سياسة عربية

الاحتلال يهاجم تقريرا أمميا عن الوضع الغذائي في قطاع غزة المحاصر

تحذيرات أممية من عودة خطر المجاعة مع أي تصعيد عسكري - جيتي
هاجم الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، تقريرا صادرا عن الأمم المتحدة بشأن الأوضاع الغذائية في قطاع غزة، معتبرة أنه “منحاز ويعرض صورة مشوهة ويفتقر إلى أي أساس واقعي”، وذلك رغم إقرار التقرير بعدم وجود مجاعة في القطاع في الوقت الراهن، مقابل تحذيره من استمرار حالة طوارئ غذائية وانعدام أمن غذائي حاد يطال غالبية السكان.

وجاء الهجوم الإسرائيلي عقب نشر مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) أحدث تقاريرها، والذي ألغى توصيف “المجاعة” في مدينة غزة الذي كان قد أعلن في تموز/يوليو الماضي، لكنه أكد أن القطاع بأكمله لا يزال في مرحلة “الطوارئ”، وهي المرحلة التي تسبق مباشرة مستوى “الظروف الكارثية”.

رفض إسرائيلي واتهامات بالتحيّز
وقال منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، غسان عليان، في بيان نقلته وسائل إعلام عبرية، إن إسرائيل “ترفض بشدة المزاعم والاستنتاجات الواردة في تقرير الـ(IPC)، الذي يرسم صورة مشوهة وعديمة الأساس للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة”.

وأضاف عليان أن التقرير “يتجاهل بشكل متعمد كميات المساعدات الغذائية التي دخلت إلى القطاع”، معتبرا أن نتائجه “صيغت مسبقا”، واستندت إلى “فجوات هائلة في جمع البيانات ومصادر لا تعكس الصورة الكاملة للوضع الإغاثي”.

وأوضح المسؤول الإسرائيلي أن “ما بين 600 و800 شاحنة مساعدات إنسانية تدخل يوميا إلى قطاع غزة، يحمل نحو 70% منها مواد غذائية، بينما تتضمن الشاحنات الأخرى معدات طبية ومستلزمات إيواء وخيم وملابس ومساعدات إنسانية مختلفة”.

وأشار إلى أن ذلك يأتي “التزاما باتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص على إدخال 4200 شاحنة مساعدات أسبوعيا”.

أرقام إسرائيلية حول المساعدات
وبحسب عليان، فقد “دخل نحو 30 ألف شاحنة مواد غذائية إلى قطاع غزة منذ بدء وقف إطلاق النار، محملة بأكثر من 500 ألف طن من الغذاء”، مضيفا أنه “حتى خلال الحرب دخلت قرابة 100 ألف شاحنة مواد غذائية إلى القطاع”.

واعتبر أن هذه الكميات “تفوق الاحتياجات الغذائية لسكان غزة وفق المعايير الدولية، بما في ذلك معايير برنامج الأغذية العالمي”، مؤكدا أن هذه المعطيات “تعرض يوميا في اجتماعات مشتركة مع الأمم المتحدة والدول الوسيطة ومنظمات الإغاثة الدولية”.

وقال عليان إن “أي ادعاء بوجود نقص في الغذاء يمثل تشويها متعمدا للحقائق”.

انتقادات لمنهجية التقرير الأممي
ووجه منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية انتقادات مباشرة لآلية عمل مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، قائلا إن “مؤلفي التقرير وافقوا على الاجتماع مع الجهات الإسرائيلية ومع ممثلي مركز التنسيق المدني–العسكري الأمريكي فقط بعد الانتهاء من صياغة التقرير واستنتاجاته”.

وأضاف أن معدي التقرير “اطلعوا على بيانات يومية كاملة، لكنهم اختاروا الاعتماد على معلومات جزئية”، معتبرا أن ذلك “يعكس انحيازا مهنيا واستنتاجات معدّة سلفا”.

وختم عليان بالقول إن “نشر تحذيرات غير مستندة إلى بيانات كاملة لا يخدم الاستجابة الإنسانية، بل يشتت الانتباه عن التحدي الحقيقي، وهو تحسين آليات التوزيع داخل القطاع ومنع سيطرة حركة حماس على المساعدات”، داعيا المجتمع الدولي إلى “عدم الوقوع في فخ الروايات الكاذبة والمعلومات المشوهة”.

الأونروا: الوضع حرج وهش
في المقابل، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن أحدث تحليلات “التصنيف المرحلي للأمن الغذائي” تشير إلى أن محافظة غزة لم تعد تصنف ضمن المناطق التي تعاني من المجاعة، لكنها شددت على أن الوضع الإنساني لا يزال “حرجا وهشا للغاية”.

وقالت الأونروا، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية في منصة “فيسبوك”، إن نحو 1.6 مليون شخص في قطاع غزة واجهوا مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وأضافت أن الأطفال الذين يتم رصدهم “يظهرون بوادر تحسن محدودة في مجال التغذية”، لكنها أكدت أن هذه المكاسب “غير كافية لمواجهة حجم الأزمة”.

وحذرت الوكالة من أن الظروف المعيشية العامة في غزة لا تزال “كارثية”، وتتفاقم مع حلول فصل الشتاء، مشيرة إلى أنه “بعد عامين من الحرب وتقييد المساعدات وسوء التغذية المزمن، يعاني نحو ثلث أطفال القطاع من فقر غذائي حاد”.

وشددت الأونروا على ضرورة “ضمان وصول المساعدات الإنسانية والسلع التجارية إلى غزة بشكل مستدام ومتواصل وعلى نطاق واسع، لحماية حياة السكان وتعزيز الأمن الغذائي”.

تحذير من سيناريو كارثي
من جهتها، أكدت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، الجمعة، أنه “لم تعد هناك مناطق مصنفة ضمن مناطق المجاعة في قطاع غزة”، بعد تحسن وصول الإمدادات الغذائية الإنسانية والتجارية، عقب تنفيذ وقف إطلاق النار الهش في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

لكن التقرير، وهو أحدث تقييم صادر عن المرصد العالمي لمراقبة الجوع، حذر من أن الوضع لا يزال “هشا للغاية”، مؤكدا أن “أي تجدد للأعمال القتالية أو توقف للتدفقات الإنسانية والتجارية قد يعيد القطاع بأكمله إلى حافة المجاعة”.

وقال التقرير: “في أسوأ السيناريوهات، والتي تشمل تجدد الأعمال القتالية وتوقف المساعدات، فإن قطاع غزة بأكمله معرض لخطر المجاعة حتى منتصف نيسان/أبريل 2026، ما يؤكد استمرار الأزمة الإنسانية الحادة”.

وأوضح التصنيف أن قطاع غزة بأكمله مصنف حاليا في مرحلة “الطوارئ”، مشيرا إلى أنه “على مدى 12 شهرا مقبلة، من المتوقع أن يعاني نحو 101 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر و59 شهرا من سوء تغذية حاد، بينهم أكثر من 31 ألف حالة خطيرة”.

وأضاف أن “نحو 37 ألف امرأة حامل ومرضعة سيعانين من سوء تغذية حاد خلال الفترة نفسها وسيحتجن إلى العلاج”.

تحذيرات من انهيار العمل الإنساني
وفي سياق متصل، حذرت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة دولية، الأربعاء الماضي، من أن العمليات الإنسانية في غزة “معرضة لخطر الانهيار”، إذا لم تُزل إسرائيل العقبات المفروضة على العمل الإنساني، بما في ذلك آليات تسجيل وصفتها بأنها “غامضة وتعسفية ومسيسة للغاية”.

وتؤكد منظمات الإغاثة أن الاحتلال يسيطر على جميع منافذ الوصول إلى قطاع غزة، ولا يزال يعرقل دخول مواد أساسية تمسّ الحاجة إليها، رغم التحسن النسبي في حجم المساعدات.

وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار حربرالإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي تصفها منظمات حقوقية ودولية بأنها إبادة جماعية شملت القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري والاعتقال، بدعم أمريكي وأوروبي، وتجاهل لأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وأسفرت الحرب، بحسب مصادر فلسطينية، عن أكثر من 241 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين، فضلا عن دمار واسع طال معظم مدن ومناطق القطاع، ومجاعة أودت بحياة عدد كبير من المدنيين، غالبيتهم من الأطفال.