اتهمت إثيوبيا السلطات المصرية بشن حملة لزعزعة الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، تستهدف إثيوبيا على خلفية الخلاف حول سد النهضة الذي بنته إثيوبيا على مجرى نهر
النيل الأزرق وتقول مصر إنه يؤثر على حصتها "التاريخية" من مياه النيل.
اظهار أخبار متعلقة
جاء ذلك في بيان نشرته الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الإثيوبية عبر منصاتها الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذكر البيان أن القاهرة ما زالت متأثرة "بعقلية الحقبة الاستعمارية"، وأن المسؤولين المصريين يدعون "احتكار مياه النيل تحت ذريعة معاهدات تم إبرامها خلال الحقبة الاستعمارية"، وزعم البيان أن طريقة تفكير المسؤولين المصريين حول "الحقوق التاريخية المزعومة في مياه النيل تُمَثِل فشلاً في منظومة القيادة"، فيما طالبت الخارجية الإثيوبية مصر بالتخلي عما وصفته بـ"الاستراتيجية البالية التي لم تعد تُخيف إثيوبيا قط"، وفق ما جاء في البيان.
وأضاف البيان، أن التصريحات المتكررة للمسؤولين المصريين، الرافضة للحوار رفضًا قاطعًا، والموجهة لتهديدات مبطنة وغير مبطنة تجاه إثيوبيا، هي مظاهر "فشل الحكومة المصرية" في استيعاب ما وصفه البيان الإثيوبي بـ"حقائق القرن الحادي والعشرين"، بهدف جعل الدول "تابعة ومطيعة وضعيفة ومجزّأة، تنفّذ أوامر القاهرة"، وفق ما جاء في البيان ونقلت عنه شبكة "
بي بي سي".
واتهم البيان مصر بعرقلة المفاوضات من خلال ما وصفته الخارجية الإثيوبية بالتعنت والإصرار على ترديد مزاعم احتكارية، ودعت إثيوبيا الجهات المعنية إلى إدانة ما قالت إنه "سلوك غير مسؤول" من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى، كما أشار البيان، إن إثيوبيا "غير ملتزمة تمامًا بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها"، في إشارة إلى فرع النيل الأزرق، الذي تقول إثيوبيا إنه ينبع من المرتفعات الإثيوبية، وأنه يمثل نحو 70 في المئة من حجم مياه الأنهار داخل إثيوبيا.
وقالت إثيوبيا إنها مثل جميع الدول المتشاطئة على النهر "تمتلك الحق في استغلال هذا المورد الطبيعي، تحت مبادئ الاستغلال العادل والمعقول والمنصف وفق القانون الدولي"، مشيرة إلى انفتاحها على حلول مُرضية للجميع، قائمة على مبادئ العدالة والإنصاف.
قانونيون ومختصون مصريون يردون
ورغم عدم صدور أي رد رسمي من السلطات المصرية بشأن ما ورد في بيان الخارجية الإثيوبية، إلا أن عددا من القانونيين والمختصين المصريين قالوا إن البيان الإثيوبي يعد انتهاكاً لاتفاقيات دولية، ويكشف ضعف الموقف القانوني لأديس أبابا، فيما اعتبر متخصصون آخرون أن البيان يعكس ذعرًا من التواجد المصري في القرن الإفريقي.
وقال عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، إن البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية، مليء بالادعاءات الكاذبة والمعلومات غير الصحيحة، وأوضح "شراقي"، أن مصر منذ وضع حجر الأساس لسد النهضة عام 2011، بدأت في الحوار مع إثيوبيا، بما في ذلك زيارة الدكتور عصام شرف، رئيس وزراء مصر السابق، لأديس أبابا لمناقشة تأثير السد، وتشكيل لجنة دولية خلال 2012-2013، ومفاوضات مباشرة لتحقيق توصيات اللجنة، بالإضافة إلى تشكيل لجان ثلاثية وسداسية وتساعية، وبعد ثماني سنوات من الحوار العقيم، دعت مصر إلى دور أمريكي رعى مفاوضات في واشنطن انتهت في 2020 بتوقيع مصر على اتفاق صاغته أمريكا والبنك الدولي، فيما تغيبت إثيوبيا في اللحظات الأخيرة.
من جهته، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية
إن: البيان الإثيوبي يمثل قلبًا صارخًا للحقائق القانونية ومحاولة يائسة لتبرير انتهاكات إثيوبيا المتكررة للقانون الدولي المائي واتفاقية المبادئ الموقعة عام 2015، وأشار مهران إلى أن اتهام إثيوبيا لمصر بعرقلة المفاوضات يتناقض تماماً مع المادة العاشرة من إعلان المبادئ التي تنص على التزام الأطراف بحل الخلافات الناشئة عن تفسير أو تطبيق الاتفاقية بالتوافق أو من خلال آلية يتفق عليها الأطراف، مؤكدًا أن إثيوبيا هي التي رفضت كافة الآليات القانونية الملزمة التي اقترحتها مصر على مدار 15 عامًا من المفاوضات.
وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قد أعرب الاثنين الماضي، عن رفض مصر ما وصفها بالإجراءات الإثيوبية الأحادية بشأن سد النهضة، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني يوهان فاديفول في برلين، محذرًا من أن هذه الإجراءات تشكّل خطرًا داهمًا على مصالح مصر المائية وأمنها القومي، حسب قوله.
وكانت إثيوبيا قد افتتحت سد النهضة رسمياً في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد 14 عامًا من بَدْء أعمال البناء، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا. وسيُوفر مشروع "سد النهضة" الطاقةَ لملايين الإثيوبيين بينما يفاقم الخلافَ مع مصر والسودان، وأُقيم السد على النيل الأزرق بتكلفة تقارب خمسة مليارات دولار، ويضم خزاناً بحجم يقارب مساحة لندن الكبرى، وأدى هذا المشروع العملاق إلى تصاعد كبير في الشعور الوطني الإثيوبي، موحّداً بذلك شعباً مزقته الانقسامات العرقية وغرق في الصراعات الداخلية.
اظهار أخبار متعلقة
ويفتقر جزء كبير من سكان إثيوبيا حالياً إلى الكهرباء. ومن المتوقع أن يوفر السد، بفضل إنتاجه الهائل من الطاقة، الكهرباء لملايين الأشخاص لأول مرة، مما يُحسّن نوعية حياتهم ويُمكّن من أنشطة اقتصادية جديدة، وفق التصريحات الرسمية الإثيوبية، لكن بالنسبة لمصر، فإن السد يجسّد نقيض آمال وطموحات إثيوبيا، وتخشى القاهرة أن يؤدي السد إلى انخفاض حاد في تدفق المياه إليها، مما يفاقم أزمة الشح المائي.