شهدت محافظة
السويداء، جنوبي
سوريا، صباح الخميس، موجة نزوح جماعي واسعة لعائلات من العشائر العربية، على وقع تصاعد أعمال العنف والانتهاكات التي ارتكبتها فصائل محلية مسلحة محسوبة على الطائفة الدرزية، عقب انسحاب قوات الجيش والأمن من المحافظة بموجب اتفاق رعته وزارة الداخلية السورية ووجهاء محليون.
وبحسب مصادر محلية ومقاطع مصورة متداولة، فقد أجبرت عشرات العائلات
البدوية على مغادرة قراها وبلداتها في ريف السويداء، بعد تهديدات مباشرة من تلك الفصائل، ترافقت مع عمليات تصفية ميدانية واعتداءات استهدفت مدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال، وسط عجز رسمي عن وقف التدهور الأمني في المحافظة.
مجازر وانتهاكات عقب انسحاب الجيش
وأكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أن "مجموعات خارجة عن القانون" شنت، صباح الخميس، هجمات على حي المقوس شرقي مدينة السويداء، وارتكبت "مجازر بحق أبناء العشائر والمدنيين"، وذلك بعد ساعات من تنفيذ بنود الاتفاق الذي أفضى إلى انسحاب الجيش السوري وتسليم المهام الأمنية للفصائل المحلية ومشايخ العقل.
وكانت وزارة الداخلية السورية قد أعلنت مساء أمس الأربعاء عن اتفاق يقضي بتكليف وجهاء محليين وقوى محلية بتأمين الأحياء وفرض الأمن، في خطوة قالت إنها تأتي لـ"حقن الدماء" وإنهاء الاشتباكات التي اندلعت منذ السبت الماضي بين مسلحين دروز وأبناء العشائر في حي المقوس، قبل أن تتوسع إلى مناطق أخرى.
نداءات استغاثة وتوثيق لجثامين
وأظهرت مقاطع مصورة، تداوَلها ناشطون محليون، عائلات مشردة على أطراف السويداء بعد إجبارها على الفرار تحت تهديد السلاح، كما ظهرت جثث نساء وأطفال مضرجة بالدماء في مشهد يعكس حجم المأساة، وسط غياب أي تدخل رسمي لحماية المدنيين.
وبحسب شهود عيان، فقد لجأت عشرات العائلات إلى أطراف جبل بلدة شهبا شمال المحافظة، وهي محاصرة حالياً دون ماء أو غذاء أو حماية، في وقت أطلقت فيه العشائر نداءات استغاثة عاجلة للمجتمع المحلي والدولي من أجل التدخل الفوري لمنع ما وصفوه بـ"المجازر الانتقامية".
تعود جذور الاشتباكات إلى اندلاع مواجهات مسلحة يوم السبت الماضي بين مقاتلين من العشائر البدوية وعناصر من فصائل درزية مسلحة في حي المقوس، بعد توترات متصاعدة بين الطرفين.
وسرعان ما انتقل القتال إلى قرى وبلدات أخرى، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، إضافة إلى عمليات اختطاف استهدفت مدنيين من كلا الجانبين.
ومع تفاقم المواجهات، تدخلت قوات من الجيش السوري لفك الاشتباك، لكنها انسحبت لاحقاً بموجب اتفاق سياسي-محلي، ما أثار مخاوف كبيرة من فراغ أمني خطير سمح بوقوع سلسلة من الاعتداءات وعمليات التصفية ضد المدنيين.
سكان العشائر.. ثلث السويداء بلا حماية
لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة لأعداد أبناء العشائر في محافظة السويداء، إلا أن تقديرات محلية تشير إلى أن عددهم يصل إلى نحو 250 ألف نسمة، ما يعادل ثلث سكان المحافظة تقريباً، ويتركّز وجودهم في مناطق الريف الشرقي والجنوبي، حيث لا تزال الأوضاع الأمنية في تدهور مستمر، وسط تصاعد التهديدات وغياب الضمانات.
ويُخشى أن تؤدي موجة النزوح الحالية إلى تغيير ديمغرافي قسري، في ظل اتهامات للفصائل المحلية بالسعي إلى تهجير العرب البدو من المحافظة، وفرض واقع جديد يُكرّس الهيمنة العسكرية والاجتماعية لطرف واحد، تحت غطاء "ضبط الأمن".