عن حرية الصحافة الرئيسية  - لجنة حماية الصحفيين، والاتحاد الدولي للصحفيين، ومراسلون بلا حدود، ولا الوكالات الخاصة التابعة للأمم المتحدة - أي دليل على صحة هذه الادعاءات.

وقالت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير: "من جهة، ترفض إسرائيل السماح لأي صحفي دولي بدخول غزة، ومن جهة أخرى، تُشوه سمعة الصحفيين المحليين القلائل المتبقين، وتُهددهم، وتُعرقل عملهم، وتستهدفهم، وتقتلهم، فهم بمثابة العيون الوحيدة للعالم الخارجي على الإبادة الجماعية المستمرة". 

وفي آب/ أغسطس 2024، دعت لجنة حماية الصحفيين إسرائيل إلى الكف عن توجيه اتهامات إرهابية لا أساس لها لتبرير قتلها وإساءة معاملتها للصحفيين الفلسطينيين.

وقالت مارتينسون إن فيونا أوبراين، مديرة منظمة مراسلون بلا حدود في المملكة المتحدة، أخبرتها أن قصة الصحفي الشاب "مثال صارخ على محاولات الإسرائيليين تشويه سمعة الصحفيين دون تقديم أي دليل موثوق. إنه تكتيك مُتعمّد للغاية".

ولفتت مارتينسون إلى أنه "تكتيك ناجح. ففي ظل حظر دولي على الصحافة ترفض إسرائيل رفعه - وكان من المقرر أن يُعاد النظر في الاستئناف أمام محكمة إسرائيلية في 21 كانون الأول/ ديسمبر - يُمنع الصحفيون الدوليون من دخول غزة إلا في رحلات عسكرية برفقة حراس. هذا الحظر يُصعّب كثيرا سرد القصص الإنسانية التي تُلامس الرأي العام وتُحفّز العمل السياسي المباشر".

وذكرت أن أوبراين أخبرتها أن الحظر لم يُصعّب فقط على منظمات حرية الصحافة، مثل مراسلون بلا حدود، تقديم الدعم ومعدات السلامة للصحفيين المُعرّضين للخطر، بل إن غياب شهادات شهود العيان يُسهّل أيضا تشويه سمعة الصحفيين المحليين. في عالم مُضطرب تنتشر فيه الادعاءات والادعاءات المضادة على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تكون مجرد مزاعم كافية لبثّ بذور الشك. ويأتي هذا في وقت تتراجع فيه الثقة بالصحافة عالميا بمعدل ينذر بالخطر.

وأكدت أن "أكثر من 240 صحفيا فلسطينيا قتلوا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وقُتل العديد منهم، بمن فيهم سابقا الصحفية الفلسطينية الأمريكية البارزة شيرين أبو عقلة، برصاص قناصة إسرائيليين أثناء ارتدائهم سترات صحفية". قال جون ويليامز، المدير التنفيذي لمؤسسة روري بيك الخيرية، الداعمة للصحافة المستقلة: "كان الصحفيون الفلسطينيون في غزة بمثابة عيون وآذان العالم، وقد دفعوا ثمنا باهظا. لم يكن العديد منهم صحفيين عند بداية الحرب، ولكن مع سقوط أحدهم، حمل الآخر كاميرته وواصل عمله".

وأشارت إلى أن عبد الله علي، رئيس قسم الاتصالات الدولية في قناة الجزيرة القطرية، أخبرها أن القناة تمكنت من استبدال جميع الصحفيين الذين قُتلوا في غزة هذا العام بصحفيين فلسطينيين آخرين. وفي أوائل كانون الأول/ ديسمبر، نقلت المجموعة الإعلامية زوجة الشريف وطفليه الصغيرين إلى الدوحة.

وبعد فترة وجيزة من الهجوم على الصحفيين أمام مستشفى الشفاء في آب/ أغسطس الماضي، قدمت منظمة مراسلون بلا حدود شكواها الخامسة ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، متهمة إياها بارتكاب جرائم حرب بسبب معاملتها للصحفيين الفلسطينيين. ومع ذلك، لا يزال الصحفيون يُقتلون دون محاسبة. وهناك مؤشرات على أن الوضع يزداد سوءا.

وبعد أربع سنوات فقط من حصول الصحفيين ماريا ريسا وديمتري موراتوف على جائزة نوبل للسلام لجهودهما في محاسبة أصحاب النفوذ، يقود أقوى دولة في العالم شخص لم يخفِ عداءه تجاه منتقديه في وسائل الإعلام. فمنذ توليه منصبه في كانون الثاني/ يناير، رفعت إدارة ترامب دعاوى قضائية ضد مؤسسات إعلامية، من بينها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، مطالبة بتعويضات بمليارات الدولارات. كما منع مراسلي المؤسسات الأقل حظوة من حضور المؤتمرات الصحفية في البيت الأبيض، وخفض تمويل وسائل الإعلام العامة. ومؤخرا، قيّد منح التأشيرات للصحفيين الأجانب.

وأضافت كاتبة المقال أنه "بينما كان يرحب بمحمد بن سلمان في المكتب البيضاوي، قلل من شأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قائلا: "هذه هي الحياة"، خاتمة بالقول: "وهذه هي الحياة بالفعل، بما فيها أبشع الفظائع والاعتداءات غير القانونية على المدنيين ومن يحميهم القانون.

ومع كل الاعتذار عن هذه الرسالة الكئيبة في نهاية العام، ما لم يتمكن الصحفيون من مواصلة تغطية مثل هذه الأحداث المروعة، فلن يكون عام 2026 أفضل حالا من عام 2025، بل قد يكون أسوأ بكثير".