نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تحليلا لتسفي بارئيل محلل شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، عن الدور التركي في اتفاق وقف إطلاق في
غزة.
واستشهدت الصحيفة، بحديث الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان الأربعاء الماضي، بأن "
تركيا تحاول أن تشرح لحماس ما هو أفضل طريق نحو إقامة دولة فلسطينية مستقبلية".
وقالت الصحيفة، إن "الشرح والإقناع كلمتان يكثر أردوغان من استخدامهما عند الحديث عن جهود الوساطة التي يبذلها، وليس فقط تجاه حماس. فعلى عكس تعامله مع أعدائه في الداخل والأعداء الذين تحاربهم تركيا، فإن الضغط والتهديد ليسا من قاموسه الدبلوماسي".
وكما في مبادرات الوساطة السابقة، التي بدأت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تُقدم تركيا نفسها كشريك في العمليات السياسية، والتي، وفقًا لأردوغان، يجب أن تُنفذ "بالتنسيق والتفاهم والمرونة".
وبحسب الصحيفة، فإن تركيا تمتلك عدة أدوات ضغط يمكنها استخدامها ضد حماس فهي موطن لعدد من مسؤولي الحركة الذين يحملون جوازات سفر تركية، ويمتلك بعضهم منازل وأصولًا أخرى في البلاد وقد نُقل العديد من أسرى حماس المفرج عنهم في صفقة جلعاد شاليط إلى تركيا ولا يزالون هناك.
وأضافت الصحيفة، أن حماس تمتلك شبكة مالية واسعة، أسسها صالح العاروري أثناء إقامته في إسطنبول وقبل نفيه منها عام 2015، وتشمل هذه الشبكة شركات مدرجة في البورصة التركية.
وتابعت، "كادت إمبراطورية حماس التجارية أن تُدرج تركيا في مجموعة العمل المالي، التي أنشأتها دول مجموعة السبع لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عندما طرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عام 2024 إمكانية ترحيل قادة حماس من قطر، رئيس الوزراء محمد عبد الرحمن آل ثاني، كانت الخيارات التي اقترحتها حماس نفسها هي تركيا وسوريا".
وبرهنت تركيا في الماضي على أنها لا تخشى طرد النشطاء السياسيين عندما تقتضي مصالحها ذلك. فمنذ عام 2022، وبينما سعت أنقرة إلى إصلاح علاقاتها مع مصر، فرضت حكومة أردوغان قيودًا على أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، وأمرت بإغلاق وسائل إعلامها لكن مع حماس، يلعب أردوغان لعبة مختلفة.
وأشار تحليل الصحيفة، إلى أن "أنقرة نفسها الآن في موقف مُوازِن بين دورين. الأول، كُلِّفت من قِبَل ترامب، إلى جانب مصر وقطر، بإبرام اتفاق مع إسرائيل وإقناع حماس بتوقيعه. والثاني، تطلب حماس من تركيا أن تكون ضامنةً لتنفيذ الاتفاق: من وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى إلى المرحلة التالية من انتقال غزة إلى إدارة دولية وفلسطينية، بدعمٍ من قوة متعددة الجنسيات لم تُحدَّد بعد".
وأوضحت أن هذا الدور المزدوج يضع تركيا في موقف مألوف - التوسط بين الخصوم مع الحفاظ على صورة الوسيط العادل، ويُذكرنا هذا بمشاركتها في صفقة الحبوب الأوكرانية الروسية عام 2022، عندما نجحت في ترسيخ مكانتها كوسيط نزيه رغم كونها عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تُزود كييف بطائرات مُسيّرة، رافضةً الانضمام إلى العقوبات الغربية على موسكو.
وفي ظل هذا النهج الدبلوماسي، من غير المجدي توقع أن يُهدد أردوغان حماس أو يمارس عليها ضغوطًا شديدة فبعد استبعادها لسنوات - بإصرار إسرائيلي كبير - من الانخراط في القضية الفلسطينية، تسعى تركيا الآن ليس فقط للانضمام مجددًا إلى جهود الوساطة، بل أيضًا إلى ضمان دور مستقبلي لها في إدارة غزة بعد الحرب وهذا الطموح بحد ذاته يُوفر لحماس نوعًا من الطمأنينة السياسية.
وأردفت الصحيفة، أنه بالرغم من أن أنقرة ساندت القرارات العربية والإسلامية التي قادتها السعودية، والتي أعلنت أن حماس لا ينبغي أن تحكم غزة ويجب أن تنزع سلاحها، فإن تركيا ربما لا تزال تعمل بمثابة الطرف الذي يحافظ على وجود حماس كحركة سياسية.
وتعتمد توقعات حماس من تركيا إلى حد كبير على العلاقة الدافئة بين أردوغان وترامب، الذي يأمل أن يمنح إسرائيل المزيد من التنازلات وربما حتى التزاما أمريكيا مكتوبا يضمن أن إسرائيل لن تستأنف الحرب بعد إطلاق سراح جميع الرهائن، وأنها ستنسحب من غزة وفقا لجدول زمني محدد. ولكن ربما تساعد تركيا المنظمة على الاستمرار في الوجود كحركة سياسية.
وأشارت إلى أن هذه الديناميكية تُميّز تركيا عن مصر وقطر. يتمتع أردوغان بتواصل مباشر مع ترامب، ويمتلك ما يصفه المسؤولون الأتراك بـ"أصول دبلوماسية قيّمة" لواشنطن، بدءًا من الاستقرار المُحتمل في سوريا، وصولًا إلى خفض واردات الطاقة من روسيا، وصولًا إلى صفقات بمليارات الدولارات لشراء طائرات بوينغ وإف-16.
وقالت "هآرتس" إن مساعي حماس للحصول على مساعدة تركيا ليست جديدة ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، التقى رئيس مجلس شورى الحركة، محمد درويش، بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لعرض خطة تتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيلي كامل.
وفي ذلك الوقت، وبينما كان جو بايدن لا يزال في البيت الأبيض، قضت معارضة إسرائيل القاطعة لكل من الاقتراح والتدخل التركي على المبادرة، ومنذ ذلك الحين، حافظت حماس على اتصالاتها مع أنقرة. والتقى درويش مرتين على الأقل هذا العام مع فيدان ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين، الذي يرأس الآن الوفد التركي إلى محادثات شرم الشيخ.
ويعتبر كالن الذي خلف فيدان في رئاسة جهاز الاستخبارات الوطني أحد أكثر مساعدي أردوغان ثقة، فهو فيلسوفٌ بطبعه، وباحثٌ في الفكر الإسلامي خريج جامعة جورج تاون، وموسيقيٌّ محترف، ولطالما كان محور الدبلوماسية الإقليمية التركية - من إدارة الاتصالات مع القيادة السورية إلى التفاوض مع حزب العمال الكردستاني. وهو الآن الرجل المُكلَّف بتأليف "اللحن" الذي يمكن لحماس الانضمام إليه.
وبحسب مسؤولين مصريين وأتراك، فإن فرص كالن في تحقيق نهاية ناجحة لهذه السيمفونية الدبلوماسية الحساسة أصبحت أفضل من أي وقت مضى.