قضايا وآراء

دوافع وتداعيات الهجوم الإسرائيلي على الدوحة

"العدوان الإسرائيلي على الدوحة كشف عن ثغرة أمنية واسعة في أمن دول الخليج"- إكس
تبدلت وتغيرت الأولويات لدول الخليج العربي سريعا بعد تعرض الدوحة لعدوان إسرائيلي مباشر شنه الطيران الإسرائيلي بصواريخ موجهة؛ فشلت في تحقيق هدفها باغتيال قيادة حركة حماس ووفدها المفاوض، غير أنها نجحت في إعادة توجيه بوصلة دول الخليج ومن خلفها العربية والإسلامية تجاه التهديد المركزي ممثلا بالاحتلال الإسرائيلي.

العدوان الإسرائيلي على الدوحة كشف عن ثغرة أمنية واسعة في أمن دول الخليج والمنطقة العربية، تتممثل في الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تحرك إصبعا لوقف الهجوم أو منعه أو التصدي له؛ في منطقة تحتوي على عقدة أمنية مهمة للولايات المتحدة بما تحويه من أصول عسكرية وقواعد بحرية وجوية وقيادة مركزية تتبع لوزارة الدفاع الأمريكي البنتاغون ويقودها الأدميرال البحري براد كوبر الذي تولى منصبه حديثا بديلا للجنرال المتقاعد مايكل كوريلا.

القمة العربية والإسلامية التي عادة ما كانت تناقش مشاريع السلام والتطبيع في الإقليم وسبل إنهاء الحرب وقرار حل الدولتين، ناقشت هذه المرة العدوان الإسرائيلي وسبل التصدي له، وهذا ما أكدته مسارعة دول الخليج إلى تفعيل مجلس الدفاع الخليجي وتكليفه بمناقشة سبل تفعيل آليات الدفاع المشترك

بداية غير موفقه للأدميرال كوبر الذي بدأ عهده بجولة ترافقه فيها زوجته إلى عواصم الإقليم شملت عمّان ودمشق وبيروت والقاهرة والكيان الإسرائيلي، بالتزامن مع زيارات شملت قواعد أمريكية في العراق وسوريا، فضلا عن مناورات سنوية تحت مسمى النجم الساطع بالتعاون مع مصر التي يشارك فيها جيشها بقوة كبيرة كونها تجري على أراضيه.

أولويات دول الخليج لم تعد تتوافق مع الأجندة الأمريكية التي حاول وزير خارجيتها ماركو روبيو إعادة ضبطها في زيارة خاطفة إلى الدوحة؛ أعقبت اختتام أعمال القمة العربية الإسلامية مساء الثلاثاء الماضي، إذ أكد المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري على أولويات دولة قطر المستجدة في ضوء العدوان الإسرائيلي؛ بالقول خلال مؤتمر صحفي تزامن مع زيارة روبيو للدوحة أن "تركيز دولة قطر ينصب الآن على الدفاع عن السيادة الوطنية وضمان عدم تكرار الهجوم الإسرائيلي ومساءلة من قام بالهجوم"، و قوله: "إن استئناف المفاوضات وجهود الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل والأسرى، لا يبدو واقعيا في ظل رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقصف المفاوض ودولة الوساطة".

أولويات الدوحة وأجندتها أعيد توجيهها نحو أهداف أكثر واقعية وإلحاحا، خصوصا أن الولايات المتحدة التي التقى وزير خارجيتها اليميني المتشدد المسؤولين القطرين ودعاهم لاستئناف المفاوضات؛ لم توفر المظلة السياسية والأمنية للوساطة القطرية، بل عمدت إلى توفيرها للهجوم والعدوان الإسرائيلي على السيادة القطرية التي تسعى الدوحة اليوم للدفاع عنها ومنع تكرار الهجوم عليها، وملاحقة المعتدين في الآن ذاته.

على الجانب الآخر، فإن القمة العربية والإسلامية التي عادة ما كانت تناقش مشاريع السلام والتطبيع في الإقليم وسبل إنهاء الحرب وقرار حل الدولتين، ناقشت هذه المرة العدوان الإسرائيلي وسبل التصدي له، وهذا ما أكدته مسارعة دول الخليج إلى تفعيل مجلس الدفاع الخليجي وتكليفه بمناقشة سبل تفعيل آليات الدفاع المشترك، في حين باشرت المملكة العربية السعودية توقيع اتفاق دفاعي استراتيجي مشترك مع دولة باكستان الأربعاء (17 من أيلول/ سبتمبر الحالي)، يشمل الدفاع المشترك بكافة الوسائل في حال تعرض أي من البلدين للعدوان، بما في ذلك الأسلحة النووية التي تمتلكها إسلام أباد.

لم تعد الوساطات وإدارة المفاوضات أولوية قطرية بل حماية سيادة الدولة وملاحقة المعتدين، ولم يعد مشروع حل الدولتين ومؤتمر نيويورك من أولويات الدبلوماسية السعودية، بل عقد شراكات استراتيجية دفاعية مع باكستان، والحال ذاته لدى مصر والأردن وتركيا والعراق، فهي دول تستشعر خطرا أكده مشروع الضم للضفة الغربية الذي تدعمه إدارة ترامب، ومشروع التهجير من قطاع غزة إلى سيناء الذي يعمل عليه جيش الاحتلال، وتهديد تركيا بإسرائيل الكبرى وبإقامة كيان كردي انفصالي على حدودها مع سوريا، وتهديدات ورسائل القائم بالأعمال الأمريكي لرئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني وأقطاب القوى السياسية؛ بضربة جوية مقبلة يشنها الكيان الإسرائيلي تستهدف العراق وفصائله.

التهديدات الإسرائيلية الأمريكية رسمت ملامح الأجندة لدول الإقليم، معيدة توجيه البوصلة نحو الخطر الإسرائيلي، وهو إدراك لم يتبلور على شكل تحرك جماعي وإنما عبر تحركات منفردة للدول أو عبر تعاون ثنائي لم يرتق إلى مستوى الرد الجماعي بعد، بسبب المحاور والاستقطابات التي لا زالت آثارها قائمة ومؤثرة في علاقات الدول.

فقدان الثقة وتبددها على نحو مطلق بالولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت الارتدادة الاستراتيجية الأولى لزلزال الخليج الذي أعقب عدوان الكيان الإسرائيلي على العاصمة الدوحة، فإنه قوة الدفع الأساسية لما تلاه من تحركات، فالعجلة لم تتوقف عند حدود انعقاد القمة العربية الإسلامية وبيانها الختامي، بل اتجهت نحو إجراءات وقائية وسريعة عبرت عنها القاهرة بنشر منظومة دفاع جوية صينية بالقرب من قناة السويس، في حين شهد الإقليم انفراجات متسارعة عكسها اللقاء المهم الذي جمع، الثلاثاء الفائت، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بولي عهد المملكة العربية السعودية في العاصمة الرياض، بحضور وفد إيران رسمي يضم نائب لاريجاني للشؤون الخارجية في المجلس وكبير المفاوضين النوويين السابق، علي باقري كني، ومساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الخليج، محمد علي، في إشارة إلى طبيعة الحوارات المعمقة التي أجراها الوفد مع الجانب السعودي.

ثقة العرب بأمريكا لم يعد لها محل من الإعراب، نظرا للسياق السياسي والأمني الإقليمي للدول العربية والإسلامي، وإطلاق الإدارة الأمريكية العنان للاحتلال الإسرائيلي لتحقيق أهدافه وطموحاته في المنطقة، مدعوما برؤية أيديولوجية متطرفة، وأجندة أمريكية ساعية للتحكم في خيارات دول المنطقة الاقتصادية والجيوسياسية المستقبلية على نحو يهدد وجودها واستقرارها

التحركات الدبلوماسية والاتفاقات الأمنية المتسارعة في الأيام القليلة الماضية تميزت عما سواها من تحركات بأنها جاءت على خلفية العدوان الإسرائيلي على الدوحة؛ الذي تجاوز حدود الملف الفلسطيني والأجندة الإسرائيلية نحو أجندة تتعدى حدود الإقليم، وأرادت الولايات المتحدة من خلالها إيصال رسائل رادعة للمنطقة من التقارب مع الصين؛ التي باتت شريكا اقتصاديا وأمنيا لدول المنطقة سواء في مجموعة دول البريكس أو في منظمة شنغهاي للتعاون، وروسيا التي جمعتها شراكة مهمة مع السعودية في مجموعة "أوبك بلس" وتستعد لاستقبال الدول العربية في قمة تجمع دول الجامعة العربية بروسيا في 28 من أيلول/ سبتمبر الحالي؛ خلافا للرغبات الأمريكية الذاهبة لعزل موسكو تشديد الحصار عليها.

ثقة العرب بأمريكا لم يعد لها محل من الإعراب، نظرا للسياق السياسي والأمني الإقليمي للدول العربية والإسلامي، وإطلاق الإدارة الأمريكية العنان للاحتلال الإسرائيلي لتحقيق أهدافه وطموحاته في المنطقة، مدعوما برؤية أيديولوجية متطرفة، وأجندة أمريكية ساعية للتحكم في خيارات دول المنطقة الاقتصادية والجيوسياسية المستقبلية على نحو يهدد وجودها واستقرارها.

ختاما.. الشكوك العربية تجاه الولايات المتحدة دعمتها الحقائق والمؤشرات على الأرض، وأخيرا التصريحات التي كان آخرها لمسؤول أمريكي يعمل في البيت الأبيض، أكد فيها مساء الخميس لصحيفة بوليتيكو الأمريكية دون ذكر اسمه، أن المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية متوافقة وأن ما ينشر من معلومات عن خلافات بين البيت الأبيض ونتنياهو مخطط لها مسبقا، إذ يقع ضمن استراتيجية محددة تشمل بالتأكيد التضليل والمناورة. وهو تصريح بمقدار ما عكس غباء صاحبة وقلة خبرته بمقدار ما عكس عنجهية وغطرسة غير محدودة تتملك عقول وقلوب المسؤولين في البيت الأبيض، وهي سياسة ومواقف يتوقع أن توفر قوة دفع إضافية لإعادة التموضع العربي والإسلامي بعيدا عن أمريكا، بعد أن أوضحت واشنطن وجهة نظرها وطبيعة علاقتها بالمنطقة قولا وفعلا على الأرض.

x.com/hma36