ملفات وتقارير

يرتكبون الإبادة ثم ينهون حياتهم.. لماذا ينتحر جنود الاحتلال العائدون من غزة؟

40 منتحرا من جيش الاحتلال كشف عنهم منذ بداية العدوان على غزة- ai sora
يشكل الانتحار بين الجنود، واحدة من أبرز المعضلات التي تواجه الجيوش خلال الحروب، والمرحلة اللاحقة لها، وهو يبدو جليا هذه الأيام، مع تعدد حالات انتحار جنود الاحتلال، خاصة من شاركوا في العدوان على غزة وارتكبوا جرائم بحق الفلسطينيين.

وخلال أسبوع واحد، أقدم 4 من جنود الاحتلال على الانتحار، مات 3 منهم على الفور، فيما الرابع مصاب بجروح حرجة، وكافة المنتحرين ممن شاركوا في العدوان على غزة، ضمن صفوف الاحتياط، وكشفوا قبل انتحارهم عن شهادات لما عايشوه في غزة ووصفوه بالجحيم.


ويسلط انتحار الجنود، الضوء على الأسباب الكامنة وراء الإقدام على إنهاء الحياة، على الرغم من حالة القوة التي كان يتمتع بها بحكم امتلاكه السلاح في ساحة المعركة.

صدمات نفسية

تعد الصدمات النفسية، من أبرز الأسباب الدافعة على الإنتحار، وخاصة اضطراب ما بعد الصدمة، حيث يتعرض الجنود في الميدان إلى هزات عنيفة من مشاهد الدماء والموت والدمار، واضطراب ما بعد الصدمة مرض نفسي، يخلص كوابيس ونوبات قلق حادة وصعوبات في النوم وفقدان للشعور بالأمان قد ينتهي بالانتحار بعد الانهيار النفسي.

كما أن بعض الجنود، يصابون بعقدة الذنب تجاه الضحايا الذين ارتكبوا جرائم بحقهم، خاصة مع مستويات القتل والإبادة غير المسبوقة بغزة، لذلك يدخلون في صراع نفسي يصعب تجاوزه، ويذهب البعض نحو الانتحار كوسيلة للتخلص من هذه العقدة تجاه الضحايا الذين أقدموا على إبادتهم.

من أبرز مسببات الانتحار للجنود، حالة الانعزال العاطفي التي يشعرون بها، خصوصا في حالات القتال الطويل، حيث يفقد الجندي القدرة على التواصل مع المجتمع المحيط به، بسبب حالة القتال المتواصل التي عاشها ويبدأ بالانفصال عن محيطه والاعتقاد أن من حوله غير قادرون على فهمه أو إدراك ما مر به، إضافة إلى حالات الانفصال الأسري التي تحصل وممارسة العنف مع العائلة نتيجة التوتر العصبي الدائم، والذي يقود إلى الانتحار للتخلص من هذا الوضع.

ويلعب الإرهاق المستمر للجنود والنوم غير المنتظم، والخوف الدائم من الموت، ضغطا هائلا عى الجنود، وبحسب الدراسات قد ينفجر هذا الضغط على شك الرغبة في الهروب من الحياة.

الإبادة بغزة
ومنذ العدوان على غزة، وارتكاب جيش الاحتلال جرائم واسعة بحق الفلسطينيين، وعقب مرور شهور على العدوان بدأت تظهر مؤشرات على صدمات وهزات نفسية تعرض لها الجنود.

وكشفت شهادات لجنود الاحتلال، خلال جلسات في الكنيست، للمطالبة بتعويضات عن مرورهم بصدمات نفسية عميقة، وفقدان للاتزان، لدرجة أن أحد الجنود كشفت عن تبوله على نفسه ليلا، بسبب ما يتذكره من ضربات قذائف المقاومة تجاه الآليات التي تواجد بها، فضلا عن قيامه بضرب زوجته وخنقها يوميا بسبب ما يعانيه من أزمات.

كمان  كشفت صحف عبرية، عن قيام جندي للاحتلال، بعد أشهر من العدوان بالاستيقاظ ليلا، داخل قاعدة عسكرية، وفتح النار من سلاحه الشخصي على الجنود الآخرين، لاعتقاده أنه داخل غزة ويواجه المقاومة، بسبب تدهور حالته النفسية.

وتسببت المقاومة الشرسة في غزة، والكمائن التي وقع فيها جنود الاحتلال، في تفاقهم أزماتهم النفسية، فضلا عن مشاهدة زملائهم أثناء مقتلهم وإصابتهم بفعل المقاومة.

ومن الأسباب التي فاقمت أزمات الجنود النفسية، ودفعت بعضهم للانتحار، بحسب مواقع عبرية، الفشل في التقدم وتحقيق إنجازات رغم القوة النارية الكبيرة، أمام مقاومة أقل تسليحا لكنها برعت في حرب العصابات والاستنزاف على مدى أكثر من 20 شهرا من القتال.

إخفاء الحقائق

وكشفت إذاعة جيش الاحتلال، عن رفض الرقابة العسكرية، الإفصاح عن عدد حالات الانتحار في صفوفه، رغم مطالبات داخل الكنيست بعقد جلسة طارئة لمناقشة ما وصف بالارتفاع المقلق فيها.

وأشارت الإذاعة إلى أن قسم القوى البشرية بالجيش يرفض الكشف عن بيانات الانتحار في صفوف عسكرييه.

وكشفت أن الطلبات التي قدمت، كان الرد عليها بضرورة الانتظار إلى كانون ثاني/ يناير 2026، للكشف عن المعلومات حول عدد المنتحرين في صفوف الجيش.

ووفقا لزعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، فقد كشف عن انتحار 40 من جنود الاحتلال، منذ بداية العدوان على غزة، ومنذ مطلع العام الحالي، بلغ عدد المنتحرين 20 جنديا.

هذا ما عاشه المنتحرون

ومن أبرز المنتحرين خلال الفترة الماضية، طيار في سلاح جو الاحتلال، برتبة رائد، وسبق أن عمل ضابطا من أهم الوحدات السرية 8200 بجهاز الاستخبارات، وشارك منذ بداية العدوان على غزة، وكشف عن مروره بأزمة نفسية وأعراض ما بعد الصدمة، وقام بالتوجه إلى غابة محلية، وإطلاق النار على نفسه.


وفي حادثة أخرى، كشفت والدة الجندي دانيال إدري، الذي انتحر بإشعال النار بنفسه، داخل سيارته، بعد الدخول فيها إلى غابة قرب صفد شمال فلسطين المحتلة، أن ابنها كان يعاني من مشاهد دموية لجنود آخرين رآهم في غزة.

وقالت إن ابنها كان يشتكي من رائحة الدماء واللحم المحترق، للجنود في غزة، وأنها لا تفارق أنفه ومشاهد الجثث التي حملها من قطاع غزة لجنود الاحتلال القتلى.

كما أقدم أحد جنود الاحتلال من الحريديم المتطرفين، على قتل نفسه، داخل قطاع غزة، خلال معركة جباليا الثانية قبل وقف إطلاق النار الذي خرقه الاحتلال، عبر تفجير قنبلة يدوية بنفسه، لإنهاء حياته، بسبب ما مر به داخل القطاع من مشاهد مرعبة خلقت له أزمات.

ورغم مماطلة جيش الاحتلال في تسجيله رسميا ضمن قتلاه، اضطر عقب نحو عقب أشهر طويلة، إلى إعلان أنه أحد قتلى الخدمة العسكرية.