قضايا وآراء

حل "الدولة الواحدة"..!

هشام الحمامي
"لماذا لا يتبنى العالم العربي والسلطة الفلسطينية، وأيضا المقاومة هذا الطرح؟"- جيتي
"لماذا لا يتبنى العالم العربي والسلطة الفلسطينية، وأيضا المقاومة هذا الطرح؟"- جيتي
شارك الخبر
على الرغم من أن الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله (ت: 2008م) كان من أشد المؤمنين والمؤيدين للمقاومة في فلسطين، وله في ذلك كتابات منشورة، غير العديد من الاحاديث المصورة والمكتوبة تؤكد على هذا الخيار، إلا أنه قال ذات مرة في أحد اللقاءات إنه يؤيد فكرة "الدولة الواحدة" التي تجمع كل شعبها في وطن واحد دولة علمانية ديمقراطية، تجمع المسلمين والمسيحين واليهود في فلسطين، دولة خالية من أي عنصرية تجاه عرق أو دين، تماما كما حصل في جنوب أفريقيا بعد إلغاء نظام الأبارتايد سنة 1991م وأصبحت دولة الجميع البيض والملونين والسود، تجمعهم "المواطنة" الكاملة حقوقا وواجبات.

* * *

هناك عدد من المثقفين الإسرائيليين يؤمنون بذلك ويدعون إليه وكذا عدد من الفلسطينيين، لكن المقاومة لم تُبد رأيها في هذا الخيار، ولا حتى السلطة الوطنية إذا كانت معنية بالموضوع بحق، ولعلها في هذا التوقيت تحديدا تعلن موقفها منه.

هناك عدد من المثقفين الإسرائيليين يؤمنون بذلك ويدعون إليه وكذا عدد من الفلسطينيين، لكن المقاومة لم تُبد رأيها في هذا الخيار، ولا حتى السلطة الوطنية إذا كانت معنية بالموضوع بحق، ولعلها في هذا التوقيت تحديدا تعلن موقفها منه

الفكرة مطروحة أيضا في أمريكا وأوروبا، وإن كان طرحها على المستويات الأكاديمية والبحثية بدرجة أكبر كثيرا من طرحها على المستوى السياسي..

فكرة حل الدولتين لن تتم، وما ذهب إليه إسحاق رابين (ت: 1995م) في أوسلو مع السيد ياسر عرفات (ت: 2004م) لم يكن إلا مزيدا من تضييع الوقت على أصحاب الحق، في الوقت الذي يتم فيه قضم الأراضي التي احتُلت بعد 1967 م، وبناء المزيد والمزيد من المستوطنات عليها والعمل على ضمها. أوسلو مر عليها أكثر من ثلاثين عاما، وفي النهاية لم يجد الفلسطينيين في أيديهم إلا أيديهم..

وللأسف السلطة الوطنية في رام الله أقل ما توصف به أنها متواطئة في عملية "إهدار الوقت" هذه، ريثما يتمكن اليمين المتطرف من إحكام قبضته على أكبر مساحات ممكنة من الأراضي المحتلة والبناء عليها ومنحها للمستوطنين.

ليس هناك أي أفق لكل الحلول التي قُدمت في أوسلو، سوى مزيد من التنسيق الأمني مع الاحتلال، مزيد من قضم الأراضي، مزيدا من المستوطنات.. ومزيد من الديبلوماسية المنهكة البالية.

* * *

العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية تعتبر أن الاستيطان مسألة "أمن قومي"، وهم يقومون به دون أي اعتبار للقوانين الدولية، ولا حتى للاتفاقات التي أُبرمت من قبل، وكان العالم كله شاهدا عليها. وأوروبا وأمريكا ضالعتين في السياسة الإسرائيلية، ولا تقومان بأكثر من التصريحات الناعمة التي لا معنى لها. أصحاب الفهم العميق لبنية التفكير الإسرائيلي (المؤيد من الغرب) يعلمون أن فكرة حل الدولتين التي طرحتها فرنسا لتمرر من خلالها فكرة تجريم المقاومة المشروعة لم تكن إلا ذرا للرماد في العيون.

فرنسا بالذات لديها عقيدة استعمارية صلبة؛ لم تتخل عنها يوما ما على الأرض، إلا من خلال المقاومة القوية الدؤوبة، وهي بعدُ لم تتخل عنها في تفكيرها ولا سياساتها مع كل الدول التي كان لها معها في الماضي تاريخ استعماري مشين. وما تقدمت به مؤخرا لم يكن إلا لتهدئة الرأي العام الغربي الذي ثار بعنف على ما يحدث في غزة.. وما كان الغرب ليحرك ساكنا لو لم تكن "طوفان الأقصى".

الثمن كان باهظا، والتضحيات كانت عزيزة، لكن النظر إليها من المنظور التاريخي العريض لقضية الظلم الأكبر في العصر الحديث، يجعل هذه الأثمان في محلها الأشرف والأقدس، فهي لم ولن تذهب هباء، ونتائجها لا تقف فقط على مأ أحدثته في الضمير العالمي، بل فيما ستحدثه على مستوى الوعي الفلسطيني العميق بقضيته، والفلسطينيون هم مربط فؤاد القضية ومركز أعصابها الحساسـ وعلى جانب آخر ما ستحدثه تتابعا على مستوى الداخل الإسرائيلي الذي ظهرت هشاشته على شاشة العرض العام لكل الدنيا.

* * *

عام 2009م أصدرت الدكتورة كونستانسى هيليارد كتابا بعنوان "هل لإسرائيل مستقبل؟".. الكاتبة، أستاذة تاريخ الشرق الأوسط في جامعة شمال تكساس وتخرجت من هارفارد ومتخصصة في شئون الشرق الأوسط وأفريقيا، قالت في الكتاب معلومات مهمة للغاية، وسنتذكر دائما أن الكتاب صدر منذ 16 سنة، وقبل طوفان الأقصى، وكان وقتها الشهيد يحيى السنوار في السجن (خرج 2011م). وهو ما يعطينا قراءة نوعية مختلفة لهذا الحدث الأعظم في عصرنا الحديث.

قالت إنه في سنة 2009م، وقت حكم أوباما، التقى نتنياهو بعدد من المسؤولين الأمريكيين، ومنهم بالطبع الرئيس، وأكد لهم جميعا أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية تملك سيادة، بل دولة تخضع للسيادة الإسرائيلية التامة التي تملك حق التدخل العسكري إذا لزم الأمر لتحقيق الأهداف الإسرائيلية.

قالت أيضا أن إسرائيل تواجه ما أسمته "حقل الألغام الديموغرافي"، فمعدل إنجاب المرأة الفلسطينية 6 أطفال في حين المرأة اليهودية معدل إنجابها 3 أطفال، وأنه يوجد في الضفة وغزة (وقتها) 3 ملايين ونصف المليون فلسطيني، وداخل الخط الأخضر ما يقرب من مليون، وفي الشتات ما يقرب من 5 ملايين؛ كيف يمكن للحكومات الإسرائيلية التعامل مع هذا الواقع، وفي الوقت نفسه تحتفظ بالهوية اليهودية وتبتعد عن الممارسات العنصرية تجاه العرب؟

وذكرت أن كثيرا من المفكرين الإسرائيليين وعدد من الفلسطينيين يوافقون على مسألة "الدولة الواحدة"، على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا عندما تم إنهاء الفصل العنصري في مطلع التسعينيات. فهل يمكن قبول هذا الحل من القادة الإسرائيليين؟

* * *

القادة الإسرائيليون أكدوا لها صعوبة هذا الحل؛ لأنه في غضون سنوات قليلة سيتمكن الفلسطينيون في ظل نظام ديمقراطي من السيطرة على الحكم وإنهاء الهوية اليهودية للدولة.

إذن ما هو الحل؟ يؤكد قادة حزب العمل وعدد من قيادات اليمين العلماني قبولهم باتفاق أوسلو الذي يفضي إلى دولة فلسطينية.. لكنها ستتساءل مملوءة بالشك والتكذيب: هل يمكن واقعيا قيام مثل هذه الدولة، وتمثيلها للفلسطينيين، ويكون لها السيادة على الأرض والأمن والمياه، وكل ما يرتبط بالاستقلال الوطني غير المنقوص مثلما أكدته المواثيق الدولية؟

حل "الدولة الواحدة" سينهي الصراع، ويوجد مناخ تعايش حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين في ظل ديمقراطية حقيقية بعيدة عن التمييز العنصري والديني

وستأخذنا لنلقى نظر على الداخل الإسرائيلي، فأحد القادة الحزبيين قال لها: "جيشنا كبير ولدينا قنبلة ذرية، ولكن شعورنا الداخلي يؤكد هشاشة مطلقة، ويشير إلى أننا على حافة الهاوية!!". ثم تقول إن مثل هذه المشاعر لدى عدد من المفكرين الإسرائيليين تؤكد محنة المجتمع الإسرائيلي، وأن القادة العقلانيين في إسرائيل يشعرون بالضياع وعدم التأكد من المصير في العقود القادمة.

* * *

المدهش أكثر أنها في هذا التوقيت (قبل الطوفان) تحذر من أن الرأي العام الدولي في أمريكا وبريطانيا وفرنسا لم يعد راضيا عن الممارسات التي يوقعها الإسرائيليون على الفلسطينيين، والتعسف في الاعتقالات وجرائم القتل بدم بارد!! (سنة 2009م)!.. ما الحال الآن إذن؟!

الحاصل أنها ستؤكد في نهاية طرحها أن حل "الدولة الواحدة" سينهي الصراع، ويوجد مناخ تعايش حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين في ظل ديمقراطية حقيقية بعيدة عن التمييز العنصري والديني.

* * *

لماذا لا يتبنى العالم العربي والسلطة الفلسطينية، وأيضا المقاومة هذا الطرح؟ لأنه بالفعل حل واقعي للغاية، وسيضع إسرائيل وداعميها في "الزاوية الحادة" أمام القوانين الدولية، وأكثر كثيرا مما هم عليه الآن.

x.com/helhamamy
التعليقات (0)