تنحصر الأنباء والمعلومات المتدفقة من واشنطن بالحديث عن وقف إطلاق النار
في قطاع غزة، وسيناريوهات التعامل مع إيران، فضلا عن الملفات الإقليمية الساخنة في
لبنان وسوريا واليمن، إلى جانب ملف التطبيع والعمل على تنشيطه وتوسعته بالتوازي مع
مجازر الإبادة والتجويع في قطاع غزة، وهي متناقضات لا يُعلم إن كان
ترامب قادرا
على الجمع بينها في جملة واحدة مفيدة قابلة للإعراب والصرف السياسي.
فالجملة المفيدة يصعب أن تكتمل دون ذكر
الضفة الغربية في سياقها، إذ لم تُذكر
في الحوارات التي أدارها
نتنياهو وترامب على مدار يومين لا من قريب أو بعيد، كما
لم يشر ترامب إلى سلطة رام الله التي أجهدت نفسها بإصلاحات وتغيرات من أعلى الهرم
القيادي إلى أدناه دون جدوى أو فائدة ترجى، فالاستيطان يتوسع وهجمات المستوطنين
تتحول إلى عمليات مميتة تذكر بهجمات عصابات الهاجناة وبالماخ وشتيرن الصهيونية في أربعينيات
القرن الماضي.
ما سر التكتم على ملف الضفة الغربية؟ وما الذي يحاك لها في كواليس البيت الأبيض؟ وهل غابت سلطة رام الله ورموزها عن حوارات واشنطن؟ ومن ملأ الفراغ مكانها؛ هل هو السفير الأمريكي مايك هاكابي والزعيم الاستيطاني يسرائيل غانتس، أم أمراء ومشايخ ومخاتير الظل في الضفة الغربية ومن يدعمهم؟
المقلق أن الضفة الغربية وإن لم تظهر على طاولة البحث بين ترامب ونتنياهو،
ولم ترشح التسريبات في أي إشارة لمستقبلها على نحو مريب ومتعمد، إلا أنها الفيل
الذي في الغرفة ويلقي بظلاله بقوة إلى ما وراء نهر الأردن شرقا على نحو مقلق
ومريب، فما سر التكتم على ملف الضفة الغربية؟ وما الذي يحاك لها في كواليس البيت
الأبيض؟ وهل غابت سلطة رام الله ورموزها عن حوارات واشنطن؟ ومن ملأ الفراغ مكانها؛
هل هو السفير الأمريكي مايك هاكابي والزعيم الاستيطاني يسرائيل غانتس، أم أمراء
ومشايخ ومخاتير الظل في الضفة الغربية ومن يدعمهم؟
الضفة الغربية لم تغب عن لقاءات ترامب ونتنياهو، وما مرافقة السفير
الأمريكي المتطرف مايك هاكابي لنتنياهو في رحلته للعاصمة الأمريكية واشنطن إلا
تعبير عن ذلك، كونه أحد أشد المتحمسين لضم الضفة الغربية للكيان الإسرائيلي، ما يجعل
الملف الضفة الغربية الأكثر حضورا في أروقة الكونغرس ومجلس الشيوخ بل والدولة
العميقة بطبقاتها المدنية والعسكرية والصناعية.
فالضفة الغربية تبدو حدثا يوميا هامشيا وعابرا إذا ما قيست بجرائم الإبادة
التي ترتكب بحق
الفلسطينيين في قطاع غزة، وإذا ما قيست بالحروب والمواجهات الإقليمية،
إلا أنها في الحقيقة ورشة عمل لليمين المتطرف يتحرك فيها بكل أريحية وتحت عناوين
تطبيعيه إبراهيمية أيضا في كثير من الأحيان، فالتحركات على الأرض تشير إلى تسارع
وتيرة الضم والتدمير للبنى الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين تحت مسميات عدة؛
منها أقاليم أو إمارات ومشيخات، استعدادا لمرحلة جديدة تتحول فيها المستوطنات إلى مدن
شرعية والمدن والقرى الفلسطينية إلى تجمعات سكانية غير شرعية عرضة للإزالة
والتدمير؛ أسوة بمسافر يطا جنوب الخليل وعرب المليحات شمال أريحا في غور الأردن.
الجائزة الكبرى التي يتوقع الاحتلال أن تحول النزيف العسكري والسياسي والاقتصادي والديموغرافي إلى نجاح يعيد الأمل للمشروع الصهيوني الاستعماري على أرض فلسطين
ملف الضفة الغربية يصعب التوقف عنده مطولا في ظل تزاحم الأحداث وقلة
الموارد التي تسمح بمعالجته إقليميا وتطبيعا، وهي قيمة تفضيلية مضافة للاحتلال لم
تتوفر له في قطاع غزة؛ لغياب المقاومة وضعفها في الضفة الغربية، وحضور التطبيع
ووفرته، وذوبان سلطة رام الله وأجهزتها ومشروعها في مشروع التنسيق الأمني، فبدل أن
تذوب وتتلاشى سلطة أوسلو ومنظمة التحرير في جسم الدولة الفلسطينية الموعودة ومشروعها
العربي الكبير؛ ذابت في مشروع التنسيق الأمني والتطبيعي الإقليمي.
ختاما.. الضفة الغربية المحاصرة بالاستيطان وبالخوف تحولت ضحية للتطبيع الإبراهيمي
والتنسيق الأمني، فهي لم تغب عن أجندة ترامب ونتنياهو؛ كونها الجائزة الكبرى التي
يتوقع
الاحتلال أن تحول النزيف العسكري والسياسي والاقتصادي والديموغرافي إلى نجاح
يعيد الأمل للمشروع الصهيوني الاستعماري على أرض فلسطين، فالاحتلال لا زال يعول
على الجمع بين التطبيع والاستيطان والضم وحروب الإبادة والتجويع والتصعيد الإقليمي
في جملة واحدة مفيدة قابلة للصرف والإعراب السياسي والأمني والاقتصادي والإقليمي.
x.com/hma36