من الثوابت القطعية في تاريخ الشعب
الفلسطيني أنه شعب ذو إرادة لا تنكسر وعزيمة لا تلين. شعبٌ حيّ لا يقهر، وستظل
إرادته الصلبة وروحه النابضة صمام أمانٍ في مواجهة
الاحتلال، وسلاحاً لتفكيك
وتــفـتـيت المشروع الصهيوني.
لم تكشف حرب غزة الوجه الاستعماري
الاستيطاني للاحتلال فحسب، بل فضحت أيضاً زيف سردية الإحتلال، وأظهرت أن المشروع
الصهيوني قائم على محاولة إبادة الشعب الفلسطيني والسعي لإقامة "إسرائيل
الكبرى" وفرض هيمنتها على المنطقة.
تمر القضية الفلسطينية اليوم بمنعطف تاريخي
يستلزم طرق جديدة في التفكير والممارسة تُعالج الواقع الراهن وتربطه بمآلاته عبر
رؤية استراتيجية تُـتـرجم إلى تخطيط وتنفيذ لتمكين عبور ناجح نحو التحرير.
الواقع الراهن وسبل التعامل معه
أولوية المرحلة تحتم علينا تقديم كل أشكال
الدعم لأهلنا في غزة، وحماية القضية من مخططات التصفية والوصاية، وضمان تثبيت
الشعب الفلسطيني في أرضه. بالتوازي، يجب الحفاظ على الزخم الشعبي الدولي المؤيد
للقضية وتوسيعه بوسائل متعددة، وتقوية السردية الفلسطينية ومتابعة المسارات
القانونية الدولية ضد الكيان المحتل. الفرص متاحة لمن يستثمرها، فالوقت وقت عمل،
وكل لحظة قابلة لأن تُسجَّل في صفحات التاريخ.
الربط الاستراتيجي
إذا لم يُربَط الواقع الحالي بمآلاته
الاستراتيجية، فستبقى النتائج متقطعة، مجتزئة وضعيفة. إن التغير الحاصل في الوعي
العالمي، وتقدّم السردية الفلسطينية، وتسارع وعي الأفراد والجماعات العابر للحدود
والقوميات والأديان، هي عوامل حقيقية تُنبئ بفرص لاستشراف مستقبل تحرري يقود إلى
كنس الاحتلال وتفتيت المشروع الصهيوني.
لم تكشف حرب غزة الوجه الاستعماري الاستيطاني للاحتلال فحسب، بل فضحت أيضاً زيف سردية الإحتلال، وأظهرت أن المشروع الصهيوني قائم على محاولة إبادة الشعب الفلسطيني والسعي لإقامة "إسرائيل الكبرى" وفرض هيمنتها على المنطقة.
ومع ذلك، فإن هذه اللحظات التاريخية تحمل
تحديات وفرص تتوقف معالجتها على مدى تجديد طرق التفكير وأساليب العمل، لا سيما في
كيفية تجديد الحركة الوطنية الفلسطينية الشاملة من فصائل وحراكات ومؤسسات ومؤتمرات
شعبية، لتتعاون وتتناسق في أدوارها بفاعلية.
التحديات الرئيسة
من أهم العقبات التي تواجه تجديد الحركة
الوطنية الفلسطينية الشاملة:
ـ انشغال الساحة
الفلسطينية الداخلية عن معاناة أهل غزة، واستثمار الأزمة سياسياً بما قد يعمّق
الانقسام الفلسطيني.
ـ انتشار لغة
المكايدة السياسية وخطاب الهزيمة والذرائعية التي تشوّه المسار الوطني.
ـ النظرة الآنية
المجتزأة والمنفصلة عن الربط الاستراتيجي للصراع، واختزال القضية في لحظات ظرفية
دون إدراك السياق والتداعيات، مع التأكيد على أن هذا لا يقلل من حجم التضحيات وما
جرى من مجازر وإبادة ممنهجة.
ـ التمترس
بشرعية التمثيل (مثل م.ت.ف. والسلطة) مقابل شرعية
الدور والتغيير التي تمثلها قوى
المقاومة والحراك الشعبي.
ـ وضع السلطة
الفلسطينية المأزوم وتغييب مؤسسات المنظمة والمجلس الوطني والمجلس المركزي وما
أنتجته اتفاقيات أوسلو من ويلات.
ـ ضعف أو غياب
رؤية استراتيجية واضحة لتفكيك المشروع الصهيوني ودحر الاحتلال، مع تراجع فكرة
تحرير فلسطين كأفق موحّد للعمل الوطني.
الفرص القابلة للاستثمار، من بينها:
ـ جعل الحراك
الشعبي الفلسطيني المحرّك الأساسي لتجديد الحركة الوطنية وبناء مشروع تحرري ذو
أفقٍ استراتيجي طويل.
ـ الاستفادة من
زخم الحراك الشعبي في أوروبا وأميركا، حيث شهدت شوارعها وحدة وتلاحماً فلسطينياً
متنوعاً ـ شملت مختلف ألوان الطيف الفلسطيني ـ وساعد في ذلك وجود بنية تحتية
للعديد من المؤسسات الفلسطينية في أوروبا على مدى العقدين الماضيين
ـ تعميق العمل
على مستويات شعبية ورسمية ونخبوية وأكاديمية لتعزيز السردية الفلسطينية دولياً.
ـ الاستفادة من
بدايات تصدّع الرواية الصهيونية، كفرصة لتعزيز الضغوط السياسية والمعنوية.
ـ لا يتسع
المقام لوصف ما أحدثته حرب غزة من متغيرات حدثت في المنطقة العربية وهي لصالح
القضية الفلسطينية إذا ما ربطنا ذلك بالبعد الاستراتيجي
ـ العمل الدؤوب
على استثمار اللحظات التاريخية وربطها بأهداف استراتيجية واضحة دون اختصار المراحل.
خطط التصفية والوصاية
أما خطة ترمب لتصفية القضية الفلسطينية
والوصاية عليها، فقد شملت نقاطاً مصيرية لم تستطع الفصائل حسم الإجابة عليها لأنها
تتطلب مشاركات على صعيد القوى الفلسطينية، وهنا تبرز الأهمية الاستراتيجية واللحظة
التاريخية لتأخذ القوة الأكبر والأعظم دورها. إنها قوة الحراكات والمؤسسات الشعبية
على امتداد تواجد الشعب الفلسطيني والتي ستفشل خطة ترمب كما أفشلت مخططات التصفية
والوصاية من قبل. يجب أن تؤدي الحراكات الشعبية دورها إلى جانب حركات المقاومة، كل
وفق مهمته، وبانسجام استراتيجي.
أما خطة ترمب لتصفية القضية الفلسطينية والوصاية عليها، فقد شملت نقاطاً مصيرية لم تستطع الفصائل حسم الإجابة عليها لأنها تتطلب مشاركات على صعيد القوى الفلسطينية، وهنا تبرز الأهمية الاستراتيجية واللحظة التاريخية لتأخذ القوة الأكبر والأعظم دورها.
في أوقات العواصف والمنعطفات يعود الناس إلى
ثوابتهم. والثابت الذي لا يتغير هو إرادة الشعب الفلسطيني وعزيمته، شعبٌ مقاوم،
حيّ لا يقهر. فالوقت وقت عمل وتعزيز الحراكات الشعبية العابرة لشرعية التمثيل، لأن
الشعب هو الأصل والشرعية الحقيقية وعدا ذلك فروع للأصل.
إن الفرص والتحديات التي ذكرناها تؤكد أهمية
دور الحراكات الشعبية وتناغمها وتعاونها مع حركات المقاومة وفقاً لمتطلبات الزمان
والمكان لاستثمار اللحظات التاريخية. هكذا تجدد الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها
وتتابع مسار التحرير.
ناشط فلسطيني في اسكندنافيا