صحافة دولية

"تلة سديروت" تتحول إلى منصة إسرائيلية لمراقبة قصف غزة

عشرات الأشخاص وسياراتهم متوقفة على التل لمتابعة القصف الإسرائيلي في غزة- وفا
يجتمع المستوطنون يوميًا على منصة مراقبة في مستوطنة سديروت، المتاخمة لقطاع غزة، لمتابعة مجريات الحرب وعمليات القصف الجوي التي تودي بحياة العشرات يوميًا.

وبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، التقى ثلاثة إسرائيليين في السابعة والعشرين من عمرهم، على "قمة تل كوبي"، أعلى نقطة في سديروت المطلة على أطراف قطاع غزة، وتبادلوا الحديث عن العمل والسفر و"الاستثمار في سوق الأسهم".

وأضاف التقرير أنه قطاع غزة يقع على بعد كيلومتر واحد تقريبًا عبر الطريق السريع وبعض الحقول والجدار الفاصل، وتحديدًا في مناطق بيت حانون وشمال غزة، والتي تتعرض لقصف مستمر منذ ما يقرب من عامين.

وتابع التقرير أن أحد الإسرائيليين يدعى أفيك، قال مبتسمًا ويرتدي سرواله القصير وقميصه الزاهي، إن
"مشاهدة سقوط الصواريخ على غزة تجعله يشعر بالسعادة"، وأشار إلى شاشة هاتفه التي تحتوي على صورة لعمه آفي ميغيرا، الذي قتل على دراجته النارية في شوارع سديروت على يد أحد أعضاء حركة حماس.

وأضاف أفيك أمام صديقيه، تاجر وموظف في مطبعة بمدينة كيبوتس بئيري المجاورة لقطاع غزة، أنه يعتقد أن تحرير آخر 50 رهينة إسرائيلي يُعتقد أن 20 منهم فقط على قيد الحياة، لا يمكن أن يتم إلا بعملية عسكرية عنيفة، حتى وإن استلزم الأمر موت "ملايين" الفلسطينيين، حسب تعبيره.



مع حلول المساء وغروب الشمس، تحولت السماء إلى اللون الأحمر، وبينما كان الثلاثة يستعدون للمغادرة حوالي الساعة الثامنة مساءً، تصاعد عمود دخان متعرج في الأفق، تلاه انفجار قوي في قطاع غزة قبالة التل مباشرةً.

بعد 21 شهرًا من العمليات العسكرية المتواصلة، أصبحت منطقة سديروت المطلة على البحر وجهة يقصدها العديد من الإسرائيليين لمتابعة حرب نادرًا ما تُعرض على شاشات التلفزيون. يمكن للزوار، بعد صعود قصير على طريق رملي مقابل خمسة شواقل (أكثر من يورو واحد بقليل)، استخدام مناظير مثبتة لمعاينة صف المباني المدمرة في شمال غزة. كما تتوفر آلات بيع مجهزة بانتظام لتقديم مشروبات باردة في درجات حرارة الصيف التي تصل إلى 40 درجة مئوية.

في منتصف تموز /يوليو، انتشر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر عشرات الأشخاص وسياراتهم متوقفة على التل. نشر الصحفي المتشدد يديديا إبستاين المقطع أول مرة على موقع "شامال" الإخباري ("غرفة الحرب")، واصفًا نقطة المراقبة بأنها "أفضل عرض في المدينة". وعلى موقع "إكس"، بدأ بعض الإسرائيليين، دون سخرية، بتسميتها "سينما سديروت".

رغم التفاخر على الإنترنت، كان متابعو المذبحة المستمرة في غزة أكثر تحفظًا أمام الصحافة، ورفضوا في الغالب شرح أسباب حضورهم. أحدهم، أورين، قال ضاحكًا وهو يلتقط صورًا لغروب الشمس فوق غزة بهاتفه الذكي: "لو موند؟"، واتهم المتواجدين بـ"الفاشيون"، مشيرًا إلى أن لديه عائلة في كاربنترا جنوب فرنسا.

ركزت الصحفية هادارمان، عبر المنظار المثبت، على مبنى متعدد الطوابق مدمّر بالكامل، ولم تغادر بصرها عنه. وأعربت موظفة في علامة تجارية للأحذية في تل أبيب عن شعورها بالاضطراب، مستذكرة مدنيي غزة الذين شُرّدوا قسرًا أو قُتلوا، ووالديها الذين اعتادا الذهاب إلى شاطئ غزة قبل انسحاب إسرائيل عام 2005، وأصدقائها الذين يخدمون كجنود احتياط في الجيش الإسرائيلي. وتنهدت قبل أن تعود إلى أعلى التل قائلة: "كلما زاد دعمنا للعنف، قلّ استقرار الشرق الأوسط".

في نفس السياق، أراد شاب يُدعى بنيامين، 20 عامًا، قضاء الوقت ببساطة مع أطفاله أوز (5 سنوات) وسمادا (8 سنوات)، وهما يمسكان يد بعضهما البعض. وأوضح بنيامين، وهو نادل في مطعم سوشي محلي، أنه على الرغم من إصرار أصدقائه الدائم على اللقاء هنا للدردشة وشرب البيرة، فإنه يفضل الاسترخاء في مكان آخر. هذه كانت المرة الثالثة التي يشاهد فيها غروب الشمس فوق قطاع غزة المدمّر.

وفي تقرير منفصل، رصد مراسل بي بي سي المخضرم جيريمي بوين من تلة في مدينة سديروت، حضور الإسرائيليين لمشاهدة قصف غزة من ما أُطلق عليه "سينما سديروت".


من جهة أخرى، وثّق ناشط على منصة إنستغرام، يُدعى مات واتر، زيارته إلى "سينما سديروت" في 1 أغسطس 2025، ونشر فيديوهات وصورًا تعكس مشاهد القصف من الموقع. وكتب في منشوره: "زرت اليوم نقطة مراقبة على أطراف غزة، تُعرف أحيانًا باسم 'سينما سديروت'، حيث يحضر الإسرائيليون الفشار لمشاهدة قصف غزة من مدينة سديروت. مقابل 5 شواقل (1.50 دولار)، يمكن استخدام المنظار لرؤية الأنقاض التي تخيّم على مدينتي بيت حانون وبيت لاهيا."

وأضاف مات واتر أن ساعة من المشاهدة شهدت دويّ القنابل الأمريكية والتفجيرات المتواصلة، وتوافد على المكان زوار من جنسيات متعددة، بينهم إسرائيليون وأمريكيون وروس، وبعضهم هتف وصفق مع سقوط القنابل، في مشهد يتجاهل المعاناة الحقيقية لملايين الفلسطينيين في القطاع.

وأشار إلى أن ثلاثة أرباع سكان غزة كانوا يسكنون في الأراضي التي بُنيت عليها سديروت قبل تطهيرها عرقيًا عام 1948، مؤكّدًا أن الإبادة الجماعية في غزة مستمرة وحقيقية.