وجّه وزير
الخارجية المصري بدر عبد العاطي،
خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة، عقب افتتاح رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد،
سد النهضة الإثيوبي الكبير،
وأوضح الوزير في خطابه، أن مصر حرصت على التوصل إلى اتفاق عادل وملزم وشامل، إلا
أن إثيوبيا مضت في إجراءات أحادية مخالفة للأعراف الدولية، ولا تعبأ بأي تبعات قد
تترتب على ذلك من تأثير على النظام القانوني الحاكم لحوض النيل الشرقي، فضلاً عما
تمثله التصرفات الإثيوبية الأخيرة من خرق صريح لمبدأ حسن النية.
كما أشار
الخطاب إلى أن مجلس الأمن سبق أن تناول مشروع السد الإثيوبي على مدار السنوات
الماضية، حيث دعت القاهرة إلى ضبط النفس، والتي اختارت بدورها اللجوء للدبلوماسية
والمنظمات الدولية، ليس ضعفاً ولا تقاعساً عن الدفاع عن مصالحها الوجودية، في
المقابل، تبنت أديس بابا مواقفاً متعنتةً وسعت للتسويف في المفاوضات وفرض الأمر
الواقع، مدفوعة في ذلك بأجندة سياسية وليست احتياجات تنموية لحشد الداخل الإثيوبي
ضد عدو وهمي متذرعة بدعاوي زائفة حول السيادة على
نهر النيل الذي يمثل ملكية
مشتركة لدوله المتشاطئة.
بعيدًا عن مصر..
اتفاقية سرية بين السودان وإثيوبيا
أبرز ما يثير
الاستغراب في بيان الخارجية المصرية، هو استمرار الحديث من منطلق حقوق "الدول
المتشاطئة"، رغم الكشف قبل أيام عن اتفاق إثيوبي سوداني بشأن سد النهضة استثنيت
منه مصر، يحدد القواعد الفنية للتعبئة والتشغيل بين دولتي المنبع والمصب
المباشرتين، وذلك بعد اتفاقية إعلان المبادئ التي وقعها رؤساء مصر وإثيوبيا
والسودان في 2015.
الاتفاقية
التي لم تظهر إلى العلن إلا قبل أيام، تم توقيعها في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022
بالخرطوم، وشكّلت الإطار الفني لجميع عمليات الملء والتشغيل اللاحقة لسد النهضة بين
كل من سيليشي بيكيلي ممثلا عن إثيوبيا، والبروفيسور سيف الدين حمد عبد الله عن
السودان بصفتهما رئيسي الوفدين، وصادق وزير الري والمياه الإثيوبي هابتامو إيتيفا
والمهندس ضو البيت عبد الرحمن منصور وزير الري والموارد المائية السوداني.
ملء السد بشكل
تدريجي
وتضمنت
الاتفاقية التزام إثيوبيا بإتمام ملء السد بشكل تدريجي خلال موسم الأمطار من كل
عام "تموز/يوليو إلى تشرين الأول/أكتوبر"، حتى يصل منسوب ارتفاع المياه
إلي 625 مترا فوق سطح البحر، مع تقليص التخزين في حالات الجفاف، وأنشأت الاتفاقية
آلية تنسيق مشتركة تتخذ قراراتها بالتوافق، وتتولى حل الخلافات وتسهيل التعاون في
جمع البيانات والرصد، كما شددت على مسؤولية كل طرف عن سلامة سدوده، وفي حالات
الطوارئ مثل توقف مفاجئ لتوليد الكهرباء أو مشكلات في جودة المياه، تلتزم إثيوبيا
بإخطار السودان فورا، مع عقد اجتماعات عاجلة لوضع إجراءات وقائية أو علاجية عبر تكنولوجيا
متقدمة تسمح بالتحكم الكامل في محطة الطاقة من العاصمة أديس أبابا وفق ما أكده مدير
مشروع "سد النهضة" المهندس كفلي هورو.
الاتفاقية
المسربة، قال عنها قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة: "إن
صح وجودها، فأن هذا السلوك الأحادي ليس الأول من نوعه، فقد شهدنا في عهد الرئيس
السوداني الأسبق البشير، تواطؤا سودانيا أشد وطأة، حيث تم توقيع اتفاقات سرية لم
تكن مصر على علم بها إلا بعد سنوات، وإن كان الاتفاق الحالي ينظم تدفق المياه
وتبادل المعلومات، فإن توقيعه سرًا يمثل خطأ جسيما، لأنه لم يراعِ مصالح دولة
المصب الأخرى".
افتتح رئيس
الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، سد "النهضة" بعد نحو 14 عاما من التشييد في
حفل غاب عنه ممثلين عن من مصر والسودان، رغم توجيه أديس أبابا دعوة إلى البلدين
للحضور، والذي خاطبهما بالقول:" السدود المصرية والسودانية يفترض أن تكون
ممتلئة، لا نريد أن يولد سد النهضة أي مخاوف للبلدين".
تطمينات أثيوبية
لم تفلح في محو مخاوف جارتها، ففي أغسطس/آب أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
أن: "من يعتقد أن مصر ستغض الطرف عن تهديد أمنها المائي فهو مخطئ"،
مؤكدا "سنتخذ التدابير المكفولة كافة بموجب القانون الدولي للحفاظ على مقدرات
شعبنا الوجودية".
وتعوّل مصر
البالغ عدد سكانها نحو 110 ملايين نسمة، على النيل لتغطية 97 بالمئة من احتياجاتها
من المياه، ولا سيما للزراعة، وبحسب وزارة الموارد المائية والري المصرية، فإن
موارد مصر المائية تقدر بحوالي 56.6 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ احتياجاتها
المائية حوالي 114 مليار متر مكعب سنويا.
وتقول وكالة
الصحافة الفرنسية إن السد الضخم الذي أقامته أديس أبابا على نهر النيل موضع خلاف
كبير منذ أكثر من عقد بين مصر التي تعتبره "تهديدا وجوديا" لها،
وإثيوبيا التي ترى فيه "فرصة" للمنطقة ومصدر اعتزاز لها، لكوه موضع
إجماع نادر الحصول في بلد يشهد عدة نزاعات مسلحة بعضها لا يزال جاريا ولا سيما في
منطقتي أوروميا وأمهرة، ثاني أكبر أقاليم البلد من حيث التعداد السكاني، وبعضها
انتهى كما في إقليم تيغراي حيث توقفت الحرب في 2022 بعدما أوقعت 600 ألف قتيل بحسب
تقديرات الاتحاد الأفريقي.
وتم إطلاق
مشروع "سد النهضة الإثيوبي الكبير" في نيسان/أبريل 2011 بميزانية بلغت 4
مليارات دولار، ويعد أكبر مشروع كهرومائي في أفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر
وارتفاعه 145 مترا في حين تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعب من المياه.
"تفجير
السد"
وجرت عدة
محاولات وساطة بين الدول الثلاث قامت بها على التوالي الولايات المتحدة والبنك
الدولي وروسيا والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأفريقي، فشلت جميعها، وتلقى
موقف القاهرة دعما من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى،
إذ قال إن الوضع خطير وإن القاهرة قد يصل بها الأمر إلى "تفجير هذا السد"،
لكن إدارته فشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن المشروع، الذي لم تسفر سنوات من
المحادثات عن أي اتفاق بشأنه.
محمد نصر علام
وزير الموارد المائية الأسبق قال إن السد أنتج خصيصا للأضرار بمصر وأمنها المائي
بل ولمحاولة تقويض دور السد العالي كمخزون مائي استراتيجي للبلاد، وتوقع في منشور على صفحته في فيسبوك أن تشهد
السنوات القادمة جفافا، ما يخلق مواجهات مباشرة بين الدول الثلاث، معتبرا أن
"على المجتمع الدولي التدخل لمنع هذه المواجهات ولإقناع قادة إثيوبيا بالتوقف
عن ممارسة تلك التصرفات التي تنذر بالصدام".
ومنذ عام
2016، شرعت مصر في سن تشريعات تهدف إلى تقليص مساحة زراعة الأرز من مليوني فدان
إلى 750 ألفاً، بهدف ترشيد استهلاك المياه، وتوفير قرابة خمسة مليارات متر مكعب
كانت تُستخدم في زراعة 1.250 مليون فدان.
ولأول مرة في
تاريخ مصر الزراعي، تفرض الحكومة عقوبة السجن على الفلاحين الذين لا يلتزمون
بالمساحات المحددة لزراعة الأرز، كما وفقدت مصر نحو مليار دولار سنوياً كانت تعود
عليها من تصدير مليون طن من الأرز الأبيض، بعد أن تحولت من دولة مكتفية من الأرز
إلى مستورد له.
وتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن خبراء في مجموعة
تشاتام هاوس أن تعايشا سلميا بين الدول الواقعة على ضفاف النيل أمر ممكن تماما،
حيث إن النيل يكفي لجميع الدول الواقعة في أعلى السد أو أسفله إن تمت إدارته بصورة
صحيحة.