كتاب عربي 21

سلطة رام الله واليوم التالي في قطاع غزة

"المدخل الصحيح لليوم التالي لقطاع غزة هو العودة للتوافق الفلسطيني وإنفاذ اتفاقات المصالحة السابقة، وعمل قيادة انتقالية، بمشاركة الجميع"- الأناضول
هل كانت سلطة رام الله حاضرة في إعلان نيويورك الذي أدرج فكرة نزع سلاح حماس والمقاومة، وطالب بإخراج حماس من المشهد السياسي الفلسطيني؟ بالتأكيد كانت السلطة حاضرة في شخص رئيس وزرائها محمد مصطفى، الذي لعب وفريقه دورا في صياغة إعلان نيويورك.

السؤال الأول: لماذا تنقل سلطة رام الله معركتها الداخلية مع حماس إلى المشهد الدولي، وتشترك في جعل ذلك التزاما عالميا؟

ربما رأت قيادة السلطة أنها البديل المطلوب عربيا وعالميا لملء الفراغ لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب، وربما لتحاول الانفراد المتعسف بقيادة السلطة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية؛ واصطناع حالة "مزورة" لتمثيل الشعب الفلسطيني!

ولكن هل كانت السلطة بحاجة لاستبعاد حماس ونزع سلاحها، وأن يُسلِّم الذين سمّاهم محمود عباس "أولاد الكلب"، على حدّ تعبيره، الرهائن الصهاينة؟! وأن يُضَمَّن ذلك في وثيقة دولية؟!

السلطة لم تَعُد تُقدِّم نفسها لترتيبات اليوم التالي لغزة فقط، وإنما لترتيباتِ ما بعد حماس، ليس فقط في غزة وإنما في الإطار الوطني الفلسطيني

كان الأمر أيسر بكثير على السلطة ضمن أي توافق وطني، إذ إن حماس نفسها ليس لديها مانع من استلام سلطة رام الله لإدارة قطاع غزة ضمن توافق وطني داخلي، وهي نفسها تدعم أي ترتيبات حقيقية وشفافة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز التماسك الداخلي. غير أن السلطة لم تَعُد تُقدِّم نفسها لترتيبات اليوم التالي لغزة فقط، وإنما لترتيباتِ ما بعد حماس، ليس فقط في غزة وإنما في الإطار الوطني الفلسطيني!!

السؤال الثاني: على ماذا شربت سلطة رام الله "حليب سباع" لتضرب بعرض الحائط كافة اتفاقات المصالحة الفلسطينية على مدى عشرين عاما، ولتسعى إلى شطب عمود رئيس من أعمدة العمل الوطني الفلسطيني (حماس)، ولتعطي غطاء للمساعي الإسرائيلية الأمريكية الغربية في نزع سلاح المقاومة؛ بل ولتتبرع بالرغبة في إنشاء دولة فلسطينية "منزوعة السلاح"؟!

ولو فرضنا جدلا أن السلطة ستتولى إدارة قطاع وستقوم بنفسها بنزع سلاح حماس والمقاومة! فهل ستضمن عدم التدخل الإسرائيلي، وعدم مواصلة الاحتلال لحملات الاغتيال والاعتقال والتدمير واستباحة الشجر والحجر والإنسان؟!! ستكون "نكتة" كبيرة إن قالت إنها تضمن ذلك؛ لأن الاحتلال الإسرائيلي يمارس عدوانه باستمرار ودونما توقف طوال 31 عاما من عمر السلطة في الضفة الغربية. وبالتالي، فما جدوى أن تُسلِّم المقاومة أسلحتها، إذا كانت الخطوة التالية هي متابعة الاحتلال لذبح المقاومة ورجالها ولكن فقط بوجود "شاهد زور" أو غطاء فلسطيني "يشرعن" للاحتلال جرائمه، بينما يوفر له الاحتلال تمثيلا وهميا لشعبه؟

السؤال الثالث: على ماذا تقدِّم سلطة رام الله شهادات "حسن سلوك" لمن يركلها بقدمه؟!

الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وإدارة ترامب، لا تباليان بسلطة رام الله؛ ونتنياهو وحلفاؤه في الصهيونية الدينية يسيرون خطواتٍ واسعة في ضم الضفة الغربية وفي تفكيك السلطة نفسها، وتحويلها إلى كانتونات، وفريق ترامب الرئيسي يتحدث على المكشوف عن الضفة كجزء من الأرض التاريخية "للشعب الإسرائيلي"!!

إن تشغيل أكثر من 60 ألفا من أجهزة أمن السلطة في مطاردة المقاومة وتفكيك خلاياها في الضفة، وفي قمع المظاهرات والمسيرات المؤيدة لغزة، وفي إيجاد بيئة أفضل للاحتلال، لم يشفع للسلطة في فكّ حجز حكومة الكيان لإيرادات الضرائب الفلسطينية، ولا في تخفيف الاستيطان ولا في وقف عربدات المستوطنين، ولا في سحق مخيمات جنين ونور شمس وتهجير أهلها.. فعلامَ تراهن السلطة؟!

السؤال الرابع: إذا كان من الحكمة مواجهة المؤامرة الإسرائيلية ونزع ذرائعها في البقاء في قطاع غزة؛ فهل من الحكمة تنفيذ ذلك بتعزيز الانقسام الفلسطيني وضرب البنى المؤسسية الفلسطينية وإضعافها، وارتهان "صناعة القرار الوطني الفلسطيني المستقل" لإرادة العدو أو الخصوم؟

السؤال الخامس: هل التعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني هو معيار قيادة المنظمة وسلطة رام الله وفتح، أم الاعتماد على عكازات "شرعية" مصطنعة عربية ودولية تحارب خط المقاومة و"الإسلام السياسي"، وتتماهى مع أبرز شروط الاحتلال؟!

إن استطلاعات الرأي الفلسطينية خلال الفترة الماضية تؤكد رسوخ وقوة خط المقاومة في وجدان الشعب الفلسطيني وفي صناعة توجهاته وقراراته، وأي مرور سريع على نتائج استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (مركز مستقل ومقره رام الله) يؤكد ذلك.

فحتى في ذروة الهجوم على حماس وفي قمة حالة المجازر والإرهاق والإنهاك والتجويع التي يعيشها أهلنا في قطاع غزة، وفي قمة التواطؤ والخذلان والحصار العربي والدولي، ما زال الشعب الفلسطيني يعطي الصدارة لحماس وخط المقاومة. فبعد 17 شهرا من الحرب الإسرائيلية الشرسة على القطاع، وحملات الاستهداف المدمر المنهجي في الضفة الغربية، فإن استطلاع شهر أيار/ مايو 2025 يشير إلى أن أغلبية عظمى تصل إلى 77 في المئة تعارض نزع حماس لأسلحتها في سبيل وقف الحرب، و80 في المئة يعتقدون أن "إسرائيل" لن تنسحب من القطاع حتى لو وافقت حماس على نزع أسلحتها، ويصل الرضا عن أداء حماس إلى 57 في المئة، بينما لا يتجاوز الرضا عن أداء سلطة رام الله 23 في المئة، والرضا عن أداء عباس 15 في المئة. وإذا ما حصلت انتخابات فإن 68 في المئة سيعطون أصواتهم لمرشح حماس (خالد مشعل)، في مقابل 25 في المئة لمحمود عباس؛ وستفوز كتلة حماس بـ43 في المئة من المقاعد في المجلس التشريعي (وهي تقريبا النسبة نفسها في 2006 عندما فازت في الانتخابات)، بينما ستحصل كتلة فتح على 28 في المئة.

محاولة فرض هيمنة سلطوية "فتحاوية" برعاية إسرائيلية أمريكية عربية دولية، وتجاوز الإرادة الشعبية الفلسطينية مصيرها الفشل

هذا الاستطلاع يحدث وحماس في أصعب حالاتها، فماذا لو خرجت حماس منتصرة في الحرب، وماذا لو فرضت شروطها وحصلت على صفقة أسرى مشرفة، وفرضت على الاحتلال إنهاء الحرب وإدخال الاحتياجات والخروج من غزة؟

السؤال السادس: ماذا عن الخبرة والتجربة التاريخية على مدى عشرين عاما؟

تقول التجربة إن قيادة المنظمة (قيادة السلطة وقيادة فتح) عندما استقوت بالتنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي وبغطائه في الضفة، فإن حماس وخط المقاومة زادا قوة وحضورا شعبيا في الضفة الغربية وغزة والداخل الفلسطيني وفي الشتات الفلسطيني، وعندما استقوت بالأنظمة العربية وغطائها.. فإن حماس وخط المقاومة زادا قوة وحضورا شعبيا عربيا، وعندما استقوت باشتراطات الرباعية الدولية.. فإن حماس وخط المقاومة زادا قوة وحضورا عالميا.

* * *

وباختصار، فإن محاولة فرض هيمنة سلطوية "فتحاوية" برعاية إسرائيلية أمريكية عربية دولية، وتجاوز الإرادة الشعبية الفلسطينية مصيرها الفشل. والمدخل الصحيح لليوم التالي لقطاع غزة هو العودة للتوافق الفلسطيني وإنفاذ اتفاقات المصالحة السابقة، وعمل قيادة انتقالية، بمشاركة الجميع، تقوم بالترتيبات الحقيقية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني لمتابعة كفاحه لانتزاع حقوقه وتحرير أرضه ومقدساته.

x.com/mohsenmsaleh1