أثارت الأنباء المتداولة عن زيارة يقوم
بها مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية والشرق الأوسط، مسعد بولس إلى
ليبيا
بعض التساؤلات عن رسائل واشنطن من هذه الخطوة، وعلاقتها بما تردد عن إعلان خارطة
طريق أممية برعاية ودعم أمريكي، وكذلك نية واشنطن توطين فلسطينيين في بعض الدول
ومنها ليبيا.
ومن المقرر أن يبدأ بولس زيارته إلى
دولة ليبيا يوم الأربعاء المقبل بالوصول إلى العاصمة طرابلس للقاء بعض المسؤولين
هناك على رأسهم رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد
الدبيبة وبعض المسؤولين الآخرين ومنهم عسكريين.
كما أنه من المقرر أن يزور المسؤول الأمريكي
مدينة بنغازي "شرق ليبيا" للقاء رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح
وكذلك قائد القيادة العامة هناك خليفة حفتر، لبحث آخر تطورات المشهد في ليبيا
وضرورة التعاطي مع الجهود الأممية.
ووفق مراقبين، فإنّ زيارة بولس تحمل
محاور عدة، منها دعم خطة البعثة الأممية في ليبيا وخارطة الطريق المرتقبة منها،
وضمان استمرار اتفاق وقف إطلاق النار سواء بين الشرق والغرب أو هدنة طرابلس، لمنع
عودة الاشتباكات، وكذلك حث الأطراف الليبية إلى ضرورة تسريع وتيرة التوافق من أجل
إنجاز عملية انتخابية قريبا.
أما عن رسائل الزيارة، بحسب المراقبين،
فإنها تتلخص في إظهار اهتمام واشنطن بالملف الليبي وربما السيطرة عليه تماما
وتسييره حسب رؤية الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ومنع تفرد لاعبين آخرين
بالملف خاصة روسيا وأوروبا.
وتأتي هذه الزيارة وسط توارد أنباء
وتقارير عن وجود مقترح من حكومة نتنياهو مقدم لواشنطن بخصوص إعادة توطين فلسطينيين
من
غزة داخل بعض الدول الإفريقية ومنها ليبيا، وهو ما لم تنفه أي حكومة ليبية حتى
كتابة هذا التقرير.
والسؤال: ما رسائل وأهداف واشنطن من
وراء زيارة بولس إلى ليبيا شرقا وغربا الآن؟ وما علاقة ذلك بالتوطين وخارطة الطريق
الأممية؟
من جهته، قال عضو مجلس النواب الليبي،
صالح فحيمة إن "زيارة بولس إلى ليبيا في هذا التوقيت تحمل دلالات لا يمكن
إغفالها ومضامين تتجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد إذ أن تحركًا بهذا المستوى وفي
هذه المرحلة الدقيقة يؤشر إلى دخول مباشر للولايات المتحدة على خط الترتيبات
الليبية وهو ما يعكس رغبة واضحة في استعادة زمام المبادرة الأمريكية داخل المشهد
الليبي بعد فترة من التراجع والانكفاء".
تشمل طرابلس وبنغازي
وأكد في تصريحات لـ"
عربي21"
أن "اللافت في هذه الزيارة أنها تشمل طرابلس وبنغازي وهو ما يعكس نية أمريكية
لمخاطبة الأطراف كافة دون انحياز ظاهري وهي رسالة بحد ذاتها بأن واشنطن بصدد بناء
توازن نفوذ جديد داخل ليبيا وفق أولوياتها وبما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية
والسياسية في المنطقة"، وفق تقديره.
وأشار البرلماني الليبي إلى أنه
"لا يمكن هنا أن نفصل هذا الحراك عن ما تداولته بعض الصحف الدولية بشأن مقترح
من قبل حكومة الاحتلال يتعلق بتوطين فلسطينيين في ليبيا وهو طرح مرفوض جملة
وتفصيلًا ويمثل مساسًا مباشرًا بهوية ليبيا الوطنية وموقعها من القضية الفلسطينية
وأية مؤشرات في هذا الاتجاه ستقابل بموقف وطني موحد يرفض أي محاولة لاستخدام ليبيا
كمساحة لتصفية حسابات جيوسياسية أو تسويات ديموغرافية".
وحول علاقة الزيارة بالبعثة الأممية
وخارطة الطريق المرتقبة، قال فحيمة: "الزيارة تأتي في ظل تعثر المسار الأممي
وتراجع فاعلية بعثة الأمم المتحدة في إدارة الملف الليبي الأمر الذي قد يفسر
كمحاولة أمريكية لملء الفراغ السياسي والدبلوماسي وفرض خطوط تحرك بديلة سواء
بالتنسيق مع بعض الأطراف المحلية أو عبر إعادة تدوير بعض الشخصيات والمبادرات وهو
تطور يجب التعامل معه بيقظة ومسؤولية"، وفق تعبيره.
وأضاف: "ليبيا ليست فراغًا سياسيًا
وليست ساحة متروكة للتجريب وكل مبادرة لا تنطلق من احترام السيادة الوطنية وحق
الليبيين في تقرير مصيرهم مآلها الفشل مهما كانت الجهة التي تقف وراءها وأؤكد هنا
أن الشعب الليبي بوعيه وتاريخه قادر على التمييز بين من يسعى لدعم الاستقرار ومن
يحاول توظيف الأزمة لتحقيق أجندات تتجاوز الحدود الليبية"، كما رأى.
في حين، قال المتحدث السابق باسم رئيس
المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، محمد السلاك إن "الخطوة تحمل دلالات
مهمة من حيث توقيتها وطبيعة اللقاءات شرقا وغربا، لكنها لا تعني بالضرورة أن
واشنطن سيطرت على الملف الليبي، بل ربما توحي بمحاولة لاستعادة نفوذها وتحقيق
اختراق سياسي في لحظة جمود إقليمي ودولي يخدم مصالحها الاستراتيجية بالدرجة الأولى".
وأوضح في تصريحه لـ"
عربي21"
أنه "فيما يتعلق بتوطين فلسطينيين في ليبيا فهو خطير للغاية ويستدعي توضيحا
أميركيا مباشرا وإن لم تكن الزيارة مرتبطة رسميا بهذا الطرح فإن تزامنها قد يثير
الريبة، خاصة في ظل صمت واشنطن تجاه التقارير المتداولة"، حسب كلامه.
رسائل متعددة
ورأى أن "زيارة لمسؤول بهذا المستوي
من إدارة ترامب قد تنطوي بالفعل على رسائل متعددة على المستوى السياسي والأمني
والدولي يأتي في مقدمتها أن الإدارة الأمريكية مازالت حاضرة في المشهد الليبي
وربما لديها مقاربة ما قد تدفع بها وتود مناقشتها مباشرة مع الأطراف الليبية
الفاعلة شرقا وغربا، وبالرغم من الدعم الظاهر والعلني للبعثة الأممية إلا أن هذا
لا يعني بأن الخطة الأمريكية "إن وجدت" تتماهى مع المسار الأممي بقدر ما
تدعم منظومة المصالح الأمريكية في ليبيا ولا سيما في محيطها الإقليمي والدولي فهذا
هو نهج إدارة ترامب في كل الملفات "لا شئ يمنح مجانا دون مقابل"، كما
صرح.
المحلل السياسي الليبي، السنوسي إسماعيل
الشريف قال من جانبه إن "أميركا تلعب دورا غير أساسي في ليبيا لحساب دول أخرى
بعضها حليف لها وبعضها منافس استراتيجي، لكن الدور الأمريكي برغم أنه غير مستمر
طوال الـ14 الماضية لكنه مع غموض دوافعه وأهدافه أحياناً إلا أنه على كل حال مؤثر
إما سلبا بعرقلة الحل السياسي مباشرة أو بالوكالة أو إيجاباً بالدفع بالتوافقات
الليبية نحو تنفيذها ودعم البعثة لتسهيلها والإشراف عليها".
واستدرك قائلا: "لكن مع ظروف ليبيا
الحالية ومع تعاظم النفوذين الروسي والصيني في القارة الأفريقية بكاملها وتزايد
طموحات القوى الإقليمية والمحلية فإن دور واشنطن في العملية السياسية الليبية، على
أهميته، لن يكون حاسما كما يبسط البعض المسائل ويضخم زيارة مستشار ترامب
الاستطلاعية للدولة الليبية المنقسمة على المستوى الحكومي والمؤسساتي"، وفق
كلامه لـ"عربي21".