لم تعد
الأحداث في
الضفة الغربية مجرد توترات متفرقة أو اعتداءات فردية، بل تحولت إلى مشروع
ممنهج للتطهير العرقي التدريجي، تُدار فصوله بعناية فائقة وتكامل أدوار مرعب بين آلة
الاحتلال العسكرية وعنف
المستوطنين المتفلت.
إن المشاهد
المروعة في خلايل اللوز شرق بيت لحم، حيث أصيب عشرة
فلسطينيين بهجوم مسلح من المستوطنين
تحت حماية الجيش، تتوازى مع صور الخراب والتهجير القسري في مخيم الفارعة وجنين وطمّون،
هذه الحوادث ليست معزولة، بل هي حلقات متصلة في استراتيجية واضحة تهدف إلى تجريف الأرض،
وتدمير سبل العيش، وكسر إرادة الفلسطينيين لدفعهم نحو النزوح الذاتي.
1- المستوطن
والجندي وجهان لعملة واحدة
الأرقام الرسمية الفلسطينية تفضح حجم المأساة وتؤكد أن الضفة الغربية تعيش عملية قمع ممنهجة ومستمرة منذ أكثر من عامين، بالتوازي مع حرب الإبادة في غزة
إن السمة
الأبرز للتصعيد الحالي هي تكامل الأدوار بين الجيش والمستوطنين، لم يعد
عنف المستوطنين
مجرد أعمال انتقامية أو فردية، بل أصبح جزءا أصيلا من منظومة رسمية للإخضاع.
- غطاء
رسمي للعنف: الهجمات المنظمة التي يشنها عشرات المستوطنين، كما حدث في خلايل اللوز،
تتم تحت حماية مباشرة من قوات الاحتلال، هذا الغطاء يمنع أي محاسبة ويصنع مناخا يسمح
بارتكاب جرائم أكبر، من إطلاق الرصاص الحي إلى محاولات إحراق المنازل والمساجد.
- هندسة
الواقع الديموغرافي: بالتوازي مع عنف المستوطنين الذي يستهدف المدنيين والممتلكات الزراعية
تدمير أكثر من 48 ألف شجرة، تقوم قوات الاحتلال بعمليات اقتحام واسعة ومتكررة. هذه
الاقتحامات، كما في الفارعة وطمّون وجنين، لا تقتصر على الاعتقال والاغتيال، بل تشمل
تدمير البنية التحتية وشبكات المياه والطرق، والتهجير القسري للعائلات، وهدم المباني
بحجة الخطر الأمني. هذا النمط الأخير يعكس سياسة واضحة للتطهير الصامت وهندسة الواقع
الديموغرافي لتفريغ المخيمات والقرى تدريجيا.
2- عامان
من القمع الممنهج
الأرقام
الرسمية الفلسطينية تفضح حجم المأساة وتؤكد أن الضفة الغربية تعيش عملية قمع ممنهجة
ومستمرة منذ أكثر من عامين، بالتوازي مع حرب الإبادة في غزة.
- شهداء
وإصابات ومعتقلون: أدت حملة العنف الإسرائيلية إلى استشهاد أكثر من 1083 فلسطينيا وإصابة
نحو 11 ألفا، إضافة إلى اعتقال أكثر من 20 ألفا و500 شخص. هذه الأرقام تتجاوز مفهوم
المواجهات المتفرقة وتؤكد وجود استراتيجية لتصفية أي مقاومة أو وجود فلسطيني.
- استهداف
مقومات الحياة: لم يقتصر العدوان على البشر، بل طال عماد الاقتصاد الفلسطيني، حيث دُمّرت
آلاف أشجار الزيتون والممتلكات الزراعية إن حرق المساجد، كما في بديا، والاعتداءات
المتواصلة، تهدف بوضوح إلى ترويع السكان وقطع سبل عيشهم لدفعهم نحو النزوح.
3- صمت
دولي وإقليمي يفتح شهية العدوان
إن هذا
التصعيد الدموي يتم في ظل غياب أي رادع حقيقي، الأمر الذي يغذي شهية الاحتلال لتصعيد
جرائمه.
إن الاستقرار الحقيقي لن يعود للضفة إلا بوقف هذا المشروع الاستعماري الشامل ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب كافة
- إدانات
عاجزة: رغم الإدانات الأوروبية الشديدة التي صدرت عن دول كبرى مثل ألمانيا وإيطاليا
وفرنسا وبريطانيا، والتي وصفت العنف بالمهول ودعت الاحتلال إلى الالتزام بالقانون الدولي،
إلا أن هذه البيانات تبقى عاجزة عن فرض أي عقوبات أو تغيير على الأرض، إن تجاهل الاحتلال
لـ500 خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير يثبت أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الاتفاقات
كغطاء لمواصلة سياستها العسكرية.
- صمت
القيادة الفلسطينية، خيانة أم شراكة؟ الخطر الأكبر يأتي من داخل البيت الفلسطيني، إن
صمت السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس المريب، وغياب أي تحرك دبلوماسي فاعل، هو
ما يُمثل شراكة ضمنية في إتاحة المجال لجيش الاحتلال لتنفيذ سياساته دون خشية من ضغط
داخلي، إن انقطاع القيادة عن نبض الشارع وتركيزها على إدارة شؤونها الداخلية، في الوقت
الذي يُهجَّر فيه الأهالي قسرا وتُهدَّم منازلهم، يمثل خيانة سياسية وأخلاقية تعزز
شهية العدوان.
إن ما
يحدث في الضفة الغربية اليوم هو عملية تطهير بطيء وممنهج، تنفّذها آلة الاحتلال بمستوييها
العسكري والاستيطاني، وتُبارَك بصمت دولي وإقليمي وقيادة فلسطينية مستقيلة، هجوم خلايل
اللوز، واقتحام الفارعة، ودمار طمّون، ما هي إلا شواهد على تحوّل الضفة إلى ساحة مفتوحة
لتطبيق سياسة الأمر الواقع بالقوة الغاشمة.
لا يمكن
للفلسطينيين أن يواجهوا هذه الآلة الإجرامية بمفردهم؛ فإلى جانب صمودهم الأسطوري، يتطلب
الأمر تحركا دوليا حقيقيا يخرج عن حدود الإدانة، وضغطا شعبيا لكسر حاجز الصمت الرسمي
الفلسطيني الذي أصبح شريكا في الجريمة .إن الاستقرار الحقيقي لن يعود للضفة إلا بوقف
هذا المشروع الاستعماري الشامل ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب كافة.