قضايا وآراء

هل تحدد زيارة نتنياهو لفلوريدا مصير المنطقة؟!

ياسر عبد العزيز
"زيارة نتنياهو لأمريكا، التي ستُبحث فيها ملفات مهمة في المنطقة، هل تحدد مصير المنطقة؟ "- جيتي
"زيارة نتنياهو لأمريكا، التي ستُبحث فيها ملفات مهمة في المنطقة، هل تحدد مصير المنطقة؟ "- جيتي
شارك الخبر
وصل رئيس وزراء الكيان المحتل لفلسطين بنيامين نتنياهو إلى فلوريدا، فجر اليوم الاثنين، لعقد اجتماع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وصول نتنياهو إلى فلوريدا وليس نيويورك قد يكون له دلالة، كأن يكون ترامب يريد لفلوريدا أن تكون عاصمة المفاوضات الأمريكية وطاولة مباحثات السلام في العالم، وقد يكون لقاء نتنياهو بعيدا عن نيويورك لرفع الحرج عن الجميع؛ لأن الضيف متهم بجرائم حرب ومطلوب للجنائية الدولية، لكن في النتيجة المهم ما سيرشح عنه هذا اللقاء، لا سيما وأن أنظار العرب تتجه إلى الشرق الأمريكي، وكأن مصيرهم سيتحدد وفق هذا اللقاء.

الملفات المطروحة على طاولة لقاء ترامب- نتنياهو متعددة وجلها ينصب على منطقتنا في الشرق الأدنى، وعلى رأس هذه الملفات بلا شك هو ملف المضي قدما في إنفاذ المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام في غزة، والتي يماطل في الولوج إليها رئيس وزراء حكومة التطرف الإسرائيلي، بل، وكعادته، أطلق بالونات الاختبار قبيل سفره لفلوريدا على لسان شريكيه في الحكومة،
المرحلة الثانية دون ريب أولوية في اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو، لكن ملفات أخرى لا تقل أهمية عن ملف غزة تأخذ مكانها في هذا اللقاء، كملف لبنان وملف اليمن، وملف التطبيع، كما أن ملف الفزاعة الإيرانية له نصيب وافر
وزيري المالية والأمن الإسرائيليين سموتريش وكاتس، بنيتهما تعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، وهي النقطة التي سينطلق منها نتنياهو في مراوغاته في فلوريدا بشأن المرحلة الثانية.

المرحلة الثانية دون ريب أولوية في اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو، لكن ملفات أخرى لا تقل أهمية عن ملف غزة تأخذ مكانها في هذا اللقاء، كملف لبنان وملف اليمن، وملف التطبيع، كما أن ملف الفزاعة الإيرانية له نصيب وافر في المساحة التي يريدها نتنياهو في هذه الزيارة، إذ إنه يمكن أن يسحب كل الملفات السابقة باتجاه الملف الإيراني ليكون نقطة ارتكاز، لا سيما وأن التقارير تشير إلى أن إيران ترمم وتعيد ترتيب برنامجها النووي، كما تعيد تأهيل منظومتها الصاروخية.

هذا على مستوى الداخل الإيراني فيما بعد حرب الاثني عشر يوما (الحرب الإسرائيلية- الإيرانية)، وعلى مستوى استراتيجيته في نقل الحرب خارج أراضيها، والكلام لا يزال عن إيران، فإنها مستمرة في تقديم دعمها لقوى المقاومة في لبنان واليمن وفلسطين، ما يعني أن نتنياهو سيتمسك بمزيد من الإجراءات، سواء الناعمة كفرض العقوبات، أو الخشنة بتنفيذ ضربات استباقية، سيطلب مشاركة أمريكا فيها ولو من خلف الستار، لإجهاض القوة التي يعاد تشكيلها في مناطق وجود أذرع إيران، في الوقت الذي تشكك فيه تل أبيب في قدرات بيروت في نزع سلاح قوى المقاومة على أراضيها وحصر السلاح بيد الدولة، مع ذلك فإن هناك ثمة حسابات أمريكية معقدة في الرغبة في كبح إيران، على سبيل الإبقاء عل الفزاعة، واستمرار الابتزاز.

استراتيجية الأمن الأمريكي التي نُشرت منذ أيام ترسم الخطوط العريضة لصانع السياسية الأمريكية، وقد أكدت أمرا هاما، وهو ليس بالجديد وكتبنا عنه منذ سنوات، في مقال "الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه بايدن" والآن يعود ترامب بالفكر نفسه، فالرغبة الأمريكية في تصفير المشاكل في الشرق الأوسط للالتفات للخطر القادم من جنوب شرق آسيا، لا تزال شاخصة أمام أعين راسم السياسات الأمريكية، لهذا فإن ترامب يريد أن ينفذ هذه السياسات، ولكن مع تسليم مفاتيح المنطقة لمن يثق به، وذلك بعد تهيئة المناخ له وترتيب الملفات التي سيديرها.

ترامب يريد أن ينفذ هذه السياسات، ولكن مع تسليم مفاتيح المنطقة لمن يثق به، وذلك بعد تهيئة المناخ له وترتيب الملفات التي سيديرها

بين مخاوف سايكس- بيكو جديدة وبين ترتيبات أمنية واقتصادية وسياسية تشارك فيها جميع الأطراف بقيادة موثوقة من الطرف الأمريكي، تضع الشعوب العربية يدها على قلبها، فيما تثق الحكومات في موعود ترامب بألا تغيير في منظومات الحكم في المنطقة، وإن شهدت الأرض تغييرا. ولعل ما يحدث في السودان الآن مثال لما قد تشهده بعض دول المنطقة الأخرى، لمصلحة مشروع الإدارة الجديدة للمنطقة. وفي ظل هذا التماهي من منظومات الحكم في المنطقة، فإن هناك موقفا تركيا يناور ولا يتماهى، ويعد حجر عثرة أمام إتمام هذا المشروع الذي تسعى إليه أمريكا لتنفيذه في المنطقة.

زيارة نتنياهو لأمريكا، التي ستُبحث فيها ملفات مهمة في المنطقة، هل تحدد مصير المنطقة؟ وهل باتت المنطقة في موقع المفعول به في جملة يتم تشكيل أحرفها في واشنطن وتل أبيب؟ وهل باتت حالة الترقب المنطوية على سلوك تظهر مدى حالة التسليم إلى قوى الهيمنة، رغم أن الحوادث أظهرت مكامن ضعف في هذه القوى؟ وهل كانت حالة الخذلان للمقاومة مقصودة لتمكين تلك القوى؟ وأخيرا هل من انتفاضة على الذات من هذه الشعوب من تجاوز حالة الانكسار المصطنعة لإبقاء المارد في القمقم الذي سيطرت عليه هذه القوى؟

يروى أن رجلا كان يمشي في الصحراء في ليلة مقمرة، فرأى خيالا يمشي أمامه، فظن أنه جنيّ، فخاف وارتعد، وجلس، فجلس الخيال ففهم، فنظر خلفه فإذ به القمر، ففهم، فضحك من نفسه.. وذهب ينشد:

عدوي الذي أخشاه ليس أمامي   بل الوهم يسكن داخلي وينامُ
التعليقات (0)