مدونات

إسرائيل.. من الاغتيال الفردي إلى الجماعي

"رسالة للأنظمة العربية: حدودكم مباحة ولا يمنعنا منها أحد"- جيتي
"هذه رسالة للشرق الأوسط كله".. بهذه الكلمات البسيطة من حيث المبنى والعميقة من حيث المعنى، عبر رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا، عن رأيه فيما حدث في قطر، وما قامت به دولته الإجرامية بحق قادة المقاومة فيها.

ليس جديدا على هذا الكيان هذه العمليات الجبانة، لا في الجغرافية الفلسطينية أو العربية أو الدولية، فمن يتتبع تاريخ مسيرة الاغتيالات التي قام بها الموساد عبر العالم منذ بداية الثورة الفلسطينية يجد كثير من الشخصيات الفلسطينية بمختلف أنشطتها وألوانها السياسية قد تم اغتيالها؛ لأنها تدافع عن حقها في الوجود ضد الاحتلال.

لكن المتأمل في طبيعة الاغتيالات الخارجية السابقة والسائدة عند الاحتلال، يجد أنه يغلب عليها الطابع الفردي، يعني اغتيال شخصية واحدة، كما حدث مع كثيرين، لكن الاحتلال اتبع أسلوبا جديدا هو اغتيال بالجملة، كما حدث مع قادة حزب الله في لبنان في 27 أيلول/ سبتمبر 2024، وكما تم مع حكومة الحوثيين في صنعاء 28 في آب/ أغسطس 2025، وكما حدث مع إيران حيث كان الاغتيال جماعيا من حيث الزمان وفرديا من حيث المكان، وكما فشل مع قيادة حماس في الدوحة.. ترى لماذا الانتقال من الاغتيال الفردي إلى الجماعي؟

ما حدث يؤكد أن الاحتلال لا يدخر جهدا في تنفيذ ما يظنه مناسبا له لتحقيق مآربه دون أي اعتبارات أخلاقية أو سياسية، المهم أن يتحقق هدفه، فهو يعلم أن غطاء أمريكا يرافقه حيثما كان، والصمت العربي والدولي حاضر على الدوام، والقدرة على الإنكار أو الاعتراف بالتبجح والوقاحة أمر لا يخفيه ولا ينفيه

الهدف من الانتقال من الاغتيال الفردي للجماعي هو التخلص من القيادة مرة واحدة، ولإحداث إرباك في صفوف القيادة، وجعلها تتنازل عن شروطها، وتوافق على شروط العدو في ما يريد، وبأن الأمن الإسرائيلي لا يغفو ولا ينام ولا يراعي حدودا أو حقوقا لأحد، والأهم أنه حتى يضمن أن من سيندد ويستنكر سيفعل لمرة واحدة ثم تهدأ وتيرة غضبه من الفعل ثم ينسى الموضوع، وهي رسالة ردع لمن يفكر في مخالفته بأن القتل بالجملة أمر وارد متى توفرت الفرصة.

إن ما حدث يؤكد أن الاحتلال لا يدخر جهدا في تنفيذ ما يظنه مناسبا له لتحقيق مآربه دون أي اعتبارات أخلاقية أو سياسية، المهم أن يتحقق هدفه، فهو يعلم أن غطاء أمريكا يرافقه حيثما كان، والصمت العربي والدولي حاضر على الدوام، والقدرة على الإنكار أو الاعتراف بالتبجح والوقاحة أمر لا يخفيه ولا ينفيه.

ترى ما هي رسائل العدو من العملية؟

- رسالة أن ترامب حين يغرد يعني أنها كلمة سر لإسرائيل؛ أن "تفضل نفذ"، يعني وراء كل تغريدة مصيبة وكارثة.

- رسالة للأنظمة العربية: حدودكم مباحة ولا يمنعنا منها أحد، حتى الدولة التي ترعي المفاوضات بين العدو والمقاومة والتي يراها البعض تدور في الفلك الأمريكي الإسرائيلي وتلعب دورا هادئا قد يخدم إسرائيل، لم تكن في مأمن.

- رسالة للمقاومة أن أيدينا طويلة وقادرة للوصول لأبعد مدى من أجل أهدافنا، فلا يغرنكم انكم في مأمن، ولا يهمنا انزعاج الدولة التي تستضيفكم او أي دولة أخرى، أهدافنا أهم.

- رسالة داخلية للصهاينة: نحن نعمل على كسر الإصبع الذي يرفع في وجوهنا وقطع اللسان الذي يقول لنا "لا".

انعكاسات تلك العملية على المستوى الدولي فلن تخرج عن مستوى الإدانة والتنديد، وسيكون الغضب آنيا ثم يختفي

- رسالة للأنظمة الغربية المتعاطفة: التصميم على مخالفة فلسفتنا فيما نفعل لن ينفعكم، لا تحيدوا عما نخططه لكم، وعليكم الاختيار، إما السلامة حسب شروطنا أو الموت بصواريخنا.

أما انعكاسات تلك العملية على المستوى الدولي فلن تخرج عن مستوى الإدانة والتنديد، وسيكون الغضب آنيا ثم يختفي. لكن على المستوى الشعبي الفلسطيني سيزداد التفاف الجماهير حول المقاومة، وعلى المستوى الداخلي الإسرائيلي سيزداد الغضب على نتنياهو، لكنه سيستمر في التجاهل كالعادة، ويسير في مخططه.

أختم بأن جاءت الرياح بما لا تشتهي الصواريخ الإسرائيلية، فمشيئة الله اقتضت أمرا آخر، فكان أن نجا قادة المقاومة، واستشهد بعض المرافقين، ومنهم همام الحية نجل الدكتور خليل الحية، وكأن في هذه المحاولة الفاشلة رسالة تبرئ قادة المقاومة الذين يتهمهم البعض بأنهم يعيشون في كنف النعيم والرفاهية في مأمن، وأنهم تركوا الشعب يموت جوعا وقصفا في غزة، فاتضح زيف ذلك.