سلطت صحيفة عبرية الضوء على شخصية المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة
حماس أبو عبيدة، والتي قالت إنه وجّه حرب الوعي في قطاع
غزة.
وذكر جاكي حوجي، محرر الشؤون العربية في الإذاعة العسكرية
الإسرائيلية، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" جوانب من "حرب الوعي" التي خاضتها تل أبيب وحركة حماس خلال الحرب، زاعما فيها أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سجل انتصارات واسعة على حماس وحزب الله في ساحات الإعلام والنفسية.
وقال حوجي إن اغتيال حذيفة الكحلوت المعروف باسم "أبو عبيدة" لم يكن مفاجأة من حيث النتائج، لكن المدهش أنه لم ينجح الجيش الإسرائيلي في الوصول إليه منذ زمن.
وأضاف أن أبو عبيدة لم يقتصر دوره على نشر المضامين الإعلامية وقيادة "عمليات الوعي" فحسب، بل كان ضابطا ميدانيا قاد القتال بنفسه، وكان بارعا في أداء مهامه وقائدا مسؤولاً عن قاطع مهم في جنوب قطاع غزة.
وادعى المقال أن الهجوم على الشقة التي تواجد فيها أبو عبيدة في حي الرمال بغزة، أدى إلى استشهاده مع ستة أشخاص آخرين بينهم زوجته وابنه وابنته.
وأوضح أن الكحلوت "40 عاما عند استشهاده" لم يكن متحدثا رسميا فقط، بل كان واجهة الجناح العسكري إعلاميا، وصياغته للمحتوى أسهمت في تشكيل وعي جماهيري واسع، حتى لدى جمهور إسرائيلي، عبر رسائل محددة وتوقيت نشر محسوب.
وأضاف أن أبو عبيدة كان يشرف على مقاطع الفيديو الخاصة بالأسرى ويدرسها ويقرر توقيت نشرها، وغالبا كان يختار ليالي السبت أو لحظات حساسة أثناء تفاوضات لزيادة التأثير.
وأشار حوجي إلى أن أبو عبيدة كان أول من ينشر أسماء المفرج عنهم في صفقات التبادل قبل كل جولة إفراج، ما أثار ترقبا كبيرا داخل الأراضي المحتلة وغزة، وأن مراسم الإفراج المصوّرة كانت عروضا مُتقنة إخراجياً تختار مواقعها "غالبا أحياء مدمرة" والمحتوى المكتوب على اللافتات، بل إن إخراج مشاهد الإفراج مثل إخراج المجندة أغام بيرغر من بين أنقاض بدل إخراجها من سيارة كان جزءا من صناعة المشهد الإعلامي الذي يوثّق الدمار ويرسخ رسالة.
وأفاد المقال بأن خطاباته المسجلة كانت تُبث بمعدل تقريبي مرة شهريا طوال الحرب، ولغته تجمع بين مستوى ثقافي مرتفع وبساطة مفهومة للجميع، ووجهت إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي، لكنها قبل ذلك كانت موجهة لاحتضان سكان غزة ونداء استغاثة إلى الشارع العربي والحكومات.
وبعد وفاته، صنّفه الشاباك وجيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه "رئيس قسم الدعاية والحرب النفسية وعمليات الوعي في الجناح العسكري". وأوضح أن أبو عبيدة لم يكن وحيداً بل كان يقود طواقم توثيق فيديو وخبراء عمليات وفرق إدارة حسابات على منصات التواصل، وخدم في حماس لعقدين على الأقل، ومنهم 12 عاما كمتحدث عسكري.
وأضاف حوجي أن وسائل التواصل نشرت هذا الأسبوع رسالة الماجستير التي أنجزها أبو عبيدة في الجامعة الإسلامية بغزة، وهي رسالة شاملة من 656 صفحة تناولت مقارنة مواقف الديانات السماوية الثلاث من الأرض المقدسة، واستشهدت فيها برسائل نبوية وقدمت مراجع عن قادة ومفكرين معاصرين وإسرائيليين، من بينهم حاييم وايزمان وديفيد بن غوريون وبنيامين
نتنياهو والحاخام يهودا الكلعي والشاعر موشيه هاس وحاخام زلمان باروخ ميلاميد.
ومن أبرز إنجازات الاحتلال في حرب المعلومات، بحسب المقال، نجاحها في تجنيد وسائل إعلام سعودية لتصبح قنوات رئيسية في نقل رسائل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، على رأسها قناتا "العربية" و"الحدث" إضافة إلى صحيفة "الشرق الأوسط".
وأكد أن جهات ومسؤولين إسرائيليين استُخدمت وسائل الإعلام هذه يوميا لنشر رسائل ومضامين تخدم أهداف إسرائيل.
ورصد حوجي أسلوبا متكررا للتأثير على حزب الله، فور وقوع هجوم إسرائيلي، تنشر قناة عربية أو صحيفة اسم ومنصب الضحية من مصادر مجهولة، فيصبح لدى الخصم العربي اطلاع فوري على أسماء القتلى باللغة العربية.
واعتبر أن تتبع الهدف وكشف مكانه شكلا اختراقا استخباراتيا عميقا، وأن الإعلان الفوري عن مقتله وهو محترق في سيارته حرمه من فرصة التكريم التقليدي، فكان إذلالا مزدوجا أدى إلى شلل معنوي عند حزب الله.
وأضاف أن مثال اغتيال أبو عبيدة أعيد تكراره عبر نشر قناة "العربية" تقريرا أكدت فيه مقتله ونسبت ذلك لمصادر عائلية وعناصر من حماس في منطقة الهجوم، محذرا من وجوب التشكيك في صحة مزاعم قناة عربية عن مصادر
فلسطينية حساسة.
وأشار المقال إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي والشاباك أصدرَ عملا بيانا رسميا يؤكدان فيه مقتل حذيفة الكحلوت بعد امتناع حماس عن التعليق.
وسجل حوجي أن أساليب مماثلة طُبّقت في ساحات أخرى، فمثلا نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" نقلا عن مصادر في صنعاء تقارير عن حالة هروب قيادات في صفوف الحوثيين، وهو ما دعا الكاتب إلى التشكيك في مثل هذه التسريبات كون الحوثيين نادرا ما يكشفون معلومات حساسة لصحيفة سعودية.
واعتبر أن هذا النمط من القتال اليومي يشمل صحفيين إسرائيليين جندتهم جهات إسرائيلية لنشر أخبار منتقاة مدروسة تكتيكيا، وأن هذا مجرد "طرف جبل الجليد" في منظومة واسعة من عمليات التأثير.
وختم المقال بالتأكيد على أن أبو عبيدة أدى مهمته بشكل جيد وأن خلفاءه قد يحاولون تقليد أساليبه، لكن إسرائيل ردّت بشبكة أوسع للعمل الخفي والعلني لإدارة الحرب المعلوماتية.
وأشار إلى أن الجيوش الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، تولي أهمية كبرى لوحدات حرب المعلومات حتى بلغ بعضها تشكيلات لوائية، وأن إسرائيل نقلت مهام وحدات الوعي إلى شعبة العمليات بعد أن كانت ضمن شعبة الاستخبارات العسكرية.
وأضاف أن دولة الاحتلال شنت، بالتعاون مع دول غربية، خلال الحرب حملة دعائية ضخمة ضد الفلسطينيين والعرب، بعضها علني وبعضها غير مرئي، واستُخدمت فيها منصات عربية بعلم أو دون علم هذه الجهات على نطاق واسع.
وأكّد حوجي أن الانقسامات العربية والفلسطينية والتراشق الإعلامي بين الأطراف السهّلَ تنفيذ هذا النوع من العمليات وأدى إلى تضاعف أثرها.
وجاء في خاتمة المقال تعريف للمعركة على الوعي وصفها بأنها "مجموعة عمليات تهدف إلى تغيير الصورة الذهنية والمواقف والعواطف والتصرفات لدى الجمهور المستهدف بهدف شقه وتمزيقه وتقويض مناعته وإدخاله في حالة عجز دائم تمهيدا لفرض هيمنة".
وذكر أن هذه الحرب تستخدم وسائل علنية وسرية يصعب طبقا لها على الجمهور معرفة مصدرها، ومنها توزيع منشورات، السيطرة أو التشويش على البث، إنشاء مواقع وحسابات مزيفة لنشر أخبار مفبركة أو معدلة، ثم إثارة حوارات مسمومة عبر حسابات وهمية لنشر خطاب كراهية بين مكونات المجتمع المستهدف.