ملفات وتقارير

الوضع الاقتصادي اليمني يتعقد بطباعة عملة جديدة.. ما هي مآلات الخطوة؟

أزمة اقتصادية خانقة تترافق مع انهيار في العملة اليمنية- إكس
يزداد الوضع الاقتصادي في اليمن تعقيدا وقتامة بشكل أكثر من ذي قبل، مع إعلان جماعة "أنصار الله" الحوثي طرح الإصدار الثاني من الورقة النقدية فئة 200 ريال للتداول ، بعد أيام من إصدار عُملة معدنية جديدة فئة 50 ريالا، ورفض الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليا) الإجراء الذي اعتبرته "فعلا تدميريا وعبثيا".

الخطوة تفتح الباب واسعا أمام تساؤلات عدة عن أبعاد هذا الإجراء وعن ما خيارات الحكومة الشرعية في التعامل والتعاطي مع هذه الإجراءات التي تعمق الانقسام النقدي وسط حالة انهيار غير مسبوقة في قيمة العملة المحلية في مناطق سيطرتها.

وكانت جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات وسط وشمال البلاد، قد أعلنت منتصف يوليو/ تموز الجاري، إصدار عملة معدنية جديدة فئة 50 ريالا (20 سنتا تقريبا)، وفق بيان للبنك المركزي اليمني التابع للجماعة.

 وبعد أيام، أعلنت الجماعة عبر البنك المركزي في صنعاء عن "طرح الإصدار الثاني من الورقة النقدية 200 ريال للتداول ليكون بديلا عن ورقة 250 و200 ريال".

وقبل ذلك بعام، سبق للجماعة أن أعلنت صك عملة معدنية من فئة 100 ريال، في خطوة قوبلت برفض حكومي واستنكار البعثات الأوروبية في اليمن.

وفي بيان صادر عن البنك المركزي اليمني في عدن المعترف به دوليا، إن الميليشيات الحوثية تمعن في تدمير أهم أُسس النظام المالي والاقتصادي اليمني، من خلال طباعة عملة ورقية مزوّرة بتوقيع منتحلة صفة غير قانونية، مصنّف ضمن قوائم الإرهاب، وإنزالها للتداول عبر فرع البنك المركزي المُستولى عليه من قِبلها في العاصمة المحتلة صنعاء".

وحمل البنك الحوثيين كافة التبِعات على هذه الأفعال المجرمة قانونا، وكل ما يترتب عليها من عواقب مالية وقانونية، دولية أو محلية، وما يلحق من أضرار جسيمة بالحقوق العامة والخاصة، وما سيترتب عليها من معاناة تلحق بالمواطنين القاطنين في مناطق سيطرتها، وبتواصلهم وتعاملهم مع النظام المالي الإقليمي والدولي.

بينما بررت الجماعة إعلانها صك عملة معدنية جديدة، "إجراء مدروسا ومسؤولا، لتكون بديلا للأوراق النقدية التالفة من الفئة نفسها".

وقالت في بيان للبنك المركزي بصنعاء، أن ذلك "يأتي في إطار إيجاد حلول لمشكلة الأوراق النقدية التالفة، وتعزيز جودة النقد الوطني المتداول".

وزعمت أن تلك الإجراءات "لن يترتب عليها أي زيادة في الكتلة النقدية أو أي تأثير على أسعار الصرف".
"تبعات خطيرة"


وفي السياق، قال المحلل والخبير الاقتصادي اليمني، محمد الجماعي  إن طباعة عملة غير قانونية في صنعاء من قبل الحوثيين تمثل كارثة اقتصادية وطنية خطيرة، ولها تبعات مباشرة وبعيدة المدى على الاقتصاد اليمني وعلى حياة المواطنين في مناطق سيطرتهم.

وأضاف الجماعي في حديث لـ"عربي21" أنه إلى جانب كونها جريمة قانونية، وإجراء استعراضي لا جدوى متوقعة منه، فإن خطورتها تتعدى ارتفاع معدلات التضخم وانهيار القوة الشرائية؛ إلى ما يمكن تأكيده كمسار حوثي منظم لتأسيس اقتصاد موازي لا يتوقف عند ورقة 200 بل يتجاوزه إلى الفئات الأكبر التي تحدث أثرا أكبر في حجم المعروض النقدي، هذا اذا لم يكن الحوثيون قد فعلوها من قبل.

وتابع بأنهم طالما استطاعوا طباعة هذه الفئة؛ فلا يستبعد أن إغراق أسواق الشرعية بالطبعات المزورة يندرج ضمن حدود إمكانياتهم للطباعة والتزوير.

وأشار الخبير الاقتصادي اليمني إلى أن هناك خشية من أن هدف الحوثيين من طباعة عملات غير قانونية، هو "ابتلاع ما تبقى من عملات صعبة في الأسواق ومن مدخرات المواطنين خاصة أسر المغتربين اليمنيين الذين تشكل حوالاتهم أكبر مصدر للنقد الأجنبي في اليمن حاليا"،  مؤكدا أن تحويلات المغتربين اليمنيين أكبر من واردات النفط الخام ثلاث أو أربع مرات (305 مليار دولار في 2016 إحصائية رسمية للأمم المتحدة, وتصل إلى ٧ مليارات في الأعوام التي بعدها حسب تصريح لنائب وزير المغتربين في حوار مع إذاعة الاتحادية المحلية.

وبحسب الجماعي فإن لطباعة عملة مزورة سيناريوهات انفصالية بلا عودة، تقسيم لليمن بشكل عملي، ما لم تتحرك السلطة الشرعية وحلفاؤها بحزم في هذا الملف المحوري، فحتى لو كان التزوير في مناطق سيطرة الحوثي إلا أن حماية العملة الوطنية مهمة الحكومة الشرعية وواجبها، محذرا من أن هذا الإجراء غير القانوني سيحدث  فوضى في التعاملات المالية بين المناطق المحررة وغير المحررة، ويربك التجار والمواطنين وحتى المنظمات، وهو حاصل فعلا اليوم.

وأوضح أن المواطنين سيفقدون الثقة في الريال اليمني، ما يدفعهم للادخار أو التعامل بالريال السعودي أو الدولار، متابعا القول : "وهذا يعمّق انهيار النظام المصرفي ويعزز اقتصاد السوق السوداء الذي دأبت عليه الجماعة منذ أول يوم".

وأردف : "وما حدث لا يمكن وصفه سوى أنه محاولة لصبغ السوداء للعملة بصبغة قانونية تحت لافتة تحسين جودة العملة التالفة".

وقال الخبير الجماعي في ختام حديثه أن الخطوة الحوثية ستتسبب "في رفع مخاطر القطاع المصرفي وتعزيز مخاوفه وبالتالي صعوبة الرقابة على العمليات المصرفية كالتمويلات والحوالات، ويقوي شبكات الحوثي المالية غير الرسمية".

تصعيد وخلق سوق مواز
من جانبه، قال الخبير المالي والمصرفي، وحيد الفودعي، إن إقدام جماعة الحوثي على إصدار عملة معدنية جديدة وطرح إصدار ثانٍ من ورقة الـ200 ريال هو تصعيد خطير يعمّق الانقسام النقدي ويُربك النظام المالي الهش أصلًا.

وتابع الفودعي حديثه لـ"عربي21" بأن اقتصاديًا، تخلق هذه الخطوة سوقًا نقدية موازية وتزيد من خطر التضخم والانكماش معًا، وتؤسس لفقدان كامل للثقة بالريال اليمني كعملة موحدة.
أما  سياسيًا، وفقا للخبير المالي اليمني فإنها" تُعد محاولة لفرض أمر واقع وإضفاء شرعية زائفة على سلطة غير معترف بها، عبر أدوات الاقتصاد لا السلاح فقط".

وبشأن خيارات الحكومة المعترف بها في التعامل مع هذا المعطى الجديد، فأكد الفودعي على أن خياراتها تضيق ما لم تنتقل من التحذير إلى الفعل، من خلال قرارات حازمة تشمل: "منع التداول، فرض عقوبات على المتعاملين، تفعيل أدوات الرقابة المصرفية، ومخاطبة المجتمع الدولي باعتبار ما يحدث تزويرًا نقديًا من جهة مصنفة إرهابية"، وفق تعبيره.

بدوره، اعتبر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن هذه الخطوة "تعد خرقا للتفاهمات التي تم التوصل إليها بين الأطراف في 23 يوليو 2024 بشأن التهدئة في المجال الاقتصادي".

وفي تموز/ يوليو من العام 2024، كان أعلن غروندبرغ قد أعلن عن اتفاق الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي على "عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي، عقب إجراءات متبادلة بين الطرفين حينها".

وقد نص الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة على "إلغاء القرارات والإجراءات ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة".

وعقب الاتفاق تراجعت الحكومة اليمنية عن قرارها بشأن وقف التعامل مع ستة بنوك ومصارف تجارية رئيسية مقارها الرئيسية في صنعاء، فيما استمر الحوثيون في تداول العملة المعدنية من فئة (100 ريال) في مناطق سيطرتهم حتى اليوم.

وبدأ الانقسام النقدي بين الحكومة اليمنية المعترف بها وجماعة الحوثي في ديسمبر/كانون الأول 2019، إثر إصدار الأخيرة قرارا يمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية التي طبعتها الحكومة.

وأحدث قرار "الحوثي" فجوة وفارق في سعر العملة القديمة ونظيرتها الجديدة، وبات سعر الريال اليمني مختلفا بين مناطق نفوذ الحكومة وتلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.