مدونات

حلول بديهية للحرب الروسية-الأوكرانية

محمد صالح البدراني
"السلام عبر التنازل" أو "الانزلاق نحو العدمية"- جيتي
"السلام عبر التنازل" أو "الانزلاق نحو العدمية"- جيتي
شارك الخبر
ما استشرف المقال على لسان ترامب الآن

في 24  شباط/ فبراير 2022 نشر مقال لي في روداوو وصحف أخرى كان استشرافا ما زال فاعلا يرسم سيناريو التقدم المتوقع للقوات الروسية نحو كييف وعدم دخولها وانسحابها لتحقيق أهدافها في السيطرة على الموانئ وتامين الشرق، في ذلك المقال الذي يمكن تلخيصه كالاتي:

- أن الهدف الروسي ليس كييف أو غرب أوكرانيا، بل تأمين الشرق والمنفذ البحري في القرم.

- أن التقدم سيكون تدريجيا نحو شرق نهر الدنيبر ثم التوقف عند خطوط دفاعية، مع الاكتفاء بالسيطرة على دونباس والساحل.

- أن منح روسيا هذا المنفذ على البحر الأسود (سواء بالقوة أو بالتفاوض) قد يوقف التصعيد، وإلا فالطريق مفتوحة نحو "العدمية".

ما حدث فعليا حتى كانون الأول/ ديسمبر 2025 يطابق هذا الاستشراف بنسبة عالية جدا:

- روسيا سيطرت على معظم دونباس وأجزاء من زابوريجيا وخيرسون، مع التركيز على الساحل والموانئ.

كلما طالت الحرب فهي بعقلية الغرب استمرار لاستنزاف روسيا من خلال تفكيرهم المادي، لكن بوتين مؤدلج، وهو من النوع الحريص على ما يؤمن به، وما يراه كأيديولوجيا هو معايير الأخلاق عنده وليس السلوكيات بحد ذاتها

- لم تحتل كييف أو غرب أوكرانيا، بل اكتفت بخطوط دفاعية شرقية.

- الهجمات الأوكرانية على أسطول البحر الأسود أجبرت روسيا على نقل سفنها إلى نوفوروسييسك، مما أكد أهمية القرم كمنفذ استراتيجي.

أما النهاية، فهي بالفعل تراوح بذات الاحتمالات، بعد أربع سنوات، لا يزال الصراع عالقا بين خيارين يشبهان ما حذرت منه:

1- السلام عبر التنازل: اعتراف دولي بالقرم والأراضي الشرقية مقابل وقف النار (وهو المقترح الذي يُناقش الآن بقوة مع عودة ترامب)، وهو منطقي منذ أول يوم كما لاحظنا في المقال.

2- الانزلاق نحو العدمية: استمرار الحرب الاستنزافية، مع مخاطر تصعيد نووي إذا شعرت روسيا بتهديد وجودي، أو إذا فشلت كل المفاوضات، وهذا السيناريو الثاني الذي استشرافه المقال بسبب ظن البعض من العنجهيين أن بوتين لن يتخذ هكذا قرار، وهذا خطأ كبير في التقدير لشخصية كشخصية بوتين الذي يضمن البعض أنه يقرأها أو يتصور أن له تأثير عليها، أو أنه يتحدث عن جهل بلغة السياسة مع الشرق رغم أنه عاش في الكونغرس، وقد يعبر عن دهشته يوما ما عندما تتحول الحالة إلى حرب عالمية ونووية.

اختلاف اللغة:

كلما طالت الحرب فهي بعقلية الغرب استمرار لاستنزاف روسيا من خلال تفكيرهم المادي، لكن بوتين مؤدلج، وهو من النوع الحريص على ما يؤمن به، وما يراه كأيديولوجيا هو معايير الأخلاق عنده وليس السلوكيات بحد ذاتها، فإيصاله إلى الزاوية مستحيل لأنه سيذهب كأي شرقي كما ذهب شمشون وأي رجل شرقي مقتنع بما يقول وليس دكتاتورا أو طاغية فارغ. البعض يعامل روسيا بوتين كما صمم وضعها أنها مخزن لبقايا الاتحاد السوفييتي وأن بوتين من تركات الكي جي بي.. هذا خطأ لأن بوتين ليس شيوعيا وإنما روسي وطني يعتبر نفسه منتصرا بانحسار الشيوعية. له فكرة يعمل عليها وقد يستعيد ما يراه روسيا الكبرى عند انهيار الأوروبيين بتخلي أمريكا عن الحرب الأوكرانية، وهو ما يبدو متحققا ومن خلال تقدم القوات الروسية أثناء كتابة هذا المقال، لكن قوى مثل ليندسي غراهام ربما توصل للعدمية، تدري أو غرورا.

روسيا تمتلك بالفعل موانئ كبيرة مثل نوفوروسييسك (أكبر ميناء تجاري في البحر الأسود) وأوست-لوغا وغيرها، لكن مقترحات السلام التي تشمل "إعطاء" روسيا سيطرة رسمية على موانئ القرم (مثل سيفاستوبول وفيودوسيا وكريتش) مقابل إنهاء الحرب في أوكرانيا تظل هدفا لروسيا لأسباب استراتيجية وعسكرية عميقة، والتفسير على السياق التاريخي والجيوسياسية حتى كانون الأول/ ديسمبر 2025

1- الأهمية الاستراتيجية لموانئ القرم (خاصة سيفاستوبول):

موانئ ماء دافئة غير متجمدة: معظم موانئ روسيا الرئيسية تقع في الشمال (مثل مورمانسك أو فلاديفوستوك)، حيث تتجمد المياه في الشتاء، مما يعيق العمليات البحرية، أما سيفاستوبول في القرم، فهو ميناء عميق (عمق قناة الدخول 6.4-7.6 متر، وراسيات تصل إلى 9.2 متر) ودافئ طوال العام، مما يجعله قاعدة مثالية لأسطول البحر الأسود الروسي، هذا يمنح روسيا قدرة على الانتشار البحري السريع في البحر الأسود، والمتوسط، والشرق الأوسط دون قيود جوية.

حتى لو كان لروسيا ساحل طويل على البحر الأسود (مثل نوفوروسييسك بعمق 10-15 متر)، فإن هذه الموانئ محدودة المساحة أو أقل ملاءمة للسفن الكبيرة والعمليات العسكرية الواسعة، بسبب الجغرافيا الجبلية أو نقص البنية التحتية العسكرية المتطورة، القرم يوفر "جسرا" طبيعيا للسيطرة على المنطقة بأكملها.

2- السيطرة العسكرية والاقتصادية على البحر الأسود:

السيطرة على القرم تعني السيطرة على مداخل البحر الأسود، مما يعزز نفوذ روسيا في التجارة (نفط، غاز، حبوب) والطاقة. على سبيل المثال، تضم القرم موارد طاقة بحرية هائلة، وتسمح ببناء جسور عسكرية مثل جسر كيرتش، الذي يربط روسيا مباشرة بالقرم، فقدان هذا قد يعني إعادة بناء روسيا لقواعد بحرية أخرى بتكاليف باهظة.

إذا شعر بوتين بالخسارة الكاملة، فسيلجأ إلى أسلحة نووية تكتيكية لفرض شروطه، مما يهدد بكارثة عالمية تشمل أوروبا والولايات المتحدة؛ هذا التحذير ليس مبالغة، فبوتين أظهر في تشرين الثاني/ نوفمبر أن ترسانته النووية هي أداة رئيسية في محادثاته مع الغرب.

الحل إما بإعطاء روسيا ما تراه حقا لقيصر، أو الغرب سيغرق تماما بأحلام اليقظة عندما ينطلق صاروخ الصمت الأخير

في الحرب الحالية، أدت هجمات أوكرانية على أسطول البحر الأسود إلى نقل بعض السفن الروسية إلى نوفوروسييسك، لكن هذا لم يعوض عن فقدان السيطرة الاستراتيجية في سيفاستوبول، مما يجعل الاحتفاظ بالقرم أولوية للأمن القومي الروسي.

الجاذبية في سياق مقترحات السلام:

- مقترحات مثل تلك المرتبطة بدونالد ترامب تشمل الاعتراف الدولي بسيطرة روسيا على القرم مقابل وقف إطلاق النار، أو تقسيم أراضي مثل دونباس، هذا يشرعن احتلال روسيا للقرم (منذ 2014) دون خسائر إضافية، ويمنع أوكرانيا من استعادته عسكريا، عند بوتين، القرم "غير قابل للتفاوض" ويُعتبر جزءا من الهوية الروسية التاريخية (كان روسيا حتى 1954). روسيا القادمة ستهيمن إن نجحت وليست مخزن لنفايات الاتحاد السوفييتي كما أرادوا لها.

إذن ليست المسألة أرض، بل في الموقع الجيوسياسية والعسكرية ثم الاعتراف الدولي بالقرم كجزء روسي، فإن ذلك يعزز مكانة روسيا كقوة إقليمية، حتى لو كانت تمتلك موانئ أخرى. هذه المقترحات لا تزال محل نقاش في 2025، ومن حيث بدأنا ننتهي لنجد الحل إما بإعطاء روسيا ما تراه حقا لقيصر، أو الغرب سيغرق تماما بأحلام اليقظة عندما ينطلق صاروخ الصمت الأخير.

من الضروري أن أؤكد أن كلامي هذا كمراقب، وبمنتهى الحيادية نشاهد جرائم كل الأطراف حول العالم ومنها "إبادة غزة" التي لا يراها هؤلاء بعين الحقيقة.
التعليقات (0)