صحافة إسرائيلية

مصر بين الاعتماد على غاز الاحتلال وتعزيز قبضتها العسكرية في سيناء

غاز الاحتلال ورمال سيناء.. معادلة مصرية تربط الاقتصاد بالأمن وتقلق تل أبيب - جيتي
لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن التحريض على مصر، وتكشف علاقاتهما لاسيما في قطاعي الطاقة والانتشار العسكري، عن ازدواجية لافتة في استراتيجيتها، عبر قيامها بنوع من التناغم الجيوسياسي والاقتصادي المعقد، فمن جهة تعمق القاهرة اعتمادها على الغاز الطبيعي من الاحتلال، وتُبرم اتفاقية غير مسبوقة خط أنابيب غاز جديد، ومن جهة أخرى، تُعزز وجودها العسكري في سيناء، وهي منطقة حساسة للغاية على الحدود معه، في خطوة تحمل في طياتها منطقا أمنيا ورسالة سياسية في آن واحد.

وفق المحرر الرئيسي في مجلة "يسرائيل ديفينس"، أكد عامي روخاكس دومبا، أن "المزيج المصري من الاعتماد على الطاقة، إلى جانب الموقف الحازم ضد إسرائيل٬ يعبر عن التوتر بين التكامل الإقليمي معه، وضرورة الحفاظ على السيادة والردع، وتُشكل صفقة تصدير الغاز من حقل ليفياثان إحدى أهم شراكات الطاقة في شرق البحر المتوسط، التي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار".

وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "بالنسبة للقاهرة، يُعد هذا المشروع شريان حياة، ووسيلة لمنع نقص حاد في الغاز، وتجنب استيراد الغاز الطبيعي المسال باهظ التكلفة، وتحقيق استقرار اقتصاد متعثر، حيث سيزيد خط أنابيب الغاز الجديد، الممتد 65 كيلومترا حتى معبر نيتسانا، من طاقة التصدير من إسرائيل إلى مصر لأكثر من 2.2 مليار قدم مكعب يوميا".

وأوضح أن "هذا الغاز مصدرٌ موثوقٌ ورخيصٌ نسبيًا، وبمثابة الأوكسجين الأساسي للاقتصاد المصري، ويُخفّف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي، ويُخفّض تكاليف توليد الكهرباء، ويدعم الصناعة المحلية، علاوةً على ذلك، تُساعد الصفقة مصر على تعزيز طموحها بأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة، من خلال ربط غاز شرق البحر المتوسط بالأسواق العالمية من خلال منشآتها للغاز الطبيعي المسال".

وأكد أنه "رغم ذلك، تكمن وراء هذه الإيجابية نقطة ضعف، فالاعتماد المصري على الغاز الإسرائيلي يمنح تل أبيب رافعة نفوذ سياسي واقتصادي، وقد تُصبح سيطرتها على خطوط أنابيب الغاز رافعة ضغط في ظلّ التوتر الإقليمي".

واستدرك بالقول إنه "بالتوازي مع تزايد الاعتماد الاقتصادي المصري على إسرائيل٬ تستثمر مصر في توسيع وجودها العسكري في سيناء، فالمنطقة، التي طالما كانت عازلة حساسة، ومركزًا للتهديدات، تُملأ بالقواعد والألوية القتالية والتدابير الأمنية المُتقدّمة، مع أنه من الناحية الرسمية يُبرَّر ذلك بمكافحة الجماعات المسلحة، وحماية البنية التحتية، لكنه عمليًا يُعَدُّ إعلانًا واضحًا للسيادة المصرية في سيناء، التي كانت سنوات طويلة منطقة رمادية من حيث السيطرة، لكنها تتحول تدريجيًا إلى حصن عسكري مصري".

وأضاف أن "لهذا الأمر معنى مزدوج: داخليًا، رسالة للمصريين بأن الدولة تسيطر على مساحة كانت مفتوحة سابقًا؛ وخارجيًا، إشارة للجيران والقوى المعادية بأنها مستعدة لكبح جماح التسلل، وآثار الحرب في غزة، ومنع سيناريوهات تدفق الفلسطينيين، والميليشيات المسلحة، وهكذا، تتشكل صورة مزدوجة: فاتفاقية الغاز ليست مجرد عقد اقتصادي، بل هي بُعدٌ في علاقة جيوسياسية أوسع، تُعَدُّ فيها الطاقة أداةً دبلوماسية، في الوقت نفسه، لا يُمثِّل الجيش المصري في سيناء مجرد ردٍّ على التهديدات، بل وسيلةً لضمان الاستقلال الاستراتيجي".

وأشار أن "مصر تجني ثمار شراكتها الاقتصادية مع إسرائيل٬ لكنها في الوقت نفسه تستعد لاحتمال اضطرارها لمواجهته، فهي تريد الجمع بين التحديث الاقتصادي والتكامل الإقليمي، والحفاظ بحماس على سيادتها وأمنها، وتُظهر هذه الخطوة المزدوجة مفارقة سياسات الشرق الأوسط، فالتعاون والصراع يتعايشان".

تشير هذه القراءة الإسرائيلية إلى حالة من الإحباط من السلوك المصري، فالقاهرة تستهلك الغاز الذي سرقه الاحتلال الإسرائيلي من مياه الفلسطينيين الإقليمية، لتشغيل اقتصادها من جهة، ومن جهة أخرى تُحكم قبضتها العسكرية على الحدود مع غزة، مما يعني أن الاعتماد والحذر وجهان لعملة واحدة: استراتيجية براغماتية للبقاء والتقدم في آن واحد، وبذلك تسعى مصر لتحقيق التوازن بين تعظيم فوائد التكامل الإقليمي، مع الحفاظ على جاهزيتها العسكرية، وهذه الثنائية ستُشكل صورتها الإقليمية في السنوات القادمة، بما يزعج الاحتلال.