مدونات

أردوغان ونتناهو.. أحفاد أجداد أعداء

"كلاهما يعلمان أن قلوبهما ليست صافية لبعضهما، ففيها من الإرث التاريخي ما يمنع الود الحقيقي والصفاء"- الرئاسة التركية/ الأناضول (من اجتماع في 20 أيلول/ سبتمبر 2023)
لا يمكن لقارئ التاريخ القفز عن مرحلة زمنية فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية والعالم امتدت لأربعة قرون، قادت فيها الدولةُ العثمانيةُ العالمَ الإسلامي قبل انهيارها، ولا يمكن لقارئ التاريخ أيضا نسيان أن أهم عوامل انهيار تلك الدولة، هي الحركة الصهيونية ومن خلفها الدول الحاقدة على الإسلام والعروبة.

لقد لعب هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية دورا كبيرا في صناعة الانهيار من خلال الوعود الكاذبة للسلطان بإسقاط الديون عنه ودعمه ماليا، مقابل السماح لليهود بالهجرة لفلسطين وإنشاء وطن لهم، وحينما رفض، وقال قولته المشهورة: "إن عمل المبضع في جسدي أهون من أن أتنازل عن أرض فلسطين، فهي ليست ملكي بل ملك شعبي"، بدأت القوة الخشنة تقوم بمهامها، ثم تم عزله ونفيه وتعيين رشاد أخاه بدلا منه.

مرحلتنا الحالية التي يجلس فيها على كرسي الحكم حفيد السلطان، الرئيس أردوغان، وحفيد مؤسس الصهيونية هرتزل، نتنياهو الذي يصف نفسه الوريث الفعلي والفكري والمخلص لمبادئه في التوسع دون أي اعتبارات لأي كيان

ومرورا عن تفاصيل كثيرة وصولا لمرحلتنا الحالية التي يجلس فيها على كرسي الحكم حفيد السلطان، الرئيس أردوغان، وحفيد مؤسس الصهيونية هرتزل، نتنياهو الذي يصف نفسه الوريث الفعلي والفكري والمخلص لمبادئه في التوسع دون أي اعتبارات لأي كيان، فإن كليهما يعلمان أن قلوبهما ليست صافية لبعضهما، ففيها من الإرث التاريخي ما يمنع الود الحقيقي والصفاء.

إسرائيل التي قتلت النشطاء الأتراك الذين أبحروا على متن سفينة مرمرة إلى غزة في 31 أيار/ مايو عام 2010 كمحاولة لفك الحصار البحري عنها، ساهمت في تفعيل خاصية العداء وإيقاظ الشعور القومي التركي، كما أن إسرائيل تتهم تركيا دوما باحتضان قادة المقاومة الذين تصفهم بـ"الإرهابيين" وأنه من الأراضي التركية يتم تخطيط وتمويل عمليات ضدها، وحينما وقعت محاولة انقلاب ضد أردوغان في 15 تموز/ يوليو عام 2016، كان من ضمن المتهمين إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر.

وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقفت تركيا موقفا أكثر إيجابية مع غزة، وهذا أزعج إسرائيل، لدرجة أن بعض الساسة والمفكرين الإسرائيليين بدأوا التلميح، وربما التصريح بأنه بعد قطر سيكون الدور على تركيا، في إشارة إلى الضربة التي وجهتها إسرائيل لمقر إقامة الوفد الفلسطيني المفاوض بقيادة حماس والذي اجتمع لمناقشة مقترح صفقة تبادل ووقف العدوان على غزة.

السجال بين الطرفين لم ينته، فمؤخرا، قال نتنياهو: "إن تركيا تحتفظ بنقش أثري يؤكد صلة اليهود بالقدس، ولكن ترفض تسليمه لإسرائيل"، ليرد أردوغان: "لن نعطيك ولو حصاة واحدة تعود للقدس، فما بالك بتلك اللوحة المنقوشة، ولن نعطيك ولو حجرة صغيرة واحدة من القدس الشريف".

أرى أن المطلب الإسرائيلي ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة لفتح سجال مستمر مع تركيا قد يصل لمواجهة دبلوماسية ناعمة يقنع نتنياهو خلالها أمريكا لفرض عقوبات جديدة على تركيا.

هذا الطلب الإسرائيلي جاء بعد أن نشرت تركيا قبل عدة أيام فيديو يوضح المناطق التي قد تكون أهدافا في حال أقدمت إسرائيل على ضرب أي هدف تركي، وهذا يؤكد أن العلاقة بين الأحفاد هي ذاتها كما كانت بين الأجداد؛ حيث الكراهية والاستعلاء من طرف الصهاينة للدولة العثمانية.

العدو الإسرائيلي لا يتوانى عن فعل أي شيء لصالحه، وأن الحروب مع الآخرين يبدأها بسجال سياسي ثم تتطور لتدخل حيز التنفيذ بعد أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة

إن هذا الفيديو إن كان له فوائد إيجابية تُظهر أن تركيا تتابع عن كتب ما يوجد بداخل دولة العدو، وأن عينيها لا تغفو ولا تنام، وأن ابتسامات الحاضر لا تعني نسيان ألم الماضي، إلا أن العدو قد يستخدمه ضد تركيا في المجالات الآتية:

1- إظهار أن تركيا تبيت النية لضربها.

2- إظهار أن تركيا تتجسس على إسرائيل من خلال الأقمار الصناعة، ومع وجود عنصر بشري يساعدها في ذلك.

3- بما أن تركيا عامل في حلف الناتو، فهذا الوتر قد تعزف عليه إسرائيل لوضع شروط تقيد حركة تركيا تجاه إسرائيل سواء كانت الحركة فعلا أو رد فعل.

4- قد تقوم إسرائيل بتحريض أمريكا على تركيا ودفعها لفروض عقوبات جديدة عليها.

5- قد تستخدم إسرائيل أراضي الدول المجاورة لتركيا، والتي بينهما علاقات، للانطلاق لأفعال تضر بتركيا.

6- قد تستخدم ضد فكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

يبقى القول بأن العدو الإسرائيلي لا يتوانى عن فعل أي شيء لصالحه، وأن الحروب مع الآخرين يبدأها بسجال سياسي ثم تتطور لتدخل حيز التنفيذ بعد أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.