ملفات وتقارير

انسحاب مفاجئ لفاغنر وتعرض الجيش لهجمات قوية.. ما الذي يجري في مالي؟

هجمات مكثفة شنتها حركات مسلحة واستهدفت قواعد عسكرية للجيش المالي وذلك وسط أنباء عن خلافات حادة وانقسام داخل المجلس العسكري الحاكم- جيتي
في تطور مفاجئ وعلى وقع هجمات مكثفة استهدفت العديد من القواعد العسكرية المالية، أعلنت قوات فاغنر الروسية، إنهاء مهمتها بشكل رسمي في مالي.

وقالت "فاغنر" في بيان نشرت مضمونه وكالة "سبوتنيك" الروسية، إن مقاتليها "حاربوا على مدى ثلاث سنوات ونصف، جنبا إلى جنب مع الشعب المالي ضد الإرهاب"، وأنهم ساعدوا "المواطنين المحليين على بناء جيش قوي ومنضبط قادر على الدفاع عن أرضهم".

ونشرت المجموعة الروسية مقطعا مصورا، أعلنت فيه "اكتمال مهمتها في مالي وانسحابها بعد أكثر من 3 سنوات" على وجودها في البلاد.

وأوضحت المجموعة أنها "قضت على آلاف الإرهابيين"، واستعادت "مدنا رئيسية مثل غاو وتمبكتو وأنفيس وكيدال"، وأن "مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة المالية قد تضاعفت".

هجمات مكثفة
لكن كان لافتا أن إعلان فاغنر إنهاء مهامها في مالي، تزامن مع هجمات مكثفة شنتها حركات مسلحة واستهدفت قواعد عسكرية للجيش المالي، وذلك وسط أنباء عن خلافات حادة وانقسام داخل المجلس العسكري الحاكم.

ونشرت منصات إقليمية مقاطع فيديو لسيطرة جماعات مسلحة على عدة قواعد تابعة للجيش المالي، حيث تحدثت تقارير عن سقوط قواعد بينها قاعدة "ماهو" الإستراتيجية جنوب باماكو.
كما أعلنت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" سيطرتها على ثكنة للجيش المالي في بلدة "ماو" بولاية "سيكاسو"، وتبنت كذلك السيطرة على "مركبة لنقل الأموال تابعة للحكومة المالية بضواحي العاصمة باماكو".



وأوضحت الجماعة التي يقودها إياد أغ غالي، أن الهجوم على المركبة، أسفر عن مقتل عنصر من الجيش المالي و"اغتنام مبلغ مالي ضخم يقدر بمئات الملايين من الفرنك الأفريقي".

وكانت تقارير إعلامية غربية ذكرت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن مقاتلي "فاغنر" تكبدوا خسائر فادحة في معركة إلى جانب الجيش المالي، ضد المقاتلين الأزواديين بمنطقة "تينزواتين" قرب الحدود مع الجزائر، وهو ما كانت له تداعيات على مكانتها ومصداقيتها لدى الجيش المالي.

وشهدت الحدود المالية الجزائرية منذ أكثر من سنة توترا واشتباكات ضارية بين الجيش المالي مدعوما بقوات "فاغنر"، والحركات المسلحة الأزوادية "الطوارق".



وقد أثارت الهجمات التي شنها الجيش المالي مدعوما بفاغنر، ضد المسلحين الأزواديين قرب الحدود مع الجزائر استياء السلطات الجزائرية.

وتتهم الحركات الأزوادية في شمال مالي، الحكومة المركزية في باماكو، بالاستعانة بخدمات مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة المثيرة للجدل، من أجل تنفيذ هجمات بمناطق الشمال المالي الذي تنشط في فيه العديد من التنظيمات المسلحة، فيما تنفي باماكو ذلك وتتحدث عن تعاون قديم بينها وروسيا.

وتتحدث تقارير غربية عن أن مرتزقة فاغنر الروس "يذبحون المدنيين ويحرقون القرى في منطقة شمال مالي، ويؤججون أزمة لاجئين سريعة النمو".

وتجاوز عدد قوات "فاغنر" في مالي 1000 عنصر، وتتمثل مهامها في "حماية الشخصيات الرسمية"، و"تقديم استشارات أمنية"، و"مواجهة الجماعات المسلحة".

رواية الجيش
الحكومة المالية لم تعلق على قرار انسحاب قوات فاغنر من البلاد، لكن الجيش علق الموضوع المتعلق التطورات المتعلقة بزيادة وتيرة الهجمات التي تشنها الحركات المسلحة.

وقال الجيش المالي، إنه تصدى لهجوم على مركز الأمن "ماهو" بدائرة "يوروسو"ّ بولاية "سيكاسو"، وأجبر المسلحين على الفرار تاركين خلفهم "25 جثة" بأرض المعركة، وحملوا معهم "15 جثة" أخرى.

وأضاف الجيش المالي في بيان أنه استولى على 16 دراجة نارية، إضافة إلى معدات عسكرية بينها بعض الذخائر.

وقال الجيش المالي في بيانه، إنه تم العثور في "مركز تسيت الأمني" في ولاية "غاو" على 41 جثة لمسلحين في ميدان المعركة، مضيفا أن المسلحين أخذوا معهم العديد من الجرحى، قبل أن يفروا إلى وجهة لم تحددها.

وأوضح البيان أن من بين القتلى الذين تم العثور على جثثهم "قيادي إرهابي نيجيري يدعى مامودو آكيلو، و4 من مساعديه".

"زلزال عسكري"
وعلى وقع تسارع وتيرة الهجمات المسلحة أعلنت عدة ولايات مالية حظر تجول يومي، من بينها ولاية "سيكاسو"، حيث يبدأ سيرنان حظر التجول من الساعة العاشرة بالتوقيت المحلي مساء إلى غاية السادسة والنصف صباحا.

ووصف الصحفي المتابع للشأن المالي، سيد أحمد باب، ما يحصل في مالي بأنه أشبه بـ"زلزال عسكري".
واعتبر في تصريح لـ"عربي21" إن سقوط قاعدة "ماهو" الإستراتيجية بيد الجماعات المسلحة، إن صح يعني حصار باماكو من الجنوب والشمال والغرب، وفي المحصلة ضرب سلاسل التوريد وانعدام الأمن في مناطق الإنتاج والمصانع والطرق التي تربط البلاد بساحل العاج وبوركينا فاسو.

وأشار إلى أن مالي تمر هذه الأيام بظروف صعبة وتطورات متسارعة، قد تكون لها تداعيات على منطقة الساحل الأفريقي بشكل عام.

"آخر مسمار في نعش نظام أغويتا"
في المقابل لم يستبعد المحلل السياسي المختص في الشأن الأفريقي، أحمد محمد المصطفى أن تستغل بعض الحركات المسلحة واقع الإرباك الحاصل وتسيطر على مدن في شمال مالي مثل كغاو وكيدال.

ولفت في تصريح لـ"عربي21" إلى أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مالي تزيد من تأجيج الأوضاع الأمنية، ومن الاحتقان الشعبي.

واعتبر أن سقوط المدن، سيعني دق آخر مسمار في نعش نظام أغويتا، الغارق في الأزمات، وسيدفع "لانقلاب داخل الانقلاب الحاصل لتدارك الأوضاع، وتفاديا لانقلاب من خارجه".

انقسام داخل المجلس العسكري
وأوضح محمد المصطفى أنه لم يعد خافيا حجم الانقسام الحاصل أو على الأقل العلاقة غير الودية بين مكونات المجلس الانقلابي الحاكم في مالي.

ولفت في حديثه لـ"عربي21" إلى أن الخلاف يبدو واضحا بين الرئيس عاصيمي غويتا، ووزير دفاعه ساديو كامارا، مشيرا إلى هذا الانقسام، يبرز في تدبير الملفات داخليا وإقليميا ودوليا.

عزلة دولية
ومنذ الانقلاب العسكري في مالي قبل نحو أربع سنوات تعاني مالي عزلة دولية وتوترات أمنية وسياسية.

وتوترت علاقات باماكو مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، كما تفاقمت أزمتها مع الدول الأوروبية بعد طردها للقوات الفرنسية والألمانية، لكن باماكو في المقابل عززت علاقتها مع روسيا وتركيا.

واستولى الجيش على الحكم في مالي سنة 2021 وأعلن رئيس المجلس العسكري أسيمي غويتا، تجريد الرئيس حينها باه نداو، ورئيس الوزراء مختار وان من صلاحياتهما.

ومنذ يونيو 2021، أصبح غويتا رئيساً انتقاليا للبلاد، وتراجع عن تعهده بإعادة السلطة للمدنيين بعد انتخابات وعد بإجرائها في فبراير 2022، لكنها لم تتم حتى الآن.