في وقتٍ تتصاعد فيه الانتهاكات داخل السجون
المصرية، وتتصاعد فيه التحذيرات الحقوقية من كارثة إنسانية قد تكون وشيكة، يشهد سجن "بدر 3" إضراباً مفتوحاً عن الطعام يخوضه عشرات السجناء السياسيين احتجاجاً على ظروف احتجاز تصفها المنظمات الحقوقية بـ"القاتلة".
ومن بين هؤلاء، يبرز اسم القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، والمعتقل منذ أكثر من عقد في عزلةٍ تامة وظروفٍ صحية بالغة السوء، محمد
البلتاجي.
في هذا السياق، يفتح "عربي21" نافذةً على الواقع المظلم خلف جدران الزنازين، عبر حوار خاص مع سناء عبد الجواد، زوجة الدكتور البلتاجي ووالدة المعتقل أنس البلتاجي، التي تكشف لنا عن تفاصيل صادمة، بخصوص تدهور صحة زوجها بعد دخوله في إضراب كامل، ومعاناة المعتقلين في ظل سياسة الإهمال الطبي والعزل المطول، في ما وصفته بـ"الموت البطيء المنهجي".
في هذا الحوار، نناقش معها دوافع الإضراب، ومطالب المعتقلين، ورسائلها إلى السلطات المصرية والمنظمات الدولية، في محاولة لكسر جدار الصمت المفروض على واحدة من أسوأ أزمات حقوق الإنسان في مصر المعاصرة.
تاليا نص الحوار:
هل كنتِ على علم مسبق بإضراب الدكتور البلتاجي عن الطعام، وكيف تلقيتِ نبأ نقله إلى مستشفى السجن مؤخرا؟
في الحقيقة، لم أعلم بإضراب الدكتور البلتاجي عن الطعام إلا قبل أيام قليلة، وذلك حينما وصلتنا معلومات عن تدهور حالته الصحية ونقله إلى مستشفى السجن. لاحقا، علمنا أن الإضراب بدأ في 20 من الشهر الماضي، وكان في بدايته إضرابا جزئيا بمشاركة عدد من المعتقلين، ثم تطور إلى إضراب كامل بعد تجاهل إدارة السجن لمطالبهم المشروعة.
هل يمكنكِ أن توضحي الظروف التي يعيشها الدكتور البلتاجي داخل محبسه، والتي دفعته لخوض هذا الإضراب رغم وضعه الصحي؟
ظروف الدكتور البلتاجي كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. اثنا عشر عاما من الحبس الانفرادي الكامل، داخل زنزانة لا تتجاوز مترين في مترين، دون أي تريّض أو خروج لرؤية الشمس، ولا يُسمح له برؤية أحد، لا أهل ولا محامين. لا علاج، لا دواء، لا طعام صحي. حتى الأطباء أكدوا لنا مرارا أن حالته الصحية لا تحتمل الصيام، فكيف بالإضراب الكامل عن الطعام؟
نقله إلى المستشفى مؤخرا دليل واضح على تدهور حالته الصحية بشكل خطير، لأن إدارة السجن عادة ما ترفض نقل أي معتقل إلا في الحالات القصوى. هذه سياسة قتل بطيء ممنهجة، تمارسها السلطات ضد الشرفاء داخل السجون.
هل ما زلتم ممنوعين من الزيارة٬ وماذا عن التواصل مع المحامين أو المحاكم؟
للأسف، الزيارات شبه معدومة، وإن حدثت، فهي من خلال كابينة زجاجية مغلقة، نتواصل عبر سماعة مراقبة، لا حضن، لا لمسة، لا حتى نظرة مباشرة. حتى المحامين الآن ممنوعون من التواصل المباشر، والمحاكمات كلها تُجرى عبر شاشات داخل السجن، فلا المحامي يرى موكله، ولا المتهم يرى القاضي.
ما أبرز المطالب التي رفعها المضربون عن الطعام داخل سجن بدر 3؟
المطالب بسيطة وإنسانية، لكنها تُقابل بالقمع٬ السماح بالزيارات العائلية بشكل طبيعي الخروج للتريض، لأن البقاء في زنزانة مغلقة لأعوام يؤدي إلى أمراض جسدية ونفسية.
الرعاية الطبية المناسبة، وهي مفقودة تماما٬ وقف الاحتجاز الانفرادي المتواصل٬ وضمان الحق في المحاكمة العادلة، بما في ذلك حضور المحامين بشكل فعلي.
هذه أبسط حقوق الإنسان، لكن ما يحدث هو تجريد ممنهج لهؤلاء المعتقلين من إنسانيتهم وحقوقهم الأساسية.
ما رسالتك للسلطات المصرية، وللمنظمات الدولية، وللرأي العام العربي والعالمي؟
رسالتي للسلطات المصرية٬ كفى ظلما وتنكيلاً بالشرفاء، فقد غيّبتموهم عنا وعن الحياة لـ13 عاما في أقسى ظروف اعتقال، لا يتحملها بشر. نحمّلكم المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة الدكتور محمد البلتاجي، وعن كل المعتقلين المضربين.
وللمنظمات الدولية أقول٬ أين أنتم من هذه الانتهاكات؟ إن سجن بدر قد تحوّل إلى مقبرة حية، والسكوت عار. يجب أن يكون هناك تحقيق دولي عاجل، ومحاسبة للمسؤولين عن هذه الجرائم.
أما للرأي العام، فأقول لا تنسوا هؤلاء الذين يدفعون حياتهم ثمنا لقول كلمة حق. حسبنا الله ونعم الوكيل، ونسأل الله أن ينتقم من الظالمين وينجّي زوجي وكل من معه من بطش هذا النظام.