كتاب عربي 21

محاولة لتحطيم أرقام الثورة السورية القياسية

أحمد عمر
"محاولة لبعث معارضة للقيادة السورية الجديدة، التي نجحت بشفاعة أصدقائها؛ قطر والسعودية وتركيا، في إلغاء عقوبات قيصر"- سانا
"محاولة لبعث معارضة للقيادة السورية الجديدة، التي نجحت بشفاعة أصدقائها؛ قطر والسعودية وتركيا، في إلغاء عقوبات قيصر"- سانا
شارك الخبر
اندلع تمرّدان طائفيان ضدّ القيادة السورية الجديدة في سنتها الأولى، والغرماء يبحثون عن معارضة ثالثة، سنّية هذه المرّة؟

ثمّة دولة عربية مذعورة وفخورة، هي أحدث الدول العربية نشوءا، وهي نفسها التي قلبت ظهر المجنّ للثورات العربية، وهي التي تؤلّب العواصم الغربية على الإسلام والمسلمين، هي أعلى الدول العربية أبراجا وأشدّها نفوذا، وهي التي موّلت استمارات تمرّد في مصر. هذه الدولة تجتهد في صناعة معارضة سورية غير يسارية وغير علمانية، فليس لهما سوق في سوريا الجديدة.

وهي تبحث عن شخصيات سنّية محافظة، مقبولة ومعروفة، سعيا لإنشاء أحزاب أو حركات سياسية، إسلامية منزوعة الجهادية؛ إسلامها عبادي غير سياسي، إسلام من غير سنام (ذروةُ سنامِ الإسلامِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ لا ينالُه إلا أفضلُهم). إسلامها يدع ما لقيصر لقيصر، وما لله لقيصر أيضا؛ إسلام صوفية ودروشة وبكاء. ولنذكر أن الجهاديين هم الذين أسقطوا النظام، فلا يفل الحديد إلا الحديد.

الغرض هو دغدغة القيادة الجديدة والكيد لها بذلك، لعل بعض أنصارها تُنتزع منها تحسّبا لانتخابات قادمة، وقد مضت عليها سنة في الحكم من غير معارضة سوى معارضة الأطراف؛ أقليات: قومية أوجلانية كردية في الجزيرة السورية، وطائفية؛ درزية في الجنوب السوري، وعلوية في الساحل

الغرض هو دغدغة القيادة الجديدة والكيد لها بذلك، لعل بعض أنصارها تُنتزع منها تحسّبا لانتخابات قادمة، وقد مضت عليها سنة في الحكم من غير معارضة سوى معارضة الأطراف؛ أقليات: قومية أوجلانية كردية في الجزيرة السورية، وطائفية؛ درزية في الجنوب السوري، وعلوية في الساحل. ومعلوم حصائل المعارضات الطائفية والقومية؛ فالكرد معزولون في الجيب السوري في الشمال بلا مستقبل، بلا تعليم، والتعليم هو مستقبل الأوطان، لكنهم يعيقون الوحدة السورية إعاقة حقيقية بسلب أهم مواردها من الثروات في باطن الأرض وظاهرها باسم الفيدرالية واللا مركزية. وقد أسفرت الانتفاضتان عن خضّة كبيرة وضحايا غير قليلين من الطرفين، واندحار التمرّدين إلى حين.

يبدو أن صورة الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة في هذه الدولة قد أثارت حنق أعداء الثورة، وقد احتفل بها المقيمون والمغتربون بجحافل كبيرة، فدحضوا الحجّة الزاعمة أنهم مجبرون على الاحتفال، وهي فرية أطلقها أحد أعلام الثورة ورموزها، وهو مشارك في فريق قيصر، وهو يُعدّ أوّل شخصية معارضة يدغدغ بها الإعلام الإماراتي القيادة الجديدة، وهي شخصية تنطبق عليها الشروط المرادة؛ فهي شخصية مؤثّرة سنّية، وهو صاحب بلاغة وخطاب.

استشهد الرجل بآيات من القرآن الكريم وبالسيرة النبوية، وجعل نفسه على جبأة الرماة، وجعل الثوّار المنتصرين طلاب غنائم، بل زعم أن الظلم مستمر، وأن النظام السابق متمثّل في النظام الحالي، وأن الفروع الأمنية باتت أشبع من فروع النظام السابق، بل إن القيادة الجديدة -بزَعمه- تحاول إعادة ترميم النظام السابق، فادّعى وجود أفرع أمنية جديدة مكتظّة بالمعتقلين تُعيد إنتاج الانتهاكات وأساليب التعذيب التي عرفها السوريون طوال العقود الماضية.

وقد ظهر الرجل الحزين على فضائيتين، ألمانية وإماراتية على التوالي، وطالب بعدالة انتقالية وحماية الأدلة، وزعم أن الحكومة أجبرت طلاب المدارس والعاملين في المؤسّسات على تزيين الشوارع والاحتفال بما أسمته "التحرير"، معتبرا ذلك استمرارا لنهج النظام السابق في فرض الفرح بالقوّة. ولمزَ من قناة الرئيس وغمز، فوصفه بالجولاني، والمؤقّت، وهو وصف يوافق هوى معارضي النظام. وحَقّر إنجازات الثورة، واستهان بإسقاط النظام، وله مقابلة سابقة يدعو الله فيها أن يُحييه إلى أن يرى سقوطه؛ فكلّ شيء يُقارن بالصفر الإيجابي جيّد.

إن الصفر أعظم الأرقام على الإطلاق، وقد ابتدعه العرب، ويدّعي الهنود شرف اكتشافه. الرجل يُستخدم من قبل الدولة المذكورة في أوّل المقال، أدرك ذلك أم لم يُدرك. وهذه محاولة لبعث معارضة للقيادة السورية الجديدة، التي نجحت بشفاعة أصدقائها؛ قطر والسعودية وتركيا، في إلغاء عقوبات قيصر، وهي مجموع 2879 عقوبة، لكن الرجل الحزين في باريس يرى أن رفعها سيُعيد الشركات القديمة والحيتان القدامى إلى استغلال السوريين. الرجل يريد مدينة فاضلة. والحق أنه لم يبكِ على الفضائيتين، وإن أوشك على ذلك، ولو بكى لأفسد المقابلة وصارت مقابلة هندية.

نشوة إسقاط النظام الأسدي أخرست الجميع، والنصر أسكر المنتصرين، وأخزى المنهزمين، ولم يُرَ حتّى الآن سوى شخصيات معارضة منفردة وبعض المواقع المدعومة من الغرب. وكان مؤتمر النصر قد حلّ الأحزاب كلّها، ولم يُعلن عن أي حزب جديد بعد، مع أن الساحة حرّة، ويعترف الجميع بأن مساحات الحرية واسعة، ويمكن القول إن المعارضين من غير الأقليات القومية والطائفية أفراد؛ وهم فلول النظام السابق وخلاياه اليقظة المتربّصة المستترة.

جرى التواصل من لدن الدولة ذات البروج مع شخصيات سنّية؛ فرفض بعضهم الأمر، وتريّث البعض الآخر، وقَبِل بعضهم. الأموال ستُضخّ، وسيتوافد المتواطئون على الفضائيات، ونرى مشاهد مثل مشهد بكاء فتح الله غولن، أو مشاهد لشخصيات معارضة وهي تصلّي بخشوع أمام عين الكاميرا الكحلاء

القسم الثاني من المعارضين هم العلمانيون، وهم غالبا يتحصّنون بمصطلحات تشبه ألفاظ الكهنة، وهم مبغوضون من الشعب وحالمون ومترفعون. وهناك شخصيات أخرى، مثل الشيخ معاذ الخطيب الذي يغرد ويغيب، وبعض المخالفين من المذاهب الإسلامية المخاصمة لمذهب القيادة الجديدة، وشخصيات إعلامية أو فنية. أمّا اليسار السوري فلا أمل منه.

كان الأمين العام للحزب الشيوعي السوري عمار بكداش قد توفّي في اليونان وفاة "مفاجئة" في السبعين من عمره. وتحت شعار "يا عمّال العالم اتحدوا" نشر الموقع الإلكتروني للحزب خبر وفاته في أثينا في 12 تموز/ يوليو الماضي، وزعم البيان أنه وجد نفسه وعائلته في اليونان بعد أن طارده "الإرهابيون الجهاديون". فأعلن 12 من قدماء المحاربين في حزب "العمل الشيوعي" في سوريا ضرورة "قيامة" الحزب، وأمل دفن الرفيق المتوفّى في سفح قاسيون "بعد أن تنقشع الغيمة السوداء عن سماء الوطن" و"إزالة القوى الظلامية العميلة التي تقيم نظام حكم استبدادي".

الراحل رحيلا "مفاجئا" كان قد ناف على السبعين من عمره! وهو ثالث أمين عام للحزب الشيوعي السوري من العائلة البكداشية الكريمة، ورث أمانة الحزب من أمّه، التي ورثته من أبيه، حزب "بكداش ليميتد"!

هذه هي خارطة المعارضة السورية. وقد جرى التواصل من لدن الدولة ذات البروج مع شخصيات سنّية؛ فرفض بعضهم الأمر، وتريّث البعض الآخر، وقَبِل بعضهم. الأموال ستُضخّ، وسيتوافد المتواطئون على الفضائيات، ونرى مشاهد مثل مشهد بكاء فتح الله غولن، أو مشاهد لشخصيات معارضة وهي تصلّي بخشوع أمام عين الكاميرا الكحلاء.

ثمّة معارضة مكتومة من إخوة السلاح وإخوة الطريق من الثائرين والمجاهدين، وهي معارضة غير ظاهرة، هامسة، تستغرب موادّة الرئيس السوري المجاهد أمريكا والغرب، اللذين فعلا بغزة الأفاعيل، وقد يُعلّل بعضهم قبول ذلك من أجل العبور بالدولة السورية البرزخ العظيم بالضرورات التي تبيح المحظورات.

علّق أحد المشاركين في الذكرى السنوية الأولى للثورة التي أسقطت الأبد، ووثبت على حاجز العقوبات -وهما رقمان قياسيان حطما تحت أقدام الثائرين- قائلا: إن المرء كان يخاف من المخابرات في أيّام الأسد، لكنّه في أيّام الشرع يخاف من الشعب.

x.com/OmarImaromar
التعليقات (0)