أثارت موجة الهجوم الإسرائيلي سواء الإعلامي أو
البحثي المنظم على الاتفاقية التركية الليبية في
البحر المتوسط الكثير من الأسئلة
حول هدف الخطوة وعلاقة
الاحتلال بالاتفاقية وما إذا كان سيمارس ضغوطا دولية وأوروبية لإلغائها.
ولوحظ مؤخرا هجوم من قبل صحف وكتاب وباحثون للاحتلال
على الاتفاقية البحرية بين دولتي
تركيا وليبيا، معتبرين إياها تهدد مصالحهم في
المتوسط خاصة الاتفاقية بين تل أبيب وقبرص وأثينا، متذرعين بحجة أن الاتفاقية غير
قانونية ولم تعتمد حتى اللحظة.
"أداة سيطرة ومحاصرة"
ونقلت منصة نيوز
بومب اليونانية عن المحلل العسكري
الإسرائيلي، شاي غال، قوله إن "الاتفاقية الموقعة بين تركيا وليبيا هي بمثابة
أداة سيطرة استراتيجية لأنقرة وأنه تم استخدام هذا الاتفاق، الغير مدعوم من الغرب،
كأداة لفرض واقع جديد".
وأكد أن "تركيا بهذه الاتفاقية وغيرها من
التحركات تعمل على محاصرة مصر وتهميش اليونان وتهديد خطوط الطاقة والتجارة الحيوية
لإسرائيل، بل وابتزاز المنطقة سياسيًا واقتصاديًا، محذرا مما أسماه غضب بوسيدون،
وهو السيناريو الأسوأ المتمثل في هيمنة تركيا على شرق المتوسط"، وفق مزاعمه.
"استعانة بأميركا للضغط على أنقرة"
في حين قال الباحث الإسرائيلي في مركز أبحاث
السياسات والاستراتيجيات البحرية بجامعة حيفا، بيني شبانير إن "تركيا ترى في
مياه المتوسط أداة لتعزيز نفوذها الإقليمي والاقتصادي والعسكري، ومستعدة لاستخدام
التهديد بالقوة لمنع أي مشاريع إقليمية تتجاوزها، لاسيما إحباط اتفاقية إسرائيل
وقبرص واليونان لمدّ أعمق وأطول خط أنابيب غاز في العالم "إيست ميد"،
لربط إسرائيل بأوروبا، لأنها تتجاهل حقوق قبرص التركية الخاضعة لوصايتها في
مواردها الطبيعية.
كما رأى الصحفي الإسرائيلي بمجلة
"غلوبس"، دين شموئيل ألماس "أن هذه التحركات من قبل تركيا تدفع
إسرائيل للاستعانة بالضغط الأمريكي لممارسة نفوذها على أنقرة، حتى لا تتعثر
مشاريعها بعد إطلاقها، رغم أن تركيا ترى في أي تقارب بين إسرائيل وقبرص واليونان
تهديداً لها، وفق قوله.
"إرباك ورسم موازين القوة"
من جهته، قال المرشح لرئاسة الحكومة الليبية،
عبدالحكيم بعيو إن "الهجوم البحثي والإعلامي الإسرائيلي على الاتفاقية
التركية–الليبية يعكس قلق تل أبيب من أي ترتيبات جديدة قد تعيد رسم موازين القوة
في شرق المتوسط، كون الاتفاقية منحت تركيا مجالاً بحرياً واسعاً يربك الحسابات
الإسرائيلية المرتبطة باتفاقاتها مع اليونان وقبرص، خاصة في ما يتعلق بمشاريع
الطاقة وخطوط الغاز نحو أوروبا".
وأكد في تصريحات لـ"عربي21" أن
"التركيز الإعلامي الإسرائيلي على هذه الاتفاقية يمكن اعتباره جزءا من حملة
ضغط غير مباشرة عبر الرأي العام ومراكز الأبحاث للتأثير على الموقف الدولي، وربما
لدفع بعض القوى الأوروبية إلى التشكيك في شرعية الاتفاقية ومحاولة عزلها"،
بحسب تقديره.
وأضاف: "دخول إسرائيل على خط المواجهة لا
يأتي فقط بدافع حماية مصالحها الطاقوية مع قبرص واليونان، بل أيضاً كجزء من
استراتيجيتها الأوسع لتقييد الدور التركي في المتوسط، خصوصاً إذا ارتبط هذا الدور
بليبيا الغنية بالموارد والتي تمثل موقعاً استراتيجياً حساساً"، كما رأى.
"تقوية لنفوذ تركيا العسكري"
في حين رأى الكاتب التركي المتخصص في شؤون
تركيا والشرق الأوسط، فراس أوغلو إن "الاتفاقية التركية الليبية تعد نوع من
أنواع الحصار البحري على إسرائيل إضافة لما رسمته من حدود بحرية تركية، فإن
التواجد التركي في قبرص الشمالية يعطيان تركيا قوة عسكرية حقيقية في شرق المتوسط
وهذا ما منع إسرائيل من مد خط الطاقة التي كانت تريد إنشاءه بإتجاه قبرص واليونان
وهذا يُعد خسارة اقتصادية واستراتيجية لتل أبيب".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن
"مخاوف إسرائيل زادت بعد نجاح المعارضة السورية في الإطاحة بنظام الأسد ووصول
النفوذ التركي براً عبر سوريا إلى الحدود الإسرائيلية، وربما تسعى تل أبيب بمقايضة
تركيا الملف السوري مقابل شرق المتوسط وإنفاذ مشاريعها فيه"، بحسب كلامه.
وتابع: "لكن لا أعتقد أن تركيا قد تقبل
بسبب أن أورق القوة لديها أكثر مما تمتلكه إسرائيل إضافة للتقارب التركي المصري
وملف غزة، كل هذه الأمور تجعل إسرائيل مضطرة لفتح جبهة شرق المتوسط وخاصة الاتفاقية
التركية الليبية لترسيم الحدود"، حسبما صرح.
"صراع نفوذ وغاز"
وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى التويجر قال
من جانبه إن "إسرائيل تخشى أن تعيق الاتفاقية الليبية التركية قدرتها على
تصدير الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب "إيست ميد" المقترح، حيث أن هذا
الخط سيمر في المياه التي تعتبرها تركيا جزءا من مياهها الاقتصادية، كما تخشى
إسرائيل من أن الاتفاقية تمنح تركيا نفوذا للسيطرة على ممرات الشحن والبنية
التحتية التي تعتمد عليها اقتصادات وأمن إسرائيل".
وأشار إلى أن "تل أبيب طالما اعتقدت أن
تركيا تعارض أي مشروع اقتصادي تسعى إسرائيل للترويج له، مثل مبادرة إنشاء ممر
تجاري من الهند إلى إسرائيل، كما تعتبر إسرائيل أن الاتفاقية التركية الليبية جاءت
ردا على منتدى "غاز شرق المتوسط"، الذي يهدف إلى عزل تركيا، وأن
الاتفاقية تتجاهل الحقوق البحرية لليونان وقبرص، وهما حليفتان مقربتان
لإسرائيل"، كما رأى.
وتابع لـ"عربي21": "كما أن
الاتفاقية تسمح لتركيا بتوسيع نفوذها العسكري والبحري في البحر الأبيض المتوسط،
مما قد يهدد أمن إسرائيل، إذا الصراع التركي الصهيوني هو صراع على النفوذ والثروة
ومسارات الغاز في منطقة المتوسط، وأن نجاح تركيا في اعتماد الاتفاقية سيحقق مصالح
دول المنطقة ويحد من التغول الصهيوني الذي يسعى إلى السيطرة الكاملة"، وفق
كلامه.