قالت صحيفة "معاريف" العبرية، أن
إسرائيل تواجه فخا سياسيا ودبلوماسياً معقداً بعد رد حركة
حماس على مقترح وقف إطلاق النار، والذي جاء بصيغة "نعم، ولكن"، في إشارة إلى قبول مشروط للاتفاق ورفض لبعض بنوده.
وأوضحت الصحيفة في مقال للكاتبة آنا بارسكي أن حركة حماس وافقت من حيث المبدأ على وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى، لكنها رفضت نزع سلاحها أو السماح بوجود دولي أو حكم غير فلسطيني في
غزة، وهو ما وصفته بارسكي بأنه رد "غامض بما يكفي كي لا يعد رفضا، ومتحفظ بما يكفي كي لا يعد قبولا"، مضيفة أن هذا الموقف كان متوقعا في ظل الضغط الدولي والعربي بعد إعلان البيت الأبيض خطته الجديدة.
وبيّنت الكاتبة أن واشنطن لم تفاجأ برد حماس، معتبرة أن مجرد تقديمها ردا رسميا يمثل بداية مرحلة جديدة واختبارا مزدوجا لكل من حركة حماس وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن "الدراما الحقيقية لا تدور في غزة، بل في القدس"، حيث تواجه حكومة الاحتلال مأزقا سياسيا حادا، إذ إن أي رفض إسرائيلي قد يُفقدها الشرعية الدولية التي اكتسبتها مؤخرا بعد إعلان الخطة الأمريكية.
وأضافت بارسكي أن إسرائيل خاضت على مدار عامين حربا بلا هدف سياسي واضح، معتمدة على القوة العسكرية وحدها، لكن طرح البيت الأبيض لخطة منسقة مع الدول العربية كشف أن لغة القوة لم تعد كافية، وأن إسرائيل مضطرة لتعديل خطابها السياسي بما يتناسب مع الواقع الجديد.
وبحسب "معاريف"، فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب تسعى لتحقيق إنجاز دبلوماسي سريع في الشرق الأوسط بعد عودته إلى البيت الأبيض بوعد "استعادة الاستقرار العالمي"، مشيرة إلى أن رد حماس الجزئي يمنح واشنطن فرصة للقول إن ضغطها نجح، ما يجعل الكرة الآن في ملعب إسرائيل.
وشرحت الصحيفة أن هذه المرحلة تمثل معضلة كبرى لرئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو، إذ يهدد وزراء اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بالاستقالة في حال وافقت الحكومة على وقف إطلاق النار قبل "القضاء التام على حماس" بحسب وصفه.
في المقابل، يلمح بيني غانتس إلى إمكانية الانضمام للحكومة إذا تبنت الخطة السياسية، بينما أعلن زعيم المعارضة يائير لبيد استعداده لتوفير "شبكة أمان" لصفقة تبادل الأسرى وربما دعم اتفاق على موعد للانتخابات المقبلة.
وأشارت بارسكي إلى أن خطة ترامب قد تؤدي إلى تفكك الحكومة الحالية وتشكيل أخرى مؤقتة، موضحة أن نتنياهو إذا وافق على الخطة فسيخسر شركاءه في اليمين، لكنه قد يحظى بدعم من الوسط والمعارضة، أما إذا رفضها فسيخسر دعم واشنطن وأوروبا وربما ما تبقى من الغطاء السياسي لإسرائيل.
وأكدت الكاتبة أن الأزمة الراهنة ليست عسكرية بل سياسية بامتياز، متسائلة: "كيف يمكن الحفاظ على حكومة بينما يدفع البيت الأبيض في اتجاه، ووزراؤك في اتجاه آخر؟ وكيف يمكن الحفاظ على مظهر الثبات دون أن يُفهم ذلك على أنه رفض للسلام؟".
وأوضحت أن إسرائيل تحاول في الوقت الراهن تحقيق ثلاثة أهداف متوازية: طمأنة الولايات المتحدة، والحفاظ على السيطرة العسكرية في الميدان، ومنع انهيار الائتلاف الحكومي أو على الأقل تأجيله.
وأضافت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي طُلب منه "كبح العملية في مدينة غزة مؤقتا"، معتبرة أن هذا ليس وقفا لإطلاق النار بقدر ما هو "هجوم لوقف إطلاق النار"، وهو ما وصفته بأنه "تغيير شكلي عسكريا، وجوهري سياسيا".
ولفتت "معاريف" إلى أن ردود الفعل العربية جاءت حذرة، حيث تحدثت القاهرة وعمان والدوحة عن "بداية عملية"، وتستعد هذه العواصم لوضع آليات رقابية محتملة لمرحلة ما بعد الحرب.
واعتبرت الصحيفة أن حماس ترى في الاتفاق الجزئي إنجازا لأنه يعيدها إلى الساحة السياسية كلاعب فاعل يملك عنوانا ويتقدم بمطالب، في حين تسعى حكومة الاحتلال إلى الحفاظ على "صورة النصر" حتى أثناء تقديم التنازلات.
وختمت بارسكي مقالها بالقول إن الوضع الحالي فريد من نوعه، إذ يسعى كل طرف إلى الظهور بمظهر الموافق دون أن يقول "نعم" صراحة؛ فحماس تشتري الوقت، وإسرائيل تشتري الشرعية، أما الولايات المتحدة فتسعى إلى إنجاز سياسي قد يقودها، كما كتبت، إلى "جائزة نوبل للسلام".