صحافة دولية

NYT: الشرع يكتب الفصل الأغرب في تاريخ سوريا.. من جهادي إلى الأمم المتحدة

الشرع أول زعيم سوري يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 58 عاما - الأناضول
يصعد الرئيس السوري أحمد الشرع إلى منصة الأمم المتحدة، ليصبح أول زعيم سوري يلقي كلمة أمام الجمعية العامة منذ 58 عامًا، في تحول يثير الجدل حول مسيرته المعقدة من مقاتل جهادي إلى رئيس دولة.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا  عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووجوهه المتعددة من جهادي إلى ثائر ثم رجل دولة.

وقال إن الشرع سيكون هذا الأسبوع أول رئيس سوري يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 58 عاما.

وقد التقى معد التقرير مع الشرع مرتين وقابل 70 شخصا عرفوه أو تابعوا مسيرته. وبدأ قائلا: " عندما التقى دبلوماسي أمريكي مخضرم قائدا للمتمردين السوريين عام 2023، دار بينهما حديث ودي مفاجئ عن حياتهما في صفوف الأعداء خلال حربين في الشرق الأوسط. وتذكر القائد، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، عندما كان جهاديا شابا يطلق النار على المنازل المتنقلة في بغداد حيث كان الدبلوماسي يعيش بعد الغزو الأمريكي للعراق  عام 2003".

وروى الدبلوماسي، روبرت س. فورد، أنه في عام 2012،  أغلق بصفته سفيرا لدى سوريا خلال الحرب الأهلية، السفارة الأمريكية خوفا من أن يقصفها فصيل القاعدة الذي ينتمي إليه القائد. ثم تحدث قائد المتمردين السوريين عما تصوره كخطوته التالية، وهي الاستيلاء على العاصمة وحكم سوريا، وهو احتمال بدا خياليا في ذلك الوقت، كما قال فورد" لصحيفة "نيويورك تايمز". وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فعل القائد ذلك بالضبط. فقد قاد حملة عسكرية أدت للإطاحة بنظام بشار الأسد الذي حكمت عائلته سوريا أكثر من نصف قرن، وبعهدها استبدل زيه العسكرية ببدلة رسمية وتخلى عن اسمه الحركي وعاد لاسمه أحمد الشرع.

ومن المتوقع أن يصبح الشرع الأربعاء أول زعيم سوري يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 58 عاما، وهو تحول مذهل لرجل لا يزال مصنفا رسميا كإرهابي من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة.


وقال فورد: "مع مرور الوقت، نرى أن الشرع ليس جهاديا إسلاميا متشددا يحاول الظهور بمظهر براغماتي، بل استبداديا يسعى إلى إقامة حكومة مستقرة. إنه يسعى إلى السلطة".

ويقول معد التقرير، بن هبارد، إن المقابلات مع أكثر من 70 شخصا تابعوا الشرع أو تفاعلوا معه خلال صعوده، رسمت صورة لشخص ذكي وطموح ومتحول، استخدم الدهاء والسحر والدبلوماسية والقسوة للبقاء على قيد الحياة في بعض أخطر بقاع الشرق الأوسط. وفي وقت مبكر، تحالف مع الجهاديين أثناء قتاله الولايات المتحدة في العراق. وعاد لاحقا إلى وطنه وأسس الفرع السوري لتنظيم القاعدة.

ومع مرور السنين، أعاد تقديم نفسه كقائد متمرد معتدل لتوسيع نطاق جاذبيته. ويعلق بن هبارد أن تحولاته العديدة، أثارت تساؤلات حول معتقداته الحقيقية وكيف ينوي قيادة بلد خرج للتو من أنقاض حرب أهلية دامت 13 عاما، ولا سيما وأن مستقبل سوريا قد يكون حاسما في استقرار منطقة مضطربة.

وقد حظي بدعم الولايات المتحدة وقوى أخرى وسعى إلى علاقات سلمية مع جيرانه، بما في ذلك إسرائيل ودعا إلى المصالحة بين السوريين. لكن العنف الطائفي الأخير أثر على سمعته وقتل. الآلاف في هجمات تقول منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة إن قواته الأمنية شاركت فيها. كما ركز السلطة في يديه وفي أيدي نوابه الموالين، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان يريد حقا تشكيل حكومة تمثل جميع الأقليات السورية المتنوعة أم أنه ينوي أن يصبح رجلا قويا جديدا. وفي حديث مع مجموعة صغيرة من الصحافيين، بمن فيهم مراسلو صحيفة "نيويورك تايمز" خلال اجتماع في دمشق الأسبوع الماضي أن ماضيه - بغض النظر عما قيل عنه، قد هيأه لفعل ما لم يستطع أحد غيره فعله: إسقاط نظام الأسد. وتساءل قائلا أن "من حكم علينا بناء على ماضينا، هل كان مخطئًا؟ أم كنا نحن؟".

وأشار بن هبارد إلى الشرع المولود في السعودية عام 1982، لعائلة سورية من الطبقة المتوسطة، عادت إلى دمشق، العاصمة، عندما كان طفلا. وكان والده خبيرا اقتصاديا، ووالدته معلمة. وكانت العائلة تناقش السياسة في المنزل، لكن لم يكن لديها تاريخ في التطرف الإسلامي. ويتذكره الجيران بأنه كان خجولا وشغوفا بالقراءة. في سنوات مراهقته، بدأت تظهر عليه ملامح التدين المتزايد، كما تقول مايا عظيم، إحدى جاراته. وعندما بلغ العشرين من عمره، توقف الجيران عن رؤيته. وقالت عظيم: "اختفى فجأة. حتى والدته لم تكن تعلم إن كان حيا أم ميتا".

وكان قد تسلل عبر الحدود إلى العراق قبيل الغزو الأمريكي عام 2002. وانضم إلى المتمردين الذين شكلوا فيما بعد نواة تنظيم القاعدة في العراق، لكن لا يوجد ما يشير إلى مشاركته في قتال كبير. ونقل بن هبارد عن مسؤول أمني عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته قوله إن الشرع أخبره قبل فترة أن القوات الأمريكية اعتقلته عام 2005 خلال مهمته الأولى لزرع قنابل على جانب الطريق تستهدف القوات الأمريكية.

واحتجز الشاب في مدينة الموصل الشمالية مع متمردين آخرين مشتبه بهم، وفقا لمزاحم الحويت، وهو زعيم عشائري عراقي كان صديقا له في السجن. يتذكر الحويت سجينا هادئا قدم نفسه بأنه طالب عراقي يدعى أمجد مظفر، وكان يتحدث العربية بلكنة عراقية مقنعة. ومنذ ذلك الحين، قال الحويت إنه كاد أن ينسى أمر السجين الهادئ حتى ظهر على شاشة التلفزيون العام الماضي كزعيم جديد لسوريا. قال السيد الحويت، الذي بدا عليه الحيرة: "الآن أمجد مظفر، الذي كان محتجزا معي في الموصل، هو رئيس سوريا".

وكان تحول الشرع من دمشقي من الطبقة المتوسطة إلى جهادي في العراق هو الأول من بين العديد من المظاهر، وقد نجح في خداع العديد من الأشخاص الآخرين خلال السنوات الست التي قضاها في السجون في العراق. لم تدرك السلطات الأمريكية والعراقية قط أنه سوري، وفقا للسجلات العراقية ووزير العدل العراقي آنذاك، حسن الشمري.

في عام 2011، قال الشمري إن العراقيين راجعوا احتجازه ولم يجدوا أي تهم ضد أي شخص يحمل اسمه المستعار. لذا أطلق سراحه في 13 آذار/مارس 2011. وبعد أيام، اندلعت احتجاجات مناهضة للحكومة في سوريا، مستلهمة من انتفاضات الربيع العربي، وكانت الشرارة الأولى للحرب الأهلية التي أعادت الشرع إلى وطنه.

في نهاية عام 2011 تسلل الشرع وبعض رفاقه إلى سوريا لدمج جماعة جهادية جديدة في الحرب الأهلية المتسارعة.

وقبل مغادرته العراق، التقى بأبي بكر البغدادي، الذي عرفه من السجن وأصبح زعيم تنظيم القاعدة في العراق. قال  الشرع إن العراقي أعطاه حوالي 50,000 دولارا لتوسيع نطاق القاعدة في سوريا.

أعلنت جماعته الجديدة، جبهة النصرة، عن وجودها في أوائل عام 2012 بإرسال انتحاريين لمهاجمة أفراد الأمن في أكبر مدن سوريا، مما أسفر عن مقتل المئات. وفي رسالة عبر الإنترنت أعلن فيها مسؤوليته عن هجومين كبيرين، ووعد الشرع بالمزيد. وقال، مستخدما اسمه الحركي الجديد، أبو محمد الجولاني: "لن يتوقف هذا النظام إلا بقدرة الله وقوة السلاح". ولم يكن أحد تقريبا يعرف هويته الحقيقية. في ذلك الوقت، اعتبر معظم الثوار السوريين معركتهم بأنها ثورة ضد دكيتاتورية وحشية. إلا أن جبهة النصرة أدخلت الجهاد العنيف وسعت لتقديم مبرر ديني له.

ثم ظهر خلاف مع راعيه العراقي الذي أنشأ، عام 2013، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ورفض الشرع دمج جبهة النصرة فيه. وبدأ تنظيم الدولة الإسلامية ما اعتبره أبعد من حدود العراق وسوريا وشن هجمات في باريس والقاهرة وأماكن أخرى.

بايع الشرع أيمن الظواهري، الزعيم العالمي لتنظيم القاعدة، على الرغم من أن جبهة النصرة أبقت معركتها داخل سوريا .وقال في أول مقابلة تلفزيونية له مع قناة الجزيرة عام 2013، بينما كان وجهه وهويته الحقيقية سرية: "لا نسعى لحكم البلاد" و "نسعى أن يحكم شرع الله البلاد".

وتمركزت قواته في محافظة إدلب، وهي منطقة فقيرة في شمال غرب سوريا. قضت على فصائل متمردة أخرى هناك، بما في ذلك بعض الفصائل التي دعمتها واشنطن. واتهمتهم جماعات حقوقية ونشطاء سوريون بقتل واحتجاز منتقديهم، وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت أنهم يعدمون نساء اتهمهن بالدعارة. كانوا صارمين مع الأقليات الدينية، التي اعتبروا معتقداتها هرطقة. ومنعوا مسيحيي إدلب من رفع الصلبان أو قرع أجراس الكنائس، واستولوا هم ومتمردون آخرون على منازل ومزارع مسيحية. وقال حنا جلوف، وهو قس كاثوليكي روماني في إدلب آنذاك، إن جبهة النصرة اختطفته عام 2015 لمدة 20 يوما. ولم يطلق سراحه إلا بعد احتجاج دولي

ويتذكر جلوف قائلا: "لقد أخذوا كل شيء، لم تكن لديك حقوق، لم تكن لديك قيمة كإنسان". بعد عامين، استقبل الأب جلوف شيخين مسلمين في إدلب، أعربا عن رغبتهما في المصالحة مع المسيحيين المحليين. وقالا إن الشرع هو من أرسلهما. أراهما الكاهن الممتلكات المصادرة، وبدأ المقاتلون في إعادتها إلى أصحابها. وفي عام 2022، اعتذر الشرع للكاهن وللمسيحيين الآخرين، معربا عن أمله في طي صفحة الماضي، كما قال الأب جلوف، الذي يشغل الآن منصب مطران حلب.

وقد أعيدت الكثير من ممتلكات المسيحيين منذ ذلك الحين. وقال: "هذا الرجل جدير بالثقة، إذا وعد بشيء، نفذه".

وكانت مصالحة الشرع مع مسيحيي إدلب جزءا من تحول أوسع نطاقا عن التطرف.  فقد توقفت جماعته عن تنفيذ التفجيرات الانتحارية وأعادت صياغة معركتها ضد الديكتاتورية بعبارات أكثر وطنية.

وكانت تركيا، التي انخرطت معه في بداية الحرب، هي من حثت الشرع على السير في هذا المسار، وفقا لستة مسؤولين وآخرين مطلعين على الأمر.

وكانت حرب سوريا بمثابة كابوس لتركيا، إذ دفعت ملايين اللاجئين إلى أراضيها، وأوجدت ملاذا آمنا عبر حدودها الجنوبية للجهاديين، بمن فيهم جبهة النصرة.

بحلول عام 2013، أقام ضباط المخابرات التركية علاقات مع الشرع، وفقا لمسؤولين مطلعين على الأمر.

في عام 2016 ظهر الشرع علنا في مقطع فيديو معلنا أن جماعته لم تعد مرتبطة بتنظيم القاعدة. وفي العام التالي، أسس هيئة تحرير الشام، الجماعة الرئيسية التي أطاحت بالأسد، والتي تشكل الآن نواة الأجهزة الأمنية السورية.

مع تقدم القوات الحكومية، كان الأسد يرسل المتمردين الذين هزموا في أجزاء أخرى من البلاد إلى إدلب، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المحافظة. وقال مسؤولون إن تركيا كانت قلقة من الوضع المتردي  مما سيدفع المزيد من اللاجئين إلى أراضيها.

ولتحقيق الاستقرار في المنطقة، سعت تركيا إلى شريك سوري، وبدا الشرع الأقدر، وفقا لخمسة أشخاص مطلعين على الأمر. لذا، زادت المخابرات التركية دعمها له وشجعته على الابتعاد عن التطرف.

ومع مرور الوقت، استخدم الشرع نفوذه المتنامي في إدلب لمحاربة المتطرفين أو كبحهم، بينما قدمت هيئات في جماعته معلومات ساعدت وكالات الاستخبارات الأجنبية على  ملاحقة تنظيمي القاعدة وتنظيم الدولة، وفقا لمسؤولين حاليين وسابقين.

كما استغل هدنة عام 2020 تقريبا لإنشاء إدارة مدنية، والسعي إلى محادثات مع الحكومات الغربية. ولم يرغب أي منها في التحدث مباشرة، لأنهم ما زالوا يعتبرونه إرهابيا. لذا، اتخذ مسارا آخر، بدعوة باحثين وخبراء في حل النزاعات إلى إدلب لمعرفة كيف تغير هو ومقاتلوه، ولاستكشاف كيفية التخلص من تصنيفهم الإرهابي.

أرادوا أن يعلم الأمريكيون أنهم لم يعودوا يشكلون تهديدا، وأنهم قادرون على أن يكونوا طرفا محاورا مفيدا، كما قالت دارين خليفة، المستشارة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية، والتي التقت مع الشرع خلال تلك الفترة. وفتحت تلك الجهود قنوات اتصال جديدة.

والتقى جوناثان باول، مستشار الأمن القومي البريطاني الحالي، بالشرع. ونظمت مجموعة أسسها باول، تدعى "إنتر- ميدييت"، رحلة  فورد إلى سوريا عام 2023، والتي فوجئ خلالها بثقة الشرع في وصول قواته إلى العاصمة. وقال فورد: "لقد فكرت للتو، حسنا، لن يصل أبدا إلى دمشق. لكن من المثير للاهتمام أن حتى الجهاديين الشباب قد يخففون من حماسهم مع تقدمهم في السن".

وبعد أسابيع قليلة من وصول الثوار إلى دمشق، زار الشرع، أحد معارفه القدامى، فقد عاش عزت الشابندر، السياسي العراقي، في دمشق في ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، وكان ابنه صديق طفولة للشرع.

قال الشابندر إنه عندما التقيا مجددا العام الماضي، استذكر الشرع حياته. وأقر الشرع بأنه كان أكثر تطرفا في صغره، لكنه قال إن تجاربه جعلته أكثر اعتدالا، كما يتذكر الشابندر.

أما الآن، فهو يقول إنه يجب أن يكون "إسلاميا واقعيا" ليقود سوريا بأكملها. ويعتقد الشابندر أن الشرع يريد بناء دولة مدنية، لكن عليه أن يمضي قدما تدريجيا خشية أن يثير غضب المقاتلين الأكثر تطرفا في صفوفه والذين ساندوه طوال الحرب الأهلية. وبينما يصعد الشرع إلى منصة الأمم المتحدة لعرض رؤيته لسوريا، يحاول قادة آخرون فهم تحوله الأخير. وبعد لقائه بالشرع في أيار/مايو، أعرب ترامب عن ثقته به وأعلن رفع العقوبات الأمريكية. لكن موجات العنف الطائفي في سوريا زادت من الشكوك حول قدرة الشرع على كبح جماح أتباعه الأكثر تطرفا. كما أنها تصعب إخضاع المناطق الكبيرة التي تُديرها الأقليات لسلطته.

ويقول الشابندر إن التحدي الأكبر الذي يواجه الشرع هو منع نشوب حرب أهلية جديدة. وأضاف أنه حذر الشرع من المتطرفين في قواته الأمنية وأنهم قد يضعفونه.