ملفات وتقارير

القدس تحت الحفر.. ماذا نعرف عن أنفاق الاحتلال المُهدّدة للأقصى بدعم أمريكي؟

روبيو ونتنياهو وزوجته سارة قاموا بمشاركة رمزية في عملية الحفر داخل نفق في القدس المحتلة- الأناضول
شارك رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في افتتاح نفق تهويدي في مدينة القدس المحتلة. حيث ذكر مكتب رئيس حكومة الاحتلال أن النفق الجديد يربط سلوان بالمسجد الأقصى.

وأشرفت منظمة "العاد" الاستيطانية المتطرفة، التي تنشط في سلب منازل الفلسطينيين في بلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى، على شق النفق الذي تم افتتاحه مساء الإثنين. وقال مكتب نتنياهو إن الأخير وزوجته سارة، وروبيو وزوجته جانيت، شاركوا في افتتاح النقب الذي أطلق عليه اسم "طريق الحجاج"، والذي يقول الاحتلال إنه يربط سلوان (يُطلق عليها مدينة داود)، بالمسجد الأقصى (الهيكل المزعوم).

وكان نتنياهو واضحا في كلمة ألقاها عقب افتتاح النفق، رابطا بها هذه الخطوة بالنبوءات التوراتية، وقال في بيان أصدره مكتبه " كان هذا حدثًا ذا أهمية تاريخية وثقافية للشعب اليهودي، هذه الزيارة تشهد على أن المدينة لنا، وأنها لن تُقسّم أبدًا، ولن تكون هناك دولة فلسطينية. وأي إجراء أحادي الجانب سيُقابل بإجراء أحادي الجانب".

من ناحيته كتب روبيو في منشور على "إكس": "طريق الحج هو رابط ثقافي وتاريخي راسخ بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إنه تذكير قوي بالقيم اليهودية المسيحية التي ألهمت الآباء المؤسسين لأمريكا".


600 متر بتكلفة باهظة
كانت حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية المعارضة للاستيطان قالت في تصريح مكتوب الأسبوع الماضي: "يبلغ طول النفق 600 متر، وقد حُفر من قِبل سلطة الآثار الإسرائيلية نيابةً عن منظمة "العاد"، بتمويل حكومي يُقارب 50 مليون شيكل (15 مليون دولار)".

وأضافت: "يبدأ النفق من الطرف الجنوبي لوادي حلوة في سلوان، ويمر أسفل منازل فلسطينية، ويمر تحت أسوار البلدة القديمة، وينتهي بجوار أساسات الحائط الغربي (حائط البراق) - وهو جزء من البناء الداعم للحرم الشريف، ويقع على بُعد أمتار قليلة من المسجد الأقصى".

وتابعت: "كشفت أعمال التنقيب عن شارع روماني يعود إلى القرن الأول الميلادي، تُعرّفه "العاد" بأنه "طريق الحجاج". واعتبرت الحركة أن "زيارة روبيو ليست سوى اعتراف أمريكي بالسيادة الإسرائيلية على أكثر أجزاء حوض القدس المقدس حساسية، وهو ما يتناقض مع موقف واشنطن الراسخ منذ عام 1967".

وقالت الحركة ذاتها إن ترامب اختار فريقا يرسّخ سطوة الاستيطان في قلب منطقة الحرم الشريف، بدلًا من الدفع بتسوية سياسية. وتابعت أن "النفق، وكيفية حفره، وما يقف وراء فتحه، هو انتهاك صارخ للقدس كمدينة مقدسة لجميع الأديان، ومملوكة لجميع سكانها، على بُعد أمتار قليلة من المسجد الأقصى".

ومن المعلوم أن السفير الأمريكي الحالي لدى الاحتلال الإسرائيلي، هو مايك هاكابي والذي يوصف بأنه من "المسيحيين الصهاينة"، نظرا لتأييده المطلق الاحتلال الإسرائيلي من منظور ديني فضلا عن السياسي.


أكذوبة الآثار
بدأ الاحتلال الإسرائيلي عمليات الحفر العلنية منذ العام 1967 بدعوى البحث عن الآثار، إلا أن حقيقة ارتباط الأنفاق والحفريات بالنبوءات التوراتية لم يعد أمرا يخفيه قادة وحاخامات الاحتلال المتطرفين.

وفي عام احتلال المسجد الأقصى 1967، هُدم حي (حارة) المغاربة الملاصق للحائط الغربي (البراق) لإفساح المجال أمام السيطرة على المنطقة، وتحويل باب المغاربة إلى مدخل رئيسي لقوات الاحتلال والمستوطنين. ومنذ ذلك الحين، تكثفت أعمال الحفر بحثًا عن بقايا أثرية تدعم الرواية الصهيونية حول "هيكل سليمان" المزعوم.

وكثفت سلطات الاحتلال بإشراف وزارة الآثار على عمليات الحفر في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، علما أنها توقفت عدة مرات نتيجة ضغوطات دولية.

ووصلت ذروة عمليات الحفر مطلع العام 1981، حين وصلت الحفريات إلى مسافة 100 متر داخل المسجد الأقصى، عبر منطقة سبيل قايتباي، وهو ما أشعل مظاهرات ومواجهات واسعة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال.


فترة الألفية وبدء الانهيارات
رغم التحذيرات الفلسطينية المتكررة من خطر الحفريات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، إلا أن آلة الحفر الإسرائيلية لم تتوقف، ما أدى إلى انهيار جزء من الطريق المؤدي إلى باب المغاربة عام 2004.

وبعد ذلك بعام، دشنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي موقعا تحت اسم "سلسلة الأجيال" في حي سلوان، وذلك بعد عشر سنوات من حفره، ليعد مركزا سياحيا يروج للصهيونية.

وبسبب غياب المحاسبة، تطورت عمليات الحفر إلى التباهي بها من قبل سلطات الاحتلال والمنظمات الصهيونية التي بدأت ببث أعمال حفرها عبر الانترنت منذ العام 2007.

أرقام صادمة
بحسب مؤسسة القدس الدولية، بلغ عدد الحفريات والأنفاق حول المسجد الأقصى 64 موقعًا حتى العام 2017، تشمل أنفاقًا تمتد لمئات الأمتار تحت الحرم القدسي وحي سلوان، مما يهدد الأساسات الهيكلية للمباني الإسلامية والفلسطينية.

وبحسب مركز "وادي حلوة" في سلوان، فإن حفر وشق الأنفاق متواصل أسفل حي وادي حلوة منذ 13 عاماً، وأدى ذلك إلى حدوث انهيارات أرضية واسعة وتشققات وتصدعات في مناطق عدة بالحي خاصة "الشارع الرئيس ومسجد وروضة الحي"، إضافة إلى تضرر أكثر من 80 منزلاً جزئياً، وأكثر من 5 منازل صنفت أنها "خطرة" من بلدية الاحتلال بعد تضرر أساساتها.


وتحت ذريعة البحث عن الهيكل المزعوم، يواصل الاحتلال الإسرائيلي تهويد مدينة القدس عبر إنشاء فضاء تحتي يعزز الرواية الصهيونية حول "الحق التاريخي" في المدينة مع عزل الأحياء الفلسطينية، وإضعاف البنية التحتية للأقصى، وتدمير الآثار الإسلامية المحيطة به.

وباتت الجمعيات الاستيطانية المتطرفة تعتمد على الترويج للسياحة كوسيلة دخل لتمويل مشاريعها. وبحسب أرقام نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية فإن مواقع مثل "مدينة داود" تجذب مليون زائر سنويًا وتدر ملايين الدولارات لصالح هذه الجمعيات.

نبوءات توراتية يدعمها الإنجيليون
تأخذ عمليات حفر وشق الأنفاق أسفل القدس المحتلة بعدا دينيا، يروج له الحاخامات المتطرفون، وجماعات يهودية متطرفة مثل "مؤسسة جبل الهيكل" التي تستند إلى نصوص توراتية، أبرزها سفر دانيال وسفر حزقيال، وهي تتحدث عن إعادة بناء "الهيكل الثالث" كشرط لعودة "المسيح المنتظر".

هذه الجماعات تستخدم الحفريات لتبرير مشاريعها، وتعمل على إنشاء "حدائق توراتية" في سلوان لعزل الأحياء الفلسطينية وتعزيز الرواية اليهودية.

واللافت أن هذا المشروع يحظى بدعم الجماعات الإنجيلية، خصوصًا في الولايات المتحدة، حيث تلعب منظمات مثل "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" (CUFI) و"السفارة المسيحية الدولية" (ICEJ)، دورا محوريات في عمليات الحفر عبر توفير الدعم المالي والسياسي.

فبحسب صحيفة "هآرتس"، تمكنت الجمعيات الإنجيلية، من جمع أكثر من 65 مليون دولار لدعم مشاريع أثرية واستيطانية، وذلك في تقرير نُشر عام 2018.

تجاهل للقوانين الدولية
عمليات الحفر وشق الأنفاق التي شارك بها وزير خارجية الولايات المتحدة بيديه، تخالف اتفاقية لاهاي 1954، وقرارات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" (قرار 26/2016) التي أكدت الطابع الإسلامي للحرم القدسي.

وتتواصل عمليات شق الأنفاق والحفريات تحت القدس المحتلة، رغم إدانة "اليونسكو" ومن قبلها السلطة الفلسطينية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي لهذه العمليات، وتقديم شكاوى عديدة لدى الامم المتحدة.