ملفات وتقارير

أمريكا على حافة الإغلاق الحكومي.. معركة الإنفاق تعمق الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين

أمريكا على أعتاب شلل حكومي مع تصاعد الخلافات داخل الكونغرس- جيتي
يشهد الكونغرس الأمريكي، ما يوصف بـ"أزمة سياسية غير مسبوقة" منذ سبع سنوات، مع اقتراب البلاد من إغلاق حكومي شامل، قد يبدأ مع الساعات الأولى من يوم الأربعاء المقبل، في ظل فشل الديمقراطيين والجمهوريين في التوصل إلى اتفاق بشأن ميزانية مؤقتة تتضمن ملفات خلافية على رأسها الرعاية الصحية والإنفاق العام.

وبحسب الإجراءات الدستورية، فإن الحكومة الفيدرالية ستتوقف عن العمل رسمياً عند الساعة 12:01 بعد منتصف ليل الثلاثاء بالتوقيت المحلي (الرابعة فجراً بتوقيت غرينتش)، إذا لم ينجح مجلس الشيوخ في تمرير مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس النواب، والقاضي بتمديد تمويل المؤسسات الفيدرالية لسبعة أسابيع، ريثما ينتهي الكونغرس من مناقشة قوانين الإنفاق السنوي.

خلافات حول الرعاية الصحية
العقدة الأساسية التي تعرقل تمرير التمويل المؤقت، تتمثل في إصرار الديمقراطيين على ربطه بتمديد برنامج الرعاية الصحية وخفض تكاليف التأمين، بينما يرفض الجمهوريون بقيادة الرئيس دونالد ترامب إدخال أي شروط إضافية، مؤكدين أنّ: "مشروع القانون الحالي مبسّط وخال من نقاط الخلاف".

وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، عقب لقائه ترامب في البيت الأبيض دون تحقيق أي تقدم يذكر: "الكرة الآن في ملعب الرئيس. بإمكانه تجنب إغلاق المؤسسات الحكومية إذا أقنع قادة الحزب الجمهوري بالموافقة على مطالبنا".

في المقابل، رد نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، الذي حضر اللقاء قائلا: "أعتقد أننا على وشك دخول أزمة إغلاق، لأن الديمقراطيين لن يتصرفوا بحكمة. الرعاية الصحية هي المشكلة هذه المرة".

وبحسب تقديرات رسمية، فإن نحو 24 مليون أمريكي ممّن يحصلون على تغطية عبر "قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة" سيواجهون ارتفاعا حادا في التكاليف مع نهاية العام الجاري، إذا لم يمدد الكونغرس الإعفاءات الضريبية المؤقتة المرتبطة بالقانون.



مصير الموظفين الفيدراليين
يثير الإغلاق المحتمل مخاوف عشرات الآلاف من موظفي الحكومة الفيدرالية الذين قد يجبرون على التوقف عن العمل أو يفقدون رواتبهم بشكل مؤقت. ففي الإغلاقات السابقة، تم تعليق عمل نحو 40% من الموظفين الفيدراليين، فيما استمر الباقون بمهامهم كموظفين أساسيين، لكن جميعهم توقفوا عن تقاضي الرواتب إلى أن أعيد صرفها لاحقا، استنادا إلى قانون "معاملة الموظفين الفيدراليين بإنصاف" الصادر عام 2019.

وبحسب وزارة العمل، فإنّ: "غياب الرواتب في قطاعات حيوية كإدارة الطيران الفيدرالية أو وكالة أمن النقل قد ينعكس بتأخيرات واسعة في المطارات. أما مكاتب الجوازات والقنصليات فستواصل العمل مؤقتاً بفضل اعتمادها على رسوم الخدمات، فيما ستستمر مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، مع احتمال تأخر بعض الخدمات الإدارية مثل إصدار البطاقات أو تصحيح السجلات".


المؤسسات المتأثرة والمستثناة
وفقا للقانون الأمريكي، تواصل بعض الأنشطة الحيوية عملها حتى في حالة الإغلاق، مثل الجيش وأجهزة الأمن وتفتيش الأغذية، إضافة إلى الرئاسة والهيئات المرتبطة بها كالممثل التجاري الأمريكي.

كما يستمر عمل الاحتياطي الفيدرالي وهيئات مثل مكتب حماية المستهلك لعدم اعتمادها على التمويل السنوي من الكونغرس. فيما تبقى مؤسسات شبه حكومية مثل "أمتراك" و"البريد الأمريكي" و"فاني ماي" و"فريدي ماك" في مأمن، بفضل امتلاكها مصادر تمويل مستقلة.

في المقابل، من المتوقع أن تتوقف أنشطة واسعة في الهيئات التنظيمية، مثل لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) التي قد تعلق تحقيقاتها، وهيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) التي ستوقف مراجعة ملفات شركات الاستثمار، بينما تحافظ هيئة تداول السلع المستقبلية (CFTC) على نشاطها بحدّه الأدنى لتفادي "اضطرابات ضخمة في الاقتصاد الخاص"، وفق رأي قانوني يعود إلى عام 1995.

أرقام الإنفاق والعجز
تتمثل القضية المحورية المطروحة أمام الكونغرس في إنفاق "تقديري" يبلغ 1.7 تريليون دولار لتمويل عمليات الوكالات الحكومية، أي ما يعادل ربع الميزانية العامة البالغة سبعة تريليونات دولار. أما الجزء الأكبر من الموازنة فيذهب إلى برامج الرعاية الصحية والتقاعد، إضافة إلى مدفوعات الفائدة على الدين العام الذي وصل إلى 37.5 تريليون دولار.

ويعتبر الانقسام بين الحزبين بشأن قضايا الإنفاق أمرا متكررا في واشنطن، غير أن الأزمة الحالية تبدو أكثر تعقيدا، إذ يرى الديمقراطيون أن لديهم فرصة لاستغلال الوضع من أجل فرض أجندتهم السياسية، فيما يسعى الجمهوريون إلى إظهار التشدد في مواجهة ضغوط خصومهم.

معادلة الأصوات في مجلس الشيوخ
يمتلك الجمهوريون أغلبية 53 مقعدا مقابل 47 للديمقراطيين، إلا أنهم بحاجة إلى 60 صوتا لإقرار مشروع القانون بسبب القواعد الإجرائية، ما يعني الحاجة إلى ثمانية أصوات على الأقل من الديمقراطيين. وتزداد المهمة صعوبة مع إعلان السيناتور الجمهوري راند بول معارضته لمشروع القانون، الأمر الذي قد يُفشل تمريره ما لم يتم التوصل إلى تسوية في اللحظات الأخيرة.

وبحسب مصادر ديمقراطية، فإن الحزب اقترح خطة بديلة لتمديد التمويل لفترة قصيرة تتراوح بين 7 و10 أيام، بهدف منح الوقت الكافي للتوصل إلى اتفاق شامل، غير أن الجمهوريين يفضلون تمديد التمويل حتى 21 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

سجل الإغلاقات السابقة
شهدت الولايات المتحدة منذ عام 1981 ما يقرب من 14 إغلاقا جزئيا للحكومة، استمر معظمها لبضعة أيام فقط. غير أن أطول إغلاق وقع بين عامي 2018 و2019، واستمر 35 يوما بسبب خلاف حول سياسات الهجرة في عهد ترامب.

لكن هذه المرة، يختلف الوضع وفق مراقبين، إذ لم يقر الكونغرس أيا من قوانين الإنفاق الـ12 الخاصة بالوكالات الفيدرالية، ما يجعل الإغلاق المرتقب أكثر شمولا وتأثيرا. وتزداد المخاوف مع تهديد ترامب بإجراء "فصل دائم" للموظفين غير الأساسيين، بدلا من الاكتفاء بإجازة مؤقتة كما جرت العادة.

انعكاسات اقتصادية واجتماعية
يرى خبراء اقتصاديون أن تعطيل مؤسسات حيوية وتأخير صرف الرواتب أو المنح الفيدرالية للشركات الصغيرة، قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واسعة النطاق، خصوصا مع تباطؤ النمو وتزايد أعباء الدين العام. 

كما أن تأخر صدور بيانات التضخم من مكتب الإحصاءات قد يربك احتساب زيادات "تكلفة المعيشة" لملايين المستفيدين من برامج الضمان الاجتماعي.

في ظل هذه المعطيات، تبقى الأنظار موجهة إلى البيت الأبيض والكونغرس، بانتظار ما إذا كانت الساعات الأخيرة قبل منتصف الليل ستشهد انفراجة، أم أن الولايات المتحدة ستدخل فعلا في إغلاق حكومي جديد، هو الأول منذ سبع سنوات، ما يعكس عمق الانقسام السياسي الحاد بين الحزبين الكبيرين.