مقابلات

مفوضية أممية لـ"عربي21": الوضع الإنساني في السودان بلغ أسوأ مراحله

المتحدثة الرسمية باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قالت إن أكثر من 81 ألف شخص فرّوا من الفاشر باتجاه طويلة والمناطق المجاورة- عربي21
قالت المتحدثة الرسمية باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إيوجين بيون، إن "الوضع الإنساني في السودان، ولا سيما في مدينة الفاشر، بلغ أسوأ مراحله حتى الآن، مع انهيار شبه كامل بعد أكثر من 500 يوم من الحصار وتصاعد أعمال العنف والقتال، واستمرار تعذّر وصول المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من المدنيين".

وأضافت بيون، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "الفاشر تحوّلت إلى مركز لانهيار إنساني غير مسبوق بسبب الحصار الطويل والنزوح الجماعي وقطع طرق الإمداد، مما جعلها بؤرة للجوع وسوء التغذية والأمراض، في ظل عجز شبه تام عن إيصال الغذاء والماء والدواء إلى السكان المحاصرين".

وأوضحت أن "القتال المستمر وانعدام الأمن وقطع الممرات الإنسانية جعل الوصول إلى المدنيين شبه مستحيل، وأن فرق الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تواجه مخاطر كبيرة أثناء محاولاتها إيصال المساعدات أو إجلاء المصابين، بينما تبقى مناطق واسعة معزولة تماما عن أي دعم إنساني".

وأشارت المتحدثة الرسمية باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن "أكثر من 81 ألف شخص فرّوا من الفاشر باتجاه طويلة والمناطق المجاورة، وأن الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد"، مؤكدة أن "كل طفل يصل من الفاشر تقريبا يعاني من علامات الجوع الشديد، ما يعكس انهيارا كاملا في شبكات الإمداد الغذائي داخل المدينة".

وشدّدت بيون على أن "نقص التمويل العالمي يفاقم المأساة؛ إذ لم يُغطَّ سوى ربع الاحتياجات الإنسانية"، داعيةً المجتمع الدولي إلى "التحرك العاجل لتأمين ممرات آمنة وإقرار وقف لإطلاق النار، وتمكين المنظمات الأممية من الوصول إلى المناطق المنكوبة قبل أن تتحول الكارثة القائمة إلى مأساة إنسانية أعمق وأوسع نطاقا".

وفي 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استولت "قوات الدعم السريع" على الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، وارتكبت مجازر بحق مدنيين بحسب منظمات محلية ودولية، وسط تحذيرات من تكريس تقسيم جغرافي للبلاد.

وأظهرت مقاطع مصوّرة انتشرت مؤخرا قيام عناصر منسوبين إلى "قوات الدعم السريع" بتهجير المدنيين قسرا وقتل وتعذيب عدد كبير من السكان العزل، في مشاهد تعكس عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها الإقليم منذ أشهر.

وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أقر قائد "قوات الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بحدوث "تجاوزات" من قواته في الفاشر، مدعيا تشكيل لجان تحقيق.

ويشهد السودان منذ 15 نيسان/ أبريل 2023 صراعا دمويا بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، أسفر عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص وشرّد نحو 13 مليونا.

وتُعد مدينة الفاشر، كبرى مدن إقليم دارفور، من أكثر المناطق تضررا، حيث سيطرت "قوات الدعم السريع" عليها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعد معارك عنيفة.

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21" مع المتحدثة الرسمية باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:

كيف تصفون مستوى الكارثة الإنسانية في السودان اليوم مقارنة بالمراحل السابقة من الصراع؟

الوضع الإنساني في السودان، ولا سيما في مدينة الفاشر، بلغ أسوأ وأبشع مراحله حتى الآن، مع انهيار شبه كامل بعد أكثر من 500 يوم من الحصار وتصاعد أعمال العنف. لقد اُضطرت كثير من العائلات إلى الفرار بحثا عن مناطق آمنة، غير أن رحلة النزوح نفسها تجري وسط انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، سواء داخل مدينة الفاشر المُحاصرة أو على الطرق المؤدية إلى خارجها، الأمر الذي فاقم المأساة وجعل الوضع الإنساني بالغ الخطورة بكل المقاييس.

ما العوامل الرئيسة التي جعلت من مدينة الفاشر مركزا لانهيار الوضع الإنساني في شمال دارفور؟
تحوّلت الفاشر إلى بؤرة الأزمة بعدما أُنهكت بحصار طويل الأمد، ونزوح جماعي، وإغلاق طرق المساعدات.

كيف تؤثر القيود الأمنية والعسكرية على قدرة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في الوصول إلى المحتاجين؟
القتال المستمر، وانعدام الأمن، وإغلاق الممرات جعلت من شبه المستحيل على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الإنسانية الوصول إلى المدنيين الذين هم في أمسّ الحاجة للمساعدة.

ما التحديات التي تواجه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في جمع بيانات دقيقة حول أعداد النازحين وحجم احتياجاتهم؟
صعوبة الوصول وانقطاع الاتصالات بشكل واسع يحدّان بشدة من قدرة المفوضية على جمع بيانات دقيقة عن النزوح والاحتياجات.

ذكرتم أن أكثر من 80 ألف شخص فرّوا من الفاشر.. إلى أين يتجه معظم هؤلاء النازحين؟ وهل هناك مناطق آمنة نسبيا؟
يتجه معظم الفارين البالغ عددهم نحو 81 ألفا إلى منطقة طويلة التي تبعد 50 كيلومترا عن الفاشر، وإلى مناطق مجاورة أخرى. كما يصل بعضهم إلى مدينة الدبة في الولاية الشمالية، وإلى ولايات دارفور الأخرى، إضافة إلى ولايتي النيل الأبيض وغرب كردفان.

كيف تتعاملون مع حالات سوء التغذية الجماعية وخاصة بين الأطفال في طويلة والمناطق المحيطة؟
تقدّم المفوضية مساعدات طارئة تشمل الغذاء والمأوى والخدمات الطبية ومجموعات الوقاية من العنف الجنسي، لكن حجم هذه المساعدات لا يزال محدودا جدا مقارنة بالاحتياجات الهائلة، في ظل تزايد أعداد النازحين واستمرار صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة.

إلى أي مدى يسهم نقص التمويل في تفاقم الأزمة مقارنة بالعقبات الأمنية أو السياسية؟
إن النقص الحاد في التمويل الإنساني؛ إذ لم يُغطَّ سوى نحو ربع الاحتياجات الفعلية، يشكّل عاملا أساسيا في تفاقم الأزمة إلى جانب انعدام الأمن والعوائق السياسية؛ فضعف التمويل لا يعرقل فقط إيصال المساعدات، بل يحدّ أيضًا من قدرة الوكالات الإنسانية على توسيع استجابتها، وتوظيف الكوادر، وتأمين الإمدادات الحيوية للمناطق المنكوبة.

هل تلاحظون استهدافا متعمدا أو عرقلة لجهود الإغاثة من قِبل أي من أطراف النزاع؟
تفيد التقارير بأن الجماعات المسلحة تتعمد منع المساعدات ونهبها ومضايقة المدنيين والعاملين الإنسانيين، في حين لا يجوز مهاجمة المدنيين أو استهدافهم تحت أي ذريعة.

كيف تقيّمون موقف المجتمع الدولي حتى الآن في التعامل مع أزمة السودان؟
الاستجابة والدبلوماسية العالمية لا تزال غير كافية، وتحث المفوضية المجتمع الدولي على مزيد من الانخراط والتمويل.

ما الدور الذي ينبغي أن يؤديه المجتمع الدولي في محاولة إنهاء الأزمة السودانية؟
ينبغي للعالم أن يضغط من أجل وقف إطلاق النار وضمان ممرات إنسانية آمنة نحو الفاشر وسائر المناطق المحاصرة.

هل لا تزال الأمم المتحدة تملك القدرة اللوجستية على توسيع نطاق استجابتها داخل السودان رغم تصاعد المخاطر؟
رغم تصاعد المخاطر، تحتفظ الأمم المتحدة بقدرات لوجستية محدودة، لكنها لا تستطيع توسيع نطاق عملها دون وصول أكثر أمانا وتمويل إضافي.

هل جرت مفاوضات بينكم وبين أطراف النزاع لتأمين ممرات إنسانية إلى المستشفيات أو مراكز الإيواء؟
تواصل المفوضية نقاشاتها مع أطراف النزاع لتأمين طرق إنسانية، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاقات مُلزمة حتى الآن. لقد أطلقنا مرارا وتكرارا دعوات لوقف فوري لإطلاق النار يتيح فتح ممرات إنسانية آمنة لإيصال المساعدات وضمان حماية المدنيين، غير أن هذه الدعوات لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى الآن.

هل تعتقدون أن الوقت قد حان لتدخل مباشر من الأمم المتحدة يضمن حماية المدنيين والعاملين الإنسانيين؟
الأزمة المتفاقمة تؤكد الحاجة العاجلة إلى إجراءات أممية أقوى لحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني.

ما تداعيات استمرار انقطاع إمدادات الغذاء والمياه على الصحة العامة وانتشار الأوبئة في مناطق النزوح؟
انقطاع الغذاء والمياه يؤدي إلى سوء تغذية حاد ويهدد بانتشار أوبئة كبرى في مواقع النزوح.

وماذا عن أوضاع النازحين واللاجئين السودانيين في دول الجوار؟
منذ اندلاع الصراع في نيسان/ أبريل 2023، وثّقنا نزوح ما يقارب 12 مليون سوداني، من بينهم 8 ملايين نازح داخل البلاد و4 ملايين لاجئ اضطروا لعبور الحدود نحو دول الجوار، ويتجه الغالبية من النازحين إلى تشاد وجنوب السودان وجمهورية الكونغو، غير أن هذه الدول تعاني هي الأخرى من أزمات اقتصادية وإنسانية قاسية، مما يجعل توفير الدعم الكافي لهؤلاء اللاجئين أمرا بالغ الصعوبة من دون تدخل دولي واسع ومنسق.

ما الرسالة التي تودون توجيهها إلى أطراف النزاع والدول المانحة بشأن مسؤولياتهم تجاه ملايين المدنيين والنازحين داخل السودان وخارجها؟
تحث المفوضية جميع أطراف النزاع على حماية المدنيين، وتدعو الدول المانحة إلى التحرك الفوري لإنقاذ ملايين الأشخاص المحاصرين جراء الصراع. كما ندعو المجتمع الدولي ألا ينسى ملايين السودانيين النازحين واللاجئين، وأن يتحرك بشكل عاجل لتأمين الدعم والحماية لهم قبل أن تتحول الكارثة القائمة إلى مأساة إنسانية أعمق وأوسع نطاقا.