تتجه جهود الدول الأوروبية لدعم خطة للاعتراف بفلسطين كدولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تُعقد في نيويورك، ويُدين كبار المسؤولين على نطاق واسع أفعال "
إسرائيل" في قطاع
غزة، حتى أن بعضهم بدأ يصف الحرب بـ"الإبادة الجماعية".
وجاء في تقرير لمديرة مكتب صحيفة "
نيويورك تايمز" في بروكسل جينا سميالك، قالت فيه إن "الكلام المُبالغ فيه لم يُفضِ بعد إلى إجراءات جادة، واقترح
الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية أعلى على البضائع الإسرائيلية، لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيحدث. وقد تعثرت جهود أخرى لمعاقبة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وسط معارضة، لا سيما من ألمانيا".
وذكر التقرير أن "إجراءات الدول الفردية لم ترق إلى مستوى الخطاب. وكانت محاولات إيصال المساعدات إلى غزة محدودة، حتى في ظلّ المجاعة التي تُهيمن على القطاع. ولم تقبل الدول سوى عدد قليل من طالبي اللجوء من غزة، حيث غالبا ما تكون الهجرة بمثابة نقطة اشتعال سياسية محلية".
وأضاف أنه "يوجد في بلجيكا عدد أكبر من طالبي اللجوء الفلسطينيين مقارنة بأي مكان آخر في
أوروبا، ويرجع ذلك على الأرجح إلى ممارسات الهجرة المتساهلة نسبيا والجالية الفلسطينية الكبيرة الموجودة. ولكن حتى هناك، قد يكون التقدم بطلب اللجوء صعبا. فقد رُفضت العديد من طلبات اللجوء هذا العام. وبينما كانت بلجيكا تُجلي مواطنيها وأفراد عائلات سكانها واللاجئين من غزة، أغلقت البلاد قائمة الإجلاء الخاصة بها، والتي بلغ عددها آنذاك حوالي 500 شخص، في نيسان/ أبريل".
ويشهد بهجت ماضي (34 عاما) من مدينة رفح جنوب غزة، وهو موجود في بلجيكا منذ عام 2022 ومقيم منذ عام 2024، تداعيات ذلك بشكل مباشر، وقال إن والده لا يزال في غزة، ويكافح من أجل الخروج.
قال ماضي، الذي رفع دعوى قضائية لقبول طلب تأشيرة والده عن بُعد: "أريد أن أفعل أي شيء من أجل أن يبقى والدي على قيد الحياة". ويسعى والده للحصول على تأشيرة إنسانية، لكن عليه التقدم بطلب في القنصلية في القدس، وهو أمر شبه مستحيل لشخص محاصر في غزة. إذا تمكن من الحصول على التأشيرة، فقد يُضاف اسمه في النهاية إلى قائمة الإجلاء. إنه احتمال ضعيف وقد يستغرق سنوات.
قال ماضي: "أريد أن أتحدث إلى نفسي ليلا وأقول: أبذل قصارى جهدي. لكن هذا ليس كافيا".
وذكر التقرير "يتساءل صانعو السياسات: هل ستُحوّل أوروبا كلمات الإدانة والقلق إلى أفعال أكثر قوة؟ لقد انقلب الرأي العام الأوروبي على سلوك إسرائيل في الحرب، لكن التحالفات طويلة الأمد والتاريخ السياسي المضطرب منعت دولا مثل ألمانيا وإيطاليا من دعم أي عمل كبير".
وأكدت كريستينا كوش، نائبة المدير العام لصندوق مارشال الألماني الجنوبي، وهو مركز أبحاث يُركز على العلاقات الدولية: "لم أرَ لحظة واحدة تكوّن فيها مثل هذا الزخم الدولي في مثل هذا الوقت القصير، لذا أعتقد أن هناك فرصة حقيقية. لكن علينا أن نرى ما هي الالتزامات الملموسة التي ستأتي، والتي تتجاوز مجرد الصياغة".
وأضافت: "الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين فحسب، بل يتعلق بمدى قدرة الغرب، وأوروبا، على احترام القانون الدولي ودعم التعددية".
أعلنت لوكسمبورغ الأسبوع الماضي انضمامها إلى بلجيكا وبريطانيا ومجموعة من الدول الأخرى في الاعتراف بدولة فلسطينية خلال اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك، في مسعى يقوده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويهدف إلى زيادة الضغط على إسرائيل. وفي يوم الثلاثاء الماضي، اتهمت لجنة تابعة للأمم المتحدة تُحقق في الحرب على غزة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وهو موضوع من المتوقع أن يُطرح بكثافة في اجتماع الأمم المتحدة. وتصف إسرائيل هذا الاتهام بأنه "مُحرّف وكاذب".
واتخذت بعض الدول الأوروبية إجراءات أكثر واقعية. فعلى سبيل المثال، تعهد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مؤخرا بحظر دائم على بيع الأسلحة والذخيرة لـ"إسرائيل"، بعد إلغاء عقد بقيمة 700 مليون يورو (825 مليون دولار)، لشراء قاذفات صواريخ. وأعلنت بلجيكا مؤخرا عن خطط لحظر الواردات من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. لكن هذه الخطوات لم يكن لها تأثير يُذكر على مسار الحرب. كما أن التدابير الأخرى - مثل مساعدة الناس على الفرار من المنطقة - أكثر صعوبة من الناحية السياسية.
وبعد أن ساهمت التدفقات الكبيرة للاجئين السوريين في عام 2015 في تأجيج صعود اليمين المتطرف في ألمانيا وأماكن أخرى، توخّت الدول الحذر في قبول أعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيين. وقد ترك ذلك الكثيرين من غزة إما عالقين في أماكنهم أو عالقين في طي النسيان في دول مجاورة مثل مصر.
وقد جادلت الدول بأن هناك حدودا لما يمكن لأي دولة فعله، وحثّت الاتحاد الأوروبي، بقوته الاقتصادية والدبلوماسية، على الاستجابة. إذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي ككل، سنجد أنه أكبر شريك تجاري لـ"إسرائيل"، وفي عام 2024 شكّل33 بالمئة من إجمالي تجارة "إسرائيل" في السلع.
صرح وزير الخارجية البلجيكي، ماكسيم بريفو، في مقابلة أجريت معه هذا الشهر: "إنها حقا حاجة ملحة لأوروبا لاتخاذ إجراء". وأضاف: "الكثيرون، في الرأي العام، لا يفهمون سبب تردد أوروبا الشديد". لكن الجهود المبذولة على مستوى الاتحاد الأوروبي لم تنجح.
عندما أجرى الفرع الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي مراجعة هذا العام لمعاهدة تحكم علاقات الاتحاد مع "إسرائيل"، وجد مؤشرات على أنها انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب المعاهدة.
بعد هذا الاستنتاج، اقترحت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد، أن يتمكن القادة السياسيون في أوروبا من منع "إسرائيل" من المشاركة في برنامج تمويل الأبحاث المسمى "أفق أوروبا". لكن حتى هذه الخطوة لم تحظَ بدعم كافٍ من الدول الأعضاء.
وكتب أكثر من 200 سفير وموظف دبلوماسي سابق في الاتحاد الأوروبي إلى قادة الاتحاد الشهر الماضي، مُعربين عن "خيبة أملهم العميقة" إزاء الفشل في الضغط على إسرائيل بفعالية أكبر.
والآن، تبذل المفوضية أكبر جهد لها حتى الآن، في محاولة لتعليق جزء من اتفاقية التجارة بين الاتحاد وإسرائيل. سيؤدي ذلك إلى إلغاء المعاملة التفضيلية لمليارات اليورو من التجارة.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، في خطاب ألقته مؤخرا: "ما يحدث في غزة هز ضمير العالم".
يُشير الاقتراح إلى إدانة لما تفعله إسرائيل. ولأن إقراره يتطلب أغلبية كبيرة - وليس إجماعا - قال محللون إنه من الممكن أن يصبح سياسة. لكن هذا لا يزال بعيدا عن أن يكون مضمونا.
وعلى وجه الخصوص، ترددت ألمانيا، بتاريخها في محرقة الهولوكوست، في انتقاد إسرائيل بشكل علني. كما ترددت إيطاليا أيضا.
حذّر المستشار الألماني فريدريش ميرز الأسبوع الماضي من أن انتقاد إسرائيل "يُصبح على نحو متزايد ذريعة لنشر سمّ معاداة السامية". وأشار السيد ميرز يوم الخميس إلى أن حكومته ستُقرر بحلول بداية الشهر المقبل ما إذا كانت ستدعم مساعي الاتحاد الأوروبي لمعاقبة إسرائيل.
وأشارت كايا كالاس، كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد، يوم الأربعاء إلى أن التحدي المتمثل في التوصل إلى اتفاق قد يستمر، قائلة: "لا تزال الخطوط السياسية ثابتة تماما كما كانت حتى الآن".