بالرغم من أن حماس وفصائل المقاومة وافقت
على الخطة المصرية القطرية لعقد هدنة مؤقتة لمدة 60 يوماً مع الاحتلال الإسرائيلي،
وبالرغم من أن هذه الخطة جاءت قريبة جداً من خطة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف Steve Witkoff؛ فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تابع
إجراءات اعتماد وإنفاذ خطة عربات جدعون الثانية لاحتلال مدينة
غزة، بهدف
"هزيمة حماس" والسعي لتهجير نحو 900 ألف من سكان غزة وشمال القطاع
باتجاه الجنوب؛ والضغط من خلال المجازر والتدمير لاستعادة الرهائن الإسرائيليين،
وفرض التصور الإسرائيلي لمستقبل قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، حافظ نتنياهو على درجة
عالية من "الغموض" والتعتيم المتعمد تجاه الرد الرسمي الإسرائيلي حول
الموقف من خطة الهدنة، ولم يطلع معظم وزرائه على حقيقة نواياه. بينما ظهر اتجاه
بالرغبة في استئناف "التفاوض تحت النار"، مع وضع مزيد من التعقيدات في
وجه الصفقة.
الجيش الإسرائيلي الذي احتل نحو 75% من قطاع
غزة، والذي يسعى لاستكمال احتلال ما تبقّى منه، استدعى 60 ألفاً من قوات الاحتياط،
وجدَّد استمرار خدمة 20 ألفاً آخرين، إلى جانب الجيش النظامي؛ سيحاول "إعادة
اختراع العجلة" في تحقيق فكرة سحق حماس واستعادة الرهائن.
تعقيدات وتحديات كبيرة
تواجه عملية عربات جدعون الثانية تعقيدات
وتحديات كبيرة، أبرزها:
ـ ما الجديد الذي سيستطيع العدوان
الإسرائيلي على قطاع غزة تحقيقه بعد أكثر من 22 شهراً فشل فيها في تحقيق أهدافه،
بالرغم من أنه نفذ مجازر وإبادة جماعية أدت لاستشهاد أكثر من 62 ألف
فلسطيني وجرح
157 ألفاً آخرين، ودمر أكثر من 350 ألف منزل، كما دمر البنى التحتية والمستشفيات
والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس؟! إذ إن عناصر الفشل ما تزال قائمة.
الجيش الإسرائيلي الذي احتل نحو 75% من قطاع غزة، والذي يسعى لاستكمال احتلال ما تبقّى منه، استدعى 60 ألفاً من قوات الاحتياط، وجدَّد استمرار خدمة 20 ألفاً آخرين، إلى جانب الجيش النظامي؛ سيحاول "إعادة اختراع العجلة" في تحقيق فكرة سحق حماس واستعادة الرهائن.
ـ نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات اجتياح
وتدمير وتهجير واسعة سابقاً في شمال غزة كان أبرزها "خطة الجنرالات"،
ولحقتها خطة عربات جدعون الأولى، وبالرغم مما تخللته من فظائع ومجازر إلا أنها
انتهت بالفشل.
ـ الجيش الإسرائيلي نفسه كان يميل لعقد هدنة
وصفقة تبادل، ويرى أن الجهد العسكري استنفذ أغراضه، والعديد من رؤساء الأركان
والقادة العسكريين والأمنيين السابقين لا يرون قيمة كبيرة في مواصلة
الحرب، ولكن
الجيش رضخ في النهاية لنتنياهو وللمستوى السياسي.
ـ هناك أغلبية في الجمهور الإسرائيلي تميل
لعقد الهدنة، مع ضغوط متزايدة لعدم تفويت هذه الفرصة.
ـ بموافقة حماس على الصفقة، لم يعد ثمة مجال
لإلقاء اللوم عليها بتعطيل الاتفاق، وانحصرت دائرة تحميل المسؤولية على نتنياهو
وحكومته فقط.
ـ هناك مزيد من الضغوط الدولية، بما في ذلك
الدول الغربية، لوقف الحرب وإدخال المساعدات، مع اتجاه عام للاعتراف الرسمي
بالدولة الفلسطينية؛ ولذلك فإن شن نتنياهو والحملة عسكرية الجديدة، تفتقد للمبررات
من وجهة نظر عالمية، وهي تُعرّض الكيان الإسرائيلي لمزيد من العزلة، وتحوله أكثر
إلى كيان منبوذ؛ مع تصاعد اللهجة الأمريكية باتجاه الرغبة بوقف الحرب.
ـ التقارير الإسرائيلية نفسها غير متفائلة
بإمكانية القضاء على حماس ولا بإمكانية تحرير الرهائن، وبعضها يشير إلى أن الأمر
قد يستغرق أشهر عديدة إن لم يكن سنوات؛ كما أن التقارير تشير إلى أن حماس تمكنت
إلى حدٍّ كبير من تعويض شهدائها، وأن عديد كتائب القسام يبلغ نحو 30 ألفاً (بعض
التقديرات ترفعه إلى 40 ألفاً)؛ وأن الجيش الإسرائيلي بكل ما يملك من قوة وبطش
مدعوماً بأسلحة الدمار الأمريكية لم يكن يتمكن على مدى 22 شهراً من تجديد بنيتها
المقاتلة الفعالة لحماس. كما يقف الجيش الإسرائيلي والخبراء العسكريون في حالة
ذهول من استمرار الأداء النوعي القوي لكتائب القسام وسرايا القدس التابعة للجهاد
الإسلامي وقوى المقاومة؛ حتى بعد كل هذه الحصيلة الهائلة من المجازر والدمار
والتجويع. وبالتالي، فمن باب أولى أنه سيفشل في هذه الجولة
سيناريوهات محتملة:
أمام نتنياهو وحكومته المتطرفة ثلاثة
سيناريوهات:
الأول ـ استمرار اعتماد "الخيار
الصفري"، برفض خطة الهدنة، والقيام بهجوم عسكري بري واسع، تنفيذاً لعملية
عربات جدعون الثانية، والسعي لاحتلال غزة، وتهجير سكانها، بهدف تحقيق ما لم يتمكن
من تحقيقه سابقاً، أي سحق حماس واستعادة الرهائن. وهو ما قد يعني إطالة أمد الحرب،
وتزايد احتمالات مقتل الرهائن. وبالرغم ما قد يحمله ذلك من مجازر وإنهاك لأهل غزة،
إلا أن المعطيات تشير إلى فشل شبه مؤكد للهجوم. مع تصاعد الإدانات العالمية
للحكومة الإسرائيلية ومزيد من الضغوط الداخلية والخارجية لوقف الحرب.
إن العقلية الإسرائيلية الحاكمة ما زالت غير مستوعبة لفكرة الفشل في استخدام القوة الطاغية، لأنها تمس صُلب الجدلية التي يقوم عليها المشروع الصهيوني. ولذلك فستسعى لشراء الوقت، والهروب إلى الأمام، وستبقى في "حالة إنكار".
الثاني ـ المضي قدماً في إنفاذ الهجوم
العسكري (عربات جدعون 2) لأمد محدود، وتفعيل عملية "التفاوض تحت النار"،
بقصد تحقيق نتائج على الأرض إن أمكن، أو تحسين الشروط التفاوضية؛ وسيلعب أداء
المقاومة والتفاعلات الداخلية والخارجية والغطاء الأمريكي دوره في تقصير أو إطالة
المدى الزمني للهجوم.
الثالث ـ تقديم ردّ إيجابي على الخطة، وتخفيض وتيرة
الهجوم أو تجميده، وصولاً إلى اتفاق الهدنة لمدة 60 يوماً.
ويبدو أن الأحداث تصبُّ أكثر باتجاه
السيناريو الثاني، غير أن نتنياهو لن يتوانى في المضي في السيناريو الأول، إذا ما
وجد بيئة مناسبة لمتابعة الهجوم، أو وجد أن الضغوط المختلفة يمكن تحمُّلها أو
استيعابها.
***
وأخيراً، فإن العقلية الإسرائيلية الحاكمة
ما زالت غير مستوعبة لفكرة الفشل في استخدام القوة الطاغية، لأنها تمس صُلب
الجدلية التي يقوم عليها المشروع الصهيوني. ولذلك فستسعى لشراء الوقت، والهروب إلى
الأمام، وستبقى في "حالة إنكار". وحتى لو دخلت في اتفاق هدنة مؤقت، فمن
المستبعد أن تلغي من أجندتها فكرة "هزيمة حماس" وسحب أسلحتها، وتحييدها
سياسياً. ولذلك، فإن إبقاء قطاع غزة تحت الضغط والحصار، وتحت الاستهداف الأمني
والعسكري، سيظل خطاً عاماً في سياستها. وهو ما يعني أن على الاحتلال الإسرائيلي
دفع أثمان أكبر، مع التعرض لمزيد من الضغوط الداخلية والخارجية للاضطرار للنزول عن
الشجرة.