توصل العلماء إلى وجود "
رموز عصبية مميزة" داخل الدماغ تختلف بين الأفراد، وتلعب دورا في تحديد أنماط السلوك وصفات الشخصية لكل شخص، ويمكن أن توفر هذه الجهود رؤى قيّمة وقابلة للتعميم حول الأسس البيولوجية للقدرات المعرفية البشرية والسمات والسلوكيات.
لطالما حاولت العديد من الدراسات فهم العوامل الكامنة وراء الفروق الفردية في السلوك والإدراك والصحة النفسية، ورغم أن تلك الدراسات السابقة ركزت بشكل رئيس على التفاعلات بين مناطق الدماغ البعيدة، إلا أن علماء صينيين حللوا الديناميكيات العصبية داخل المنطقة، ونشروا نتائجهم في مجلة "نيتشر هيومان بيهيفيور".
وعادة ما يفكر البشر ويتصرفون ويتعاملون مع العالم بطرق مختلفة، وهذه الفروق تنجم عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية وآليات الدماغ البيولوجية والتجارب الحياتية المتراكمة، والقدرات المعرفية المعينة لدى الأفراد، وتسعى العديد من الأبحاث في مجالات علم النفس إلى فهم الأسس التي تميز كل فرد من حيث السلوك والإدراك والصحة النفسية. وأحد الأساليب المتبعة لذلك هو دراسة أنماط النشاط العصبي التي تظهر تلقائيًا عندما يكون الشخص مستيقظًا دون القيام بأي نشاط ذهني محدد.
واعتمد العلماء في تحليلهم على بيانات
مسح دماغي لـ 30,148 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 8 و82 عاما، أجري أثناء حالة الاستيقاظ والاسترخاء، استنادًا إلى أربع قواعد بيانات ضخمة متاحة للعموم، وقسّم الباحثون الدماغ إلى 271 منطقة، متتبعين تغير النشاط العصبي فيها مع مرور الوقت، ومن خلال ذلك، تمكّنوا من اكتشاف خصائص عصبية ظلت ثابتة لدى كل شخص، أطلق عليها الباحثون اسم "
الرمز الشريطي العصبي" باعتباره يمثل بصمة دماغية تميز كل فرد.
وأوضح الفريق البحثي أنهم اكتشفوا مجموعة من السمات العصبية الموثوقة التي تُعد بمثابة هوية مستقرة تترجم الفروق الفردية في السلوك وتحدد جوانب الشخصية، وقد جمعت هذه "الرموز" بين أنماط غير خطية في بعض مناطق الدماغ وبين سمات مرتبطة مثلاً بتعاطي المخدرات، كما ربطت بين ديناميكيات "التجول العشوائي" في الشبكات العصبية وبين القدرات المعرفية العامة.
وبيّن العلماء أن هذه النتائج تنطبق على مختلف الفئات العمرية والمجموعات السكانية، حيث تميزت مؤشرات تعاطي المخدرات بحساسية خاصة للعمر، بينما ظهرت المؤشرات المتعلقة بالوظائف الإدراكية بشكل ثابت لدى الجميع، ومن اللافت أن الأنماط الدماغية المرتبطة بالاستعداد لتعاطي المواد المخدرة ظهرت في مناطق مسؤولة عن معالجة المعلومات الحسية، بينما ارتبطت الإشارات البطيئة والعميقة في مناطق القرار والتفكير والذاكرة بقدرات عقلية أعلى.
وتثبت هذه الدراسة أن نمط النشاط العصبي داخل كل منطقة دماغية يمكن أن يقدم مؤشرًا على السلوك والصفات الشخصية، وفي المستقبل، يمكن للباحثين في علم الأعصاب والسلوك الاعتماد على هذه النتائج وتوسيعها عبر دراسات إضافية، ما قد يساهم في فهم أعمق للأسس البيولوجية للقدرات الذهنية والسلوكيات الإنسانية.