ملفات وتقارير

ماذا وراء إعادة التحرك لإقامة "إقليم البصرة" وبدء أولى خطواته؟

القانون حصر تشكيل الإقليم بمجالس المحافظات عبر طلب يُقدَّم من ثلث الأعضاء أو عبر طلب يقدمه عُشر الناخبين في المحافظة- الأناضول
أطلقت مفوضية الانتخابات في العراق، استمارة طلبات لتشكيل إقليم البصرة جنوبي البلاد، في خطوة تعيد إحياء مسار الأقاليم الإدارية الذي نصّ عليه الدستور، ويفتح في الوقت نفسه جدلا واسعا حول توقيت طرح القضية في ظل مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة.

وقال مدير مكتب انتخابات البصرة، حيدر محمد، الخميس، إنّ القانون حدّد في المادة (2) الجهات التي تمتلك حقّ تقديم الطلب الرسمي والمباشر لتشكيل الإقليم، وحصرها بجهتين فقط، هما: مجالس المحافظات عبر طلب يُقدَّم من ثلث الأعضاء. أو عبر طلب يقدمه عُشر الناخبين في المحافظة.

وأكد محمد، أن المفوضية زوّدت استماراتٍ لجمع تواقيع 2 بالمئة من ناخبي المحافظة، وبعد تدقيقها وفي حال ثبوت صحّتها، ستُفتح مراكز تسجيل لاستقبال طلبات وتواقيع 10 بالمئة من الناخبين، ثم يرفع الطلب إلى مجلس الوزراء لتحديد موعد الاستفتاء على تشكيل إقليم البصرة، ليقول الناخبون كلمتهم النهائية.

"خطوة جادة"
وبخصوص مدى جدية هذه التحركات، قال محافظ البصرة الأسبق، القاضي وائل عبد اللطيف لـ"عربي21"، إنه "كان أول من تقدم بتشكيل هذا الإقليم منذ عام 2008 بجمع أكثر من 164 ألف توقيع من المواطنين سُلمت للمفوضية، ونقلت إلى مجلس الوزراء ولم يجر الرد عليها لمدة ثلاثة أشهر".

وأضاف عبد اللطيف أن "الحكومة في بغداد كانت لا تريد إقامة هذه الإقليم وحاولت عرقلة الموضوع، رغم فتح مقار للمفوضية واستقبال المواطنين والذي كان حينها بضغط من ممثلية الأمم المتحدة في العراق".

وتابع: "عندما تابعنا الموضوع مع ممثل الأمم المتحدة عام 2008، أكد لي بشكل شخصي أن الحكومة العراقية والمفوضية لا يريدون أن تكون البصرة إقليما"، لافتا إلى أن "كل الأحزاب في البصرة مارست شتى أنواع الإجراءات لإعاقة إقامته رغم أنهم هم من ثبتوه في الدستور عام 2005، وأن العرب السنة كانوا هم من رفضوه فقط واعتبروه تقسيما للعراق".

في الوقت الحالي، يضيف عبد اللطيف، أن ما دفع الناس للمطالبة بالإقليم هو الإهمال الحاصل في المحافظة، ووصول اللسان الملحي في شط العرب بالبصرة إلى 180 كليومترا ولم تحرك الحكومة العراقية ساكنا، رغم عملها بأن الماء ملوث وغير قابل للاستخدام البشري والحيواني بتاتا".

وأكد عبد اللطيف أن "حراك الأقاليم لم يهدأ منذ عام 2008 وحتى يومنا الحاضر، وذلك عبر اللقاءات والتجمعات وإقامة المجموعات على وسائل التواصل، والتي نتج عنها اليوم طرح المفوضية العليا للانتخابات الاستمارة الإلكترونية".

وأعرب محافظ البصرة السابق عن اعتقاده بأن "هذه خطوة إيجابية، لأن المحافظة قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1920، كانت ولاية وتتبع لها العديد من الدول الخليجية الحالية، لذلك يطمح سكان البصرة لإدارة شؤونهم بأنفسهم ولم ينقطعوا عن عملية متابعة موضوع إقامة الإقليم".

وشدد على أن "كل المدن في البصرة خرجت مظاهرات بسبب استمرار حالات الفقر وتردي واقع المستشفيات والمدارس والشوارع، وأن عمليات الإعمار ربما تكاد تنحصر في مركز المحافظة خلافا لباقي الأقضية والنواحي والقرى، والتي أصبح واقعها لا يطاق".

ورجح عبد اللطيف أن "تحذوا معظم المحافظات العراقية حذو البصرة في حال تحقق خيار الإقليم فيها وأصبح أمرا واقعا، ففي السابق عندما تقدمت بالطلب عام 2008 تواصل معي العديد من المحافظين وأبدوا رغبتهم في تحويل محافظاتهم لأقاليم مباشرة بعد نجاحه في البصرة".

وأكد أن "أسباب لجوء المحافظات إلى خيار الإقليم، كونها لا تحظى باهتمام من الحكومات العراقية المتعاقبة، وإنما يتم التركيز على العاصمة بغداد فقط، بل على مركزها فقط، وليس الأقضية والنواحي فيها".

وأشار عبد اللطيف إلى أن "التحرك الحالي للقائمين على موضوع الإقليم في البصرة يسير بزخم كبير، وأن الأعداد التي توقع استمارة المفوضية تبشر بخير، لذلك ربما تجد طريقها إلى النجاح".

واستبعد المحافظ السابق أن "تستطيع الدول الإقليمية إجهاض مشروع إقليم البصرة، خصوصا مع إصرار الجماهير على إقامته، فضلا عن عدم تحوّل المدينة إلى جزء من الدول الإقليمية المجاورة للبلاد- كما يطرح البعض- وإنما ستبقى ضمن العراق الواحد".

ونوه عبد اللطيف إلى أنه "لا شيء يمنع تحويل المحافظات كلها إلى أقاليم لتتمكن من إدارة نفسها وعدم الاعتماد على حكومة المركز، وخصوصا أن محافظات مثل نينوى والبصرة والأنبار، كبيرة بالمساحة والسكان، بالتالي يتمكنون من إدارتها بالشكل الصحيح لو تحولت إلى أقاليم".

"لحظة الانهيار"
وفي المقابل، رأى الكاتب والمحلل السياسي العراقي، جاسم الشمري، أن "التحرك الحالي لإقامة إقليم البصرة هو جزء من حالة الربكة السياسية القائمة في العراق، والسابقة لمرحلة تشكيل الحكومة".

وأوضح الشمري لـ"عربي21" أن "الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم رغم أنه يمتلك أغلبية جيدة في البرلمان، لكنه لا يستطيع تشكيل الحكومة بمفرده، إضافة إلى أنه يشهد خلافات حقيقية بين الكتل الشيعية الكبرى، ولاسيما بين كتلتي نوري المالكي ومحمد شياع السوداني". 

ورأى الخبير العراقي أن "القضية ليست مجرد تحريك فقرة ضمن الدستور العراقي، وإنما هي جزء من حالة الربكة السياسية القائمة في البلد، فإن هذه المدن ربما رأت نفسها أنها خزينة العراق ولاسيما البصرة، بالتالي تريد هذه المحافظات والكيانات التحكم ببقية محافظات البلد، وإذا وصلنا إلى هذه المرحلة فإننا أمام لحظة الانهيار العام ونقطة اللاعودة".

وشدد على أن "القضية بحاجة إلى أن تكون هناك قوى عراقية حكيمة تنظر إلى الموضوع من بعده الحقيقي، وليس من زاوية أن بعض المحافظات لها الحق في تشكيل الأقاليم بموجب الدستور العراقي".

ولفت إلى أن "ما يجري اليوم هي قضية سياسية قبل أن تكون محاولة تنفيذ رغبة جماهيرية أو شعبية، لأن حالة الانفصال بين عموم العراقيين غير موجودة، لكن القوى السياسية هي من تحرك هذا الأمر".
وتابع: "الدليل، أنه بعد عام 2003 مباشرة، حرّكت بعض الكيانات السياسية الشيعية الكبرى ملف الإقليم الشيعي، لكنها عندما استحوذت على غالبية المشهد السياسي العام في العراق، بدأت تحارب من يحاول إنشاء الإقليم طبقا للدستور".

وحذر الشمري من أن "تقود قضية الأقاليم إلى حالة من الاقتتال الشعبي بين القوى التي ستسيطر على منابع النفط والثروات وبين المحافظات الفقيرة، وهذه نتيجة طبيعة السياسات الهمجية التي تدار بها الدولة العراقية".

وعن مدى تعاطي السلطات العراقية إيجابا مع قضية إقليم البصرة، قال الشمري إنه "حاليا لدينا حكومة تصريف أعمال في بغداد، وهذه لا يكون لديها أي قرارات، بالذات تجاه مثل هذه القضايا الحساسة".

وبخصوص العامل الخارجي وموقفه من قضية الإقليم، ولاسيما دول الجوار العراقي، توقع الشمري أن "يكون محافظ البصرة الحالي أسعد العيداني قد تحرك على دول المنطقة، وحصل على بعض الدعم منها لإقامة الإقليم".

وتساءل الشمري، قائلا: "هل من مصلحة العراق أن يذهب إلى خيار الأقاليم؟، لأنه هذا الأمر بداية للتقسيم، وليس نوع من أنظمة الحكم- كما هو الحال في العديد من دول المنطقة- التي في معظمها ذات توجهات إدارية بحتة وليست قضية تفكيك لبلد يتمتع بموارد وإمكانيات بشرية كبيرة، إضافة إلى موقعه المهم في المنطقة".

وخلال السنوات الماضية، شهد ملفّ إقليم البصرة مناقشات سياسية وشعبية، بين من يراه فرصة لتعزيز الإدارة المحلية وضمان حصّة أوضح للمحافظة من مواردها النفطية، وبين من يخشى أن يتحوّل هذا الخيار إلى بوّابة لمزيد من الانقسام السياسي والجغرافي في ظلّ هشاشة التجربة الاتحادية في العراق.