كشف تقرير جديد صادر، الخميس، عن
منظمة
أوكسفام الدولية أن أغنى 1% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولون عن
26% من إجمالي الانبعاثات الكربونية في عام 2022، في حين لم تتجاوز مساهمة نصف
السكان الأفقر 10% فقط.
ويحمل التقرير الصادر تحت عنوان:
"لسنا جميعا في القارب نفسه: تغيّر المناخ واللامساواة في منطقة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا"، نتائج أبحاث أجرتها أوكسفام بالتعاون مع معهد ستوكهولم
للبيئة، ويسلط الضوء على التفاوت الصارخ في المسؤولية عن أزمة المناخ. إذ أن مَن
يساهمون بأقل قدر في الانبعاثات هم الأكثر تضررا من تداعياتها، حيث يواجهون مخاطر
متزايدة من شح المياه، وانعدام الأمن الغذائي، والنزوح.
وتتفاقم الصورة قتامة حين يتعلق الأمر
بفاحشي الثراء؛ إذ أظهر التقرير أن الشخص المنتمي إلى أغنى 0.1% في المنطقة تسبّب،
في المتوسط، بانبعاثات كربونية تفوق بمقدار 477 مرة ما يصدر عن الشخص من نصف السكان
الأفقر في عام 2022، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات.
وأشار التقرير إلى أن منطقة الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا تحتضن عددا من أغنى أثرياء العالم ممن يعيشون أنماط حياة
مُترفة، بينما تضم في الوقت ذاته بعضا من أفقر المجتمعات، مضيفا: "بينما
يتمتع الملوّثون الكبار بوسائل الحماية من تداعيات الأزمة المناخية، تفتقر
المجتمعات الهشّة إلى الموارد اللازمة للتكيف، فتتحمل العبء الأكبر من موجات الحر
الشديدة، والجفاف، والتصحر، ونقص الغذاء".
ولتسليط الضوء على هذه النتائج وتفكيك خلفياتها السياسية والاقتصادية،
أجرت "عربي21" مقابلة خاصة مع مؤلف التقرير وكبير مستشاري السياسات في أوكسفام،
نبيل عبدو، الذي وصف ما يحدث بـ"تواطؤ اقتصادي يفاقم الدمار المناخي ويعفي مسؤوليه
من المحاسبة".
وأكد أن التقرير الجديد يكشف بوضوح اتساع الفجوة المناخية في منطقة الشرق
الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تتحمّل النخبة الثرية مسؤولية غير متناسبة عن أزمة المناخ،
في حين يدفع الفقراء الثمن.
وأشار عبدو إلى أن الأغنى في المنطقة،
لا سيما أثرى 1%، يتسبّبون في انبعاثات كربونية تفوق بأضعاف ما ينتجه نصف السكان
الأفقر مجتمعين، مما يعمّق من أزمتَي اللامساواة والتغيّر المناخي معا.
وأوضح أن التفاوت في المسؤولية عن
التلوث البيئي يرتبط ارتباطا وثيقا بالنمط الاقتصادي السائد، الذي تَشَكّل عبر
عقود من السياسات التقشفية والنيوليبرالية، وأدى إلى تركز الثروات في أيدي قلة،
بينما حُرمت الغالبية من الاستثمارات العامة الضرورية للتكيّف مع تغيّر المناخ.
ولفت كبير مستشاري السياسات في
أوكسفام، إلى أن "التقرير يُظهِر مفارقات صارخة: ففي حين تُستهلك كميات ضخمة
من المياه لسقي ملاعب الغولف واليخوت الخاصة والطائرات الفاخرة، تبقى ملايين الأسر
في المنطقة محرومة من المياه الصالحة للشرب أو من السكن الآمن".
وتاليا نص المقابلة الخاصة
مع "عربي21":
ما الذي يكشفه تقرير
أوكسفام الجديد بشأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المسؤولية عن الانبعاثات
الكربونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
يكشف التقرير عن اتساع فجوة المسؤولية
المناخية بين الأغنياء والفقراء في المنطقة، حيث تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال
إفريقيا أزمتين متلازمتين: اللامساواة المتصاعدة وتغيّر المناخ. وما يفاقم حدّة
هاتين الأزمتين هو استمرار الحروب التي تمزّق المنطقة، إلى جانب تركة السياسات
الاقتصادية التي عمّقت الفجوة بين الفئات الاجتماعية.
إن الأزمة المناخية المتفاقمة لا
تُغذّيها فقط استهلاكات
الأثرياء وانبعاثات شركاتهم، بل يُسهم في تأجيجها النظام
الاقتصادي السائد، الذي تشكّل على مدى عقود من السياسات التقشفية التي حرمت
الموازنات العامة من الموارد اللازمة لحماية المجتمعات والتخفيف من آثار التغيّر
المناخي.
في ظل هذا الواقع، تُوجَّه الموارد
العامة لسداد الديون، في الوقت الذي تسيطر فيه النخب الثرية على السياسات العامة،
وتُعطّل أي إصلاح ضريبي تصاعدي أو سياسات تعيد توزيع الثروة.
وبينما يسرّع الأثرياء من وتيرة
التدهور المناخي الحاد، فإنهم في الوقت ذاته يحمون أنفسهم من تداعياته، ويتركون
الغالبية لتواجه الأزمة في ظل ضعف الاستثمارات المناخية العامة وتراجع تمويل
الخدمات الأساسية.
في المقابل، تُدفع حلول المناخ إلى
مسار تقني بحت، يُركّز على التكنولوجيا دون المساس بالبُنى الاقتصادية العميقة
التي تواصل تغذية الأزمة. هذه الديناميات ليست محصورة داخل الدول فحسب، بل تنعكس
أيضا على مستوى العلاقة بين دول المنطقة؛ إذ تُعدّ الدول الأغنى التي تعتمد على
اقتصادات قائمة على الوقود الأحفوري من بين المساهمين الأكبر في الانبعاثات.
كيف تتوزع الانبعاثات
الكربونية بين أغنى 1% ونصف السكان الأفقر؟ وما دلالة هذا التفاوت؟
بين عامي 1990 و2022، أطلق أغنى 1% من
السكان ثلاثة أضعاف الانبعاثات مقارنة بنصف السكان الأفقر مجتمعين. وفي عام 2022 تحديدا،
كانت انبعاثات أثرى 0.1% من السكان تعادل 477 ضعف ما يُنتجه نصف السكان الأفقر على
أساس الفرد الواحد. هذا التفاوت يؤكد أن الأغنياء لا يكتفون بتكديس الثروات، بل
يساهمون بشكل كبير في تدمير البيئة، بينما يدفع الفقراء الثمن دون أن يكونوا
مسؤولين عنها.
صحيح أن الأثرياء حول العالم مسؤولون
عن حصة كبيرة من الانبعاثات، لكن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في منطقة الشرق
الأوسط وشمال إفريقيا تفوق نظيراتها في مناطق أخرى؛ ففي عام 2019، كانت انبعاثات
أغنى 10% من سكان المنطقة المرتبطة بالاستهلاك أعلى من مثيلاتها لنفس الشريحة
عالميا؛ إذ شكّلت 64% من إجمالي انبعاثات المنطقة، مقارنة بـ50% عالميا.
أما أغنى 1% في المنطقة، فقد تسبّبوا
بـ25% من انبعاثات الكربون، مقارنةً بـ16% فقط للـ1% الأغنى عالميا، ما يُظهر مدى
التفاوت الحاد في المسؤولية عن التلوث داخل الفئة نفسها.
بماذا يُفسَّر الارتفاع
الحاد في انبعاثات أثرى 0.1%؟ وما تبعاته على العدالة المناخية؟
يرتبط هذا الارتفاع بالاستهلاك الفاخر
للغاية، والاستثمارات الكثيفة الانبعاثات، والثروات المتضخمة الناتجة عن الوقود
الأحفوري. فعلى سبيل المثال، في قطر، ارتفعت ثروات أثرى 0.1% من 952 دولارا للفرد
عام 1990 إلى أكثر من 3700 دولار عام 2019، بينما ظلت ثروة نصف السكان الأفقر عند
صفر تقريبا طوال هذه الفترة. هذه الفجوة تحرم الفقراء من موارد التكيّف المناخي،
وتضع عبء الأزمة على من هم أقل مسؤولية عنها.
ما أوجه المفارقة بين أنماط
الحياة الفاخرة وواقع الفقراء في التكيّف المناخي؟
يوضح التقرير المفارقة الصارخة بين
حياة فاحشي الثراء الذين يسافرون بطائرات خاصة ويقتنون يخوتا ضخمة، وبين ملايين
الفقراء الذين يعانون من نقص المياه والغذاء والسكن الملائم. يُستهلك ما بين 600
مليون إلى مليار متر مكعب من المياه سنويا لسقي ملاعب الغولف في
مصر فقط، وهي كمية
تكفي الحد الأدنى اليومي من المياه لـ54 مليون شخص، بينما تبقى قرى بأكملها محرومة
من مياه الشرب أو الزراعة.
كيف يرتبط التراكم غير
الخاضع للضريبة للثروات بأزمة تغيّر المناخ؟
يشير التقرير إلى أن الثروات الناتجة
عن الوقود الأحفوري تُركز في أيدي النخب، وتُستخدم في أنماط استهلاك واستثمار
ملوثة. ضعف النظم الضريبية العادلة وغياب العدالة المالية يعنيان أن هذه الثروات
لا تُسهم في تمويل جهود المناخ أو تقليل الانبعاثات، بل تُفاقم الأزمة.
كيف تبرز أمثلة الطائرات
واليخوت حجم الانبعاثات الفردية للأثرياء؟ وما دلالات استخدامها؟
يدعو التقرير إلى حظر أو فرض ضرائب
عقابية تتجاوز 90% على الطائرات الخاصة واليخوت، باعتبارها رمزا لاستهلاك غير مبرر
بيئيا. خمسة مليارديرات في المنطقة استخدموا الطائرات الخاصة بمعدلات عالية ساهمت
بانبعاثات تتجاوز استهلاك آلاف الأسر العادية، في تناقض فج مع دعوات العدالة
المناخية.
ما الذي تكشفه أرقام
استهلاك المياه في ملاعب الغولف في مصر؟ وكيف تقارن باحتياجات السكان؟
تُظهر الأرقام أن ملاعب الغولف تحتل
أكثر من 40 ألف فدان وتستهلك كميات ضخمة من المياه تصل إلى مليار متر مكعب من
المياه سنويا، وهي كمية تكفي لتوفير 50 لترا من المياه يوميا لـ54 مليون شخص في
بلد يعاني من أزمة مائية مزمنة. يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه ملايين المصريين
من انقطاع المياه أو عدم توفرها أصلا. هذه المفارقة تعكس اختلالا بيئيا واجتماعيا
عميقا في إدارة الموارد الطبيعية.
كيف تختلف مساهمات الدول
العربية في الانبعاثات الكربونية؟ ولماذا السعودية من أكبر المساهمين رغم قلة عدد
السكان مقارنة بدول مثل السودان؟
في عام 2022، أنتجت دول الخليج، التي
لا تضم سوى 14% من سكان المنطقة، نحو 57% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون،
بينما ساهمت الدول ذات الدخل المنخفض مثل السودان بنسبة 1% فقط رغم أنها تمثل 20%
من السكان. السعودية من أكبر المساهمين بسبب ارتفاع مستوى الدخل ونمط الاستهلاك
الكثيف الانبعاثات المعتمد على الوقود الأحفوري ونمط الحياة في البلاد والنهج
المتبع حاليا.
إن استخراج وتصدير الوقود الأحفوري،
لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، أدى إلى تراكم ثروات هائلة لدى فئات محددة،
لكنه في المقابل فاقم التفاوت الاجتماعي والتدهور البيئي.
وتُبرز الفجوة الحادة بين دول الخليج
الثرية والدول الأقل دخلا في المنطقة، الحاجة الملحّة إلى تحوّل جذري نحو طاقة
خضراء ومتجددة، من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والمناخية معا.
ويظل التناقض الأكبر في أن الدول
والأفراد الذين يساهمون بأعلى نسبة في الانبعاثات هم الأقل تضررا، بينما يتحمّل
الأكثر فقرا، رغم مسؤوليتهم الضئيلة عن التلوث، العبء الأكبر من الكوارث المناخية.
ومن هنا، فإن معالجة أزمة المناخ في المنطقة لا يمكن فصلها عن ضرورة التصدّي
للتفاوت الاقتصادي الحاد، محليا وعالميا.
ما دور سياسات التقشف وخفض
الإنفاق العام في تعميق أزمتي المناخ واللامساواة؟ ولماذا الحكومات عاجزة عن
التحرك؟
فرضت الحكومات، غالبا بدفع من مؤسسات
مالية دولية، سياسات تقشف شملت خفض الدعم وتقليص الاستثمار في الخدمات العامة. هذا
ما زاد من عجز الفقراء على التكيّف المناخي. وتؤكد أوكسفام أن هذه السياسات تقوّض
القدرة على تمويل الانتقال العادل وتُضعف شرعية الحكومات.
كيف يفاقم التهرب الضريبي
والإعفاءات للنخب عجز الميزانيات عن تمويل المناخ؟
يشير التقرير إلى أن إعفاء النخب من
الضرائب، والتهرب واسع النطاق، يحرم الميزانيات العامة من موارد ضرورية للاستثمار
في الطاقة المتجددة والبنى التحتية المستدامة، ما يوسع فجوة التكيف بين الأغنياء
والفقراء.
وفقا لتقريرنا، رغم امتلاك أغنى 1% في
منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لنحو 48% من الثروات المالية، فإن التهرب
الضريبي، والإعفاءات، والمزايا الممنوحة للنخب، تحرم الميزانيات العامة من الموارد
اللازمة لتنفيذ إجراءات التكيف المناخي والتخفيف من حدّة الأثر البيئي. هذا الأمر
ينبغي أن يتوقف.
ما الإجراءات الجذرية التي
يدعو إليها التقرير لضمان عدالة مناخية؟ وهل هناك أمثلة دولية مشابهة؟
توصي أوكسفام بفرض ضرائب تصاعدية
دائمة على أثرى 1%، وضرائب خاصة على الاستثمارات والسلع الملوثة، وحظر الاستهلاك
الفاخر، وزيادة الإنفاق على النقل العام والخدمات الأساسية. وتستلهم هذه الإجراءات
من تجارب بعض الدول مثل فرنسا وكندا التي بدأت بفرض ضرائب مناخية تصاعدية على كبار
الملوّثين.
ونحن دعونا الحكومات إلى اتخاذ
إجراءات جذرية قائمة على العدالة، تشمل فرض ضرائب تصاعدية على الثروات والانبعاثات
الكربونية، وحظر الانبعاثات الترفيهية الفاحشة مثل استخدام الطائرات الخاصة،
وإنهاء السياسات التقشفية التي تعمّق اللامساواة وتُضعف قدرة الدول على مواجهة
الأزمة المناخية.
كما ندعو الحكومات إلى اتخاذ إجراءات
واسعة النطاق وجذرية تعيد توزيع الموارد، وذلك من أجل توفير التمويل اللازم
المُقدَّر بـ570 مليار دولار للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
كيف يمكن فرض ضرائب أو حظر انبعاثات
ترفيهية في ظل سيطرة الأغنياء على 48% من الثروات؟
نجاح مثل هذه
الإجراءات يتطلب إرادة سياسية ودعما شعبيا وتحالفات دولية، وإصلاحا للأنظمة
الضريبية، مع تبني سياسات تعويضية للفئات الفقيرة لتجنب تأثيرات أي إجراءات جديدة.
ويشدد على أن تأجيل المواجهة مع النخب سيزيد من تكلفة الكارثة المناخية على
الجميع.