كتاب عربي 21

مَن يختار مَن يُمثل الشعب الفلسطيني؟

يرى الكاتب أن "الاعتراف بدولة فلسطين الوهمية ليس سوى إضفاء شرعية على عملاء السلطة الفلسطينية، وتأكيد على حق إسرائيل في البقاء كدولة يهودية عنصرية"- جيتي
أقدمت عدة دول أوروبية هذا الأسبوع، من بينها بريطانيا ومستعمراتها الاستيطانية: كندا وأستراليا، باستثناء الولايات المتحدة، على الاعتراف بـ"دولة فلسطين" غير القائمة، والتي يمثلها نظام السلطة الفلسطينية العميل غير المنتخب، برئاسة محمود عباس. وليس هذا الموقف جديدا على بريطانيا تحديدا؛ فهي دأبت منذ احتلالها لفلسطين عام 1917 على التعامل مع المتعاونين الفلسطينيين باعتبارهم الناطقين باسم الشعب الفلسطيني، بينما تحارب القوى الوطنية الحقيقية.

لطالما قامت الاستراتيجية الاستعمارية في مختلف أنحاء العالم على حرمان الشعوب المستعمَرة من حقها في التمثيل الذاتي، وما أن ينجح المستعمِرون في استقطاب نخبة من المتعاونين المحليين، المستعدين لخيانة شعبهم، حتى يفرضونهم بوصفهم الممثلين الشرعيين لشعبهم. ولم يكن الفلسطينيون استثناء من هذه الاستراتيجية، بل شكّلوا مثالا واضحا لها، سواء في ظل الاستعمار البريطاني أو الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.

فبعد صدور وعد بلفور في تشرين الثاني/نوفمبر 1917، والغزو العسكري البريطاني لفلسطين في كانون الأول/ ديسمبر (والاستيلاء العسكري على كامل أراضيها بحلول أيلول/سبتمبر 1918)، شهدت البلاد حتى عام 1920 نشوء أكثر من أربعين منظمة فلسطينية، لمناهضة الحكم الاستعماري البريطاني والمشروع الاستيطاني الصهيوني، والمطالبة بالاستقلال. ومن أبرز هذه التنظيمات "الجمعية الإسلامية-المسيحية الفلسطينية" -التي تأسس أول فرع لها في يافا عام 1918- والتي سعت إلى توحيد مختلف الطوائف الدينية الفلسطينية لمقاومة الاستعمار البريطاني والصهيونية اليهودية. في تشرين الثاني/نوفمبر 1918، قدّم فرع مدينة يافا للجمعية الإسلامية-المسيحية مذكرة إلى الجنرال السير غيلبرت كلايتون، كبير المسؤولين السياسيين في الإدارة العسكرية وصانع سياساتها، أكّد فيها على الطابع العربي لفلسطين ("وطننا العربي فلسطين")، ورفض بشكل قاطع سياسة الوطن القومي اليهودي.

لطالما قامت الاستراتيجية الاستعمارية في مختلف أنحاء العالم على حرمان الشعوب المستعمَرة من حقها في التمثيل الذاتي، وما أن ينجح المستعمِرون في استقطاب نخبة من المتعاونين المحليين، المستعدين لخيانة شعبهم، حتى يفرضونهم بوصفهم الممثلين الشرعيين لشعبهم

وفي 27 كانون الثاني/يناير 1919، عقدت الجمعية المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس، واستمر حتى 9 شباط/فبراير 1919، حيث دعا إلى تحرير فلسطين وجميع أقاليم سوريا، بما في ذلك لبنان، وإلى إقامة سوريا مستقلة وموحدة. كما قرّر المؤتمر إرسال وفد إلى مؤتمر باريس للسلام لعرض قراراته على المشاركين، غير أن سلطات الاحتلال البريطاني رفضت السماح لأعضاء الوفد بمغادرة البلاد. ورغم ذلك، تم إيصال القرارات إلى المؤتمر.

وفي الجهة المقابلة، استغلّ رئيس المنظمة الصهيونية حاييم وايزمان مؤتمر باريس لعقد اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي روبرت لانسينغ، شرح له خلاله أن هدف الصهاينة هو "أن تصبح فلسطين يهودية بذات القدر الذي يجعل من إنجلترا إنجليزية". وأوضح وايزمان أن لانسينغ أعجب بالمقارنة التي طرحها عليه وايزمان؛ "بالنجاح الباهر الذي حققه الفرنسيون في ذلك الوقت في تونس. قلت إن ما يستطيع الفرنسيون فعله في تونس، سيتمكن اليهود من فعله في فلسطين، بإرادة يهودية، ومال يهودي، وقوة يهودية، وحماس يهودي". وقد كانت تونس في ذلك الوقت مستعمرة استيطانية فرنسية.

في حزيران/يونيو 1919، وصلت لجنة كينغ-كراين الأمريكية، التي أوفدها الرئيس وودرو ويلسون إلى فلسطين ضمن جولة للتحقيق في رغبات شعوب الأناضول وسوريا ولبنان وفلسطين، في محاولة لتخفيف حدة التنافس البريطاني-الفرنسي على تقاسم النفوذ في المنطقة. التقت اللجنة في فلسطين بعشرات ممثلي الاتحادات الطلابية الفلسطينية والأندية، الذين عبّروا جميعا عن مطالبهم باستقلال فلسطين، بينما طالب الوطنيون الفلسطينيون الشباب بالاستقلال والوحدة مع سوريا. وقد عبّر جميع من استمعت إليهم اللجنة عن رفض قاطع للمشروع الصهيوني الاستيطاني.

قدمت اللجنة تقريرها إلى مؤتمر باريس للسلام في آب/أغسطس 1919، مؤكدة أن الفلسطينيين يطالبون بالاستقلال أولا، لكن التقرير أشار إلى أنهم غير مستعدين بعد لممارسته. وأوضح التقرير أن الفلسطينيين، في حال تعذّر تحقيق الاستقلال، فإنهم يقبلون بالانتداب الأمريكي كخيار ثانٍ، على أن يُنشأ مجلس منتخب ديمقراطيا، بدلا من الانتداب البريطاني أو الفرنسي. غير أن بريطانيا وفرنسا، اللتين كانت قد توصلتا مسبقا إلى تفاهم لتقاسم النفوذ، تجاهلتا التقرير تماما. ولم يُنشر هذا التقرير إلا عام 1922، بعد أن صادق الكونغرس الأمريكي على وعد بلفور.

وفي تموز/يوليو 1920، بالتزامن مع غزو الفرنسيين واحتلالهم لسوريا، أنهت بريطانيا حكمها العسكري في فلسطين وأقامت إدارة مدنية، وعينت السياسي البريطاني اليهودي-الصهيوني هربرت صموئيل أول مفوض سامٍ على فلسطين ضمن الانتداب البريطاني. وكان من المقرر عقد مؤتمر وطني فلسطيني ثانٍ في القدس في أيار/مايو 1920، لكن البريطانيين منعوا انعقاده.

نتيجة لذلك، انعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الثالث في يافا في كانون الأول/ديسمبر 1920، بمبادرة الجمعية الإسلامية-المسيحية الفلسطينية وبمشاركة واسعة من جميع الأندية والمنظمات والجمعيات الفلسطينية. دعا المؤتمر إلى إعلان "استقلال" فلسطين، وانتخب لجنة عُرفت باسم "اللجنة التنفيذية العربية الفلسطينية" لتمثيل الفلسطينيين أمام الحكومة البريطانية وفي المحافل الدولية. وقد ردّ المفوض السامي صموئيل على مطلب المؤتمر بالاستقلال مؤكدا أن المشاركين لا يمثلون الشعب الفلسطيني، ورفض الاعتراف به.

في آذار/مارس 1921، تمكن الفلسطينيون من إرسال وفد إلى القاهرة، حيث التقى الوفد لفترة وجيزة بوزير المستعمرات الصهيوني المعادي للسامية ونستون تشرشل، قبل أن يعقد اجتماعات أكثر شمولا معه خلال زيارته فلسطين بعد أيام قليلة. وردا على مطالبة الفلسطينيين بريطانيا بإلغاء وعد بلفور ومنع الاستيطان اليهودي ومنح فلسطين الاستقلال، ردّ تشرشل، العنصري المعادي للعرب، بأن لبريطانيا الحق في حكم فلسطين بناء على غزوها العسكري. وأضاف أن نظام الحكم الاستعماري الانتدابي الذي فرضه البريطانيون في فلسطين "سيستمر لسنوات، وسنطوّر تدريجيا مؤسسات تمثيلية تُفضي إلى الحكم الذاتي الكامل. سنكون جميعنا الموجودين هنا اليوم قد متنا، وكذلك أولادنا وأحفادنا، قبل أن يتحقق ذلك بالكامل".

وكان تشرشل قد استخف بوفد من الفلسطينيين من الطائفة البروتستانتية الأنغليكانية في آب/أغسطس 1921، مُذكّرا إياهم بوجود فجوة عرقية كبيرة تفصلهم عن الأنغليكان الإنجليز، لأن الأنغليكان الفلسطينيين ينتمون إلى "الأعراق السامية".

وعندما انتدبت الجمعية الإسلامية المسيحية وفدا للسفر إلى لندن عام 1921، كتب وزير المستعمرات البريطاني في تموز/يوليو إلى صموئيل أن على الوفد أن يدرك أن "الإصلاح الإداري لا يمكن أن يتم إلا على أساس قبول سياسة إنشاء وطن قومي لليهود، والتي لا تزال بندا أساسيا في السياسة البريطانية.. ولن يُسمح لأي هيئة تمثيلية قد يتم إنشاؤها بالتدخل في التدابير (مثل الهجرة.. إلخ) المصممة لتفعيل مبدأ الوطن القومي أو الطعن في هذا المبدأ". كانت هذه هي الشروط الراسخة التي فرضتها بريطانيا للاعتراف بالتمثيل الفلسطيني الأصلي، والتي رفضها الفلسطينيون طوال فترة الانتداب. كما رفضت عصبة الأمم منح الفلسطينيين الشرعية لنفس الأسباب.

عندما عرض البريطانيون إنشاء مجلس تشريعي لفلسطين عام 1922، أصرّوا على أن على المرشحين والأحزاب الاعتراف بشرعية الانتداب ومشروعه الاستعماري الاستيطاني الصهيوني. فأطلق المؤتمر الفلسطيني الخامس، المنعقد عام 1922، حملة لمقاطعة الانتخابات، معتبرا أنها تسعى إلى إضفاء الشرعية على الاستعمار الاستيطاني اليهودي، ومطالبا بالاستقلال. وتزامن ذلك مع مطالبة التونسيين بالمساواة في الحقوق مع المستعمرين والمستوطنين الفرنسيين والتمثيل النسبي في برلمان منتخب. واستمر الفلسطينيون في هذا النهج خلال المؤتمر السادس عام 1923، بعد منح عصبة الأمم صك الانتداب رسميا، مؤكدين رفض التعاون مع البريطانيين بما في ذلك الامتناع عن دفع الضرائب.

وقد استغلت بريطانيا سياسة "فرّق تسد" لتقسيم الحركة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك تفريق بعض العائلات العريقة في القدس: بعض كبار العائلات تعاونوا مع البريطانيين لكنهم رفضوا التعاون مع الصهاينة، بينما تعاون آخرون مع كليهما، ما أدى إلى انقسام سياسي أعاق انعقاد المؤتمر السابع حتى تموز/يوليو 1928.

في هذا الإطار، لعب الصهاينة دورا مباشرا في تمويل المتعاونين الفلسطينيين لتقسيم الحركة الوطنية، حيث موّل حاييم كالفاريسكي، أحد أبرز مسؤولي الاستعمار الصهيوني في الوكالة اليهودية، ورئيس "القسم العربي" في اللجنة التنفيذية الصهيونية، تأسيس "الجمعية الوطنية الإسلامية" الطائفية، كبديل للجمعيات الإسلامية الفلسطينية، وشجع مسلمين طائفيين على مهاجمة الجمعية الإسلامية-المسيحية الفلسطينية باعتبارها ركيزة أساسية للنفوذ المسيحي الفلسطيني. كما موّل متعاونين مع الصهاينة من عائلات مقدسية لتأسيس "الحزب الزراعي" لتحدي منافسيهم من النخبة الفلسطينية الذين أداروا الجمعيات الوطنية الفلسطينية. اعتبر المناهضون الفلسطينيون للاستعمار "الجمعية الوطنية الإسلامية" والحزب الزراعي "خونة" نتيجة لقبولهما التمويل الصهيوني وتواطؤهما مع الاستعمار الصهيوني. وقد أصبح الحزب الزراعي نموذجا للمتعاونين الفلسطينيين خلال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، عندما موّل الصهاينة والبريطانيون المتعاونين الفلسطينيين لإنشاء "فصائل السلام" لقتل الثوار الفلسطينيين إلى جانب البريطانيين والصهاينة.

وقد كان رفض الاعتراف بسيادة حكومة عموم فلسطين (1948-1953) مثالا آخر على تمسك بريطانيا والغرب بفرض ممثلين بديلين عن الفلسطينيين، وتجلى ذلك بإصرارهم على الاعتراف بالملك عبد الله الأول، ملك الأردن، حاكما شرعيا لما تبقى من فلسطين بعد عام 1948، بديلا عن الفلسطينيين الذين كانوا يديرون حكومة عموم فلسطين. واستمر هذا النهج بعد انطلاق منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وخاصة بعد تولي الفصائل الفلسطينية الشعبية إدارتها عام 1969، حيث رفضت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية الاعتراف بها كجهة تمثيلية، رغم الاعتراف الدولي الواسع بها عقب خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة عام 1974 واعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية كـ"ممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني".

وبعد حرب عام 1973، دعا الرئيس المصري أنور السادات إلى مؤتمر سلام برعاية الأمم المتحدة في جنيف، وانعقد في كانون الأول/ديسمبر 1973. حضرت مصر والأردن وإسرائيل المؤتمر، لكن سوريا رفضته لعدم دعوة منظمة التحرير الفلسطينية رسميا. في الواقع، كان السادات قد دعا منظمة التحرير الفلسطينية بشكل غير رسمي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر للحضور. وقد انخرطت منظمة التحرير الفلسطينية في نقاش داخلي حاد حول المشاركة، وأرسل عرفات جس نبض إلى هنري كيسنجر حول استعداده للمشاركة. في النهاية، عندما كان المؤتمر على وشك الانعقاد، لم تُدعَ منظمة التحرير الفلسطينية رسميا واختارت عدم المشاركة، لا سيما وأن المؤتمر كان قائما على قراري الأمم المتحدة 242 و338، اللذين دعيا إلى الاعتراف بإسرائيل مقابل انسحابها "من أراض" احتلتها عام 1967. وقد عارضت الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر.

في الواقع، وعلى الرغم من تنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن العديد من الحقوق الفلسطينية بعد إعلانها الأحادي الجانب في الجزائر عام 1988 استقلال 22 في المئة من فلسطين التاريخية، رفض الغرب وإسرائيل بشدة الاعتراف بشرعيتها التمثيلية للشعب الفلسطيني. وفي مؤتمر مدريد الدولي للسلام في الشرق الأوسط الذي عقد عام 1991، أصرت الولايات المتحدة وإسرائيل على أن يشارك وفد فلسطيني فقط ضمن الوفد الأردني، دون تمثيل مستقل للفلسطينيين أو منظمة التحرير، مع حق إسرائيل في قبول أو رفض الأعضاء، مستبعدين من اعتبروا "متشددين" أو من القدس الشرقية، وقبول آخرين وفق معاييرهم.

ولكن، عندما تنازلت منظمة التحرير الفلسطينية عن دورها في تمثيل الشعب الفلسطيني فعليّا في عام 1993 وتحولت مما يعادل الجمعية الإسلامية-المسيحية في عشرينيات القرن الماضي إلى ما يعادل الحزب الزراعي، نتيجة خضوعها لإرادة إسرائيل والولايات المتحدة في أوسلو واعترافها بحق إسرائيل في استعمار واستيطان فلسطين، حينها فقط تم الاعتراف بها من قبل كليهما كممثل "شرعي" للفلسطينيين. وكان هذا متوافقا مع الشروط الاستعمارية التي وضعتها بريطانيا منذ عشرينيات القرن الماضي، أي أن الفلسطينيين الذين يعترفون بحق اليهود الأوروبيين في استعمار واستيطان وسرقة وطنهم فقط هم من سيتم الاعتراف بهم كممثلين شرعيين للشعب الفلسطيني، حتى لو فقدوا الشرعية الوطنية بالكامل.

كمكافأة لتعاونها المستمر مع أعداء الشعب الفلسطيني، وإصرارها على الاعتراف بحق اليهود الأجانب في الاستيطان في فلسطين، قررت بريطانيا ومستعمراتها الاستيطانية هذا الأسبوع الاعتراف بالسلطة الفلسطينية ودولتها المتخيلة

وفي عام 2006، عندما قررت منظمة حماس خوض الانتخابات التشريعية التي رعتها السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو تحت إملاءات إسرائيلية وأمريكية، وحققت فيها فوزا ساحقا، رفضت إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا الغربية مرة أخرى الاعتراف بها كحكومة شرعية تمثل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، ورعت انقلابا في عام 2007 لإقصائها عن السلطة. وقد نجح الانقلاب في الضفة الغربية وهُزم في غزة. كانت هذه الانتخابات الأخيرة هي التي أقنعت القوى الإمبريالية الغربية وإسرائيل بأنه لا ينبغي السماح بأي انتخابات في ظل نظام السلطة الفلسطينية العميلة، حتى يتم ضمان عدم تمكن أي منافس آخر من الترشح وتهديد الدور الخياني للسلطة الفلسطينية.

قبلت السلطة الفلسطينية التحدي وظلت تساعد إسرائيل في قمع جميع أشكال المقاومة للاحتلال منذ عام 1994، وقد برز دورها بشكل واضح خلال العامين الأخيرين من الإبادة الجماعية الإسرائيلية للشعب الفلسطيني. في الأسبوع الماضي فقط، تعاون نظام السلطة الفلسطينية مع إسرائيل في الكشف عن عملية مقاومة مخططة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وكمكافأة لتعاونها المستمر مع أعداء الشعب الفلسطيني، وإصرارها على الاعتراف بحق اليهود الأجانب في الاستيطان في فلسطين، قررت بريطانيا ومستعمراتها الاستيطانية هذا الأسبوع الاعتراف بالسلطة الفلسطينية ودولتها المتخيلة. وفي اعترافهم هذا، يصر هؤلاء الأعداء التاريخيون للشعب الفلسطيني على إقصاء منظمة حماس، آخر كيان سياسي فلسطيني منتخب ديمقراطيا من قبل الأغلبية الفلسطينية التي تعيش تحت الاحتلال، من أي معادلة سياسية لمستقبل فلسطين.

فقد أكد رئيس الوزراء البريطاني أن "الاعتراف لم يكن مكافأة لحماس"، مشيرا إلى أن المملكة المتحدة "ستتخذ مزيدا من الإجراءات لمعاقبة شخصيات بارزة في قيادة حماس في الأسابيع المقبلة". وأصر رئيس الوزراء الكندي على أن اعتراف كندا "سيعزز أولئك الذين يسعون إلى التعايش السلمي وإنهاء حماس". أما رئيس الوزراء الأسترالي فقد كان واضحا في مبررات موقف بلاده، حيث قال: "لقد أعاد رئيس السلطة الفلسطينية تأكيد اعترافه بحق إسرائيل في الوجود، وقدّم تعهدات مباشرة لأستراليا، بما في ذلك الالتزام بإجراء انتخابات ديمقراطية وإجراء إصلاحات جوهرية في المالية والحوكمة والتعليم.. يجب ألا يكون لمنظمة حماس الإرهابية أي دور في فلسطين".

إن مسرحية هذا الأسبوع للاعتراف بدولة فلسطين الوهمية ليست سوى إضفاء شرعية على عملاء السلطة الفلسطينية، وتأكيد على حق إسرائيل في البقاء كدولة يهودية عنصرية. فما اشترطه البريطانيون قبل قرن من الزمان، في عشرينيات القرن الماضي، ما زال قائما في عشرينيات القرن الحادي والعشرين. وكما يقول المثل الفرنسي: "كلما تغيرت الأشياء، كلما بقيت على حالها".