قضايا وآراء

طوفان الخذلان.. غزة تحت سياط الدم والوحل

ظاهر صالح
"عندما تغرق خيام النازحين بالوحل وتتهاوى تحت ثقل المطر، فإنها لا تُعلن عن بؤس الطبيعة العادي، بل تُعلن عن الوحشية المتعمدة للمُعتدي"- جيتي
"عندما تغرق خيام النازحين بالوحل وتتهاوى تحت ثقل المطر، فإنها لا تُعلن عن بؤس الطبيعة العادي، بل تُعلن عن الوحشية المتعمدة للمُعتدي"- جيتي
شارك الخبر
من لم تهزّه أشلاء غزة المتناثرة، لن يوقظه غرق خيامهم بالوحل، ومن لم يُمزّق قلبه هدير القصف الذي لا يتوقف، فلن تليَّنه لعنة الصقيع القارص ولا صرخات أطفال الجوع التي تخترق الصمت!

إنها الحقيقة الصاعقة التي تجلدنا جميعا، هناك أجساد الأطفال البريئة والعجّز تئنّ تحت وطأة عدوانٍ أعمى، عدوان لم يترك لهم شبرا آمنا على وجه الأرض، وهناك أرواح تُزهق ببطء، ليس فقط بالقذائف، بل تحت الثقل المزدوج لبرد الشتاء القاتل وقهر العجز العالمي.

لقد جاء الشتاء، لا ليكمل فصول السنة كالمعتاد، بل ليصبح شريكا صامتا في الجريمة، ليُكمل فصول المأساة البشعة التي خطّها الاحتلال وداعميه بدم بارد ودماء الأبرياء، وفضحها الصمت العالمي المُدان الذي يعادل المشاركة بالتنفيذ.

العدو وإراقة الكرامة
هذا العدوان لم يكتفِ بالقتل المباشر بالصواريخ، بل أمعن في القتل بالبطيء عبر التجويع المخطط له، والتشريد الإجباري، والتجميد البطيء

إن ما يجري في القطاع ليس "قدرا محتوما" قضي به، بل هو جريمة مضاعفة وممنهجة يتحمل مسؤوليتها بالكامل ذلك الكيان الغاصب، هو من حوّل سماء غزة إلى جحيم من الحمم المتفجرة. وهو من هدم كل سقف، وكل جدار، وكل ملاذ آمن، عمدا وبقصد، ليُلقي بهم في العراء المفتوح على الموت.

عندما تغرق خيام النازحين بالوحل وتتهاوى تحت ثقل المطر، فإنها لا تُعلن عن بؤس الطبيعة العادي، بل تُعلن عن الوحشية المتعمدة للمُعتدي الذي هندس هذا البؤس بنفسه، لقد جردوا أهل غزة من كل مقومات الحياة، من الأمان، من الغذاء، من الدواء، وأخيرا، من أبسط حقوق الإنسان الحق في مأوى يحمي من المطر والبرد.

هذا العدوان لم يكتفِ بالقتل المباشر بالصواريخ، بل أمعن في القتل بالبطيء عبر التجويع المخطط له، والتشريد الإجباري، والتجميد البطيء.. كل قطرة مطر تخترق خيمة مهترئة هي شاهد إثبات على إرهاب دولة متكامل الأركان، وكل طفل يرتجف من البرد هو لعنة أبدية تلاحق قتلتهم، وتلاحق كل من تواطأ معهم بالصمت أو الإمداد.. لا تبرئة للمجرم، والمسؤولية عن كوارث هذا الشتاء تقع على عاتق من نزع عنهم حق العيش الكريم بكرامة.

لعنة الخذلان

إلى متى ستستمر هذه المهازل؟ هل ماتت النخوة فينا إلى الحد الذي أصبحت فيه قلوبنا أشد قسوة من الصخر؟

إلى العرب والمسلمين.. يا أمة المليار ونصف!.. إن صمتكم الراهن لم يعد مجرد "خذلان"، بل هو تآمر بطيء ودم بارد، هو وصمة عار تاريخية وجريمة في حق الإنسانية والشرف، أصبحت خيم غزة الغارقة في الوحل شاهد قبر على موت ضمائرنا جميعا.

كل قطرة مطر تخترق خيمة مهترئة هي شاهد إثبات على إرهاب دولة متكامل الأركان، وكل طفل يرتجف من البرد هو لعنة أبدية تلاحق قتلتهم، وتلاحق كل من تواطأ معهم بالصمت أو الإمداد

بأي وجه ستقابلون ربكم؟ وبأي كرامة ستحيون على أرضكم وأنتم ترون أهلكم يُبادون أولا بالرصاص والنار، ثم بالبرد القارس والجوع؟ أين المروءة التي تتغنون بها في قصائدكم؟ أين السند والدعم الذي هو واجب الوقت المُقدس؟

إن عار التخاذل لن يغسله ألف طوفان ولا ألف دمعة، المطلوب الآن هو انتفاضة كرامة، زلزال يهزّ عروش الصمت والخنوع، كفى خنوعا! أوقفوا المذبحة فورا!

إلى العالم المتمدّن، إلى المنظمات الدولية الهشة، إلى الضمائر الكاذبة! لقد انهار قناع "الإنسانية" الزائف وتحطّم على عتبة غزة، أنتم لستم مجرد "صامتين"، بل شركاء متفرجون على الإبادة الجماعية. هل ترون العراء والبرد وذلّ الخيام المتهالكة ثم تتحدثون عن "حقوق الإنسان"؟ تبا لحقوق تُداس بأقدام الظالمين!

إن خيام غزة المتهالكة هي صكّ إدانة أزلي بحق كل دولة ومنظمة لم ترفع صوتها عاليا ولم تكسر طوق الحصار المطبق، لن يغفر لكم التاريخ هذا التخاذل الجبان والمخزي، وستبقى غزة بوجعها لعنة تلاحقكم في كل محفل ومنتدى دولي.

النداء الأخير

يا عرب ويا مسلمين ويا عالم! اسمعوا العبارة التي ستبقى محفورة في ذاكرتكم إلى الأبد: إن لم يوقظكم غرق خيام غزة في الوحل، فلتستعدوا لاستقبال طوفان العار الذي سيجرف جبنكم ويغرق كرامتكم إلى الأبد! لقد نفد صبرنا، وزالت حُججنا الواهية، وبقي فقط الغضب المُشتعل واللعنة الأبدية على كل متخاذل!

اللهم يا حيّ يا قيّوم، يا جبار السماوات والأرض، أغث أهل غزة بغوث من عندك، وثبت قلوبهم وأنزل السكينة عليهم.

ويا أهلنا الصامدين في غزة، اصبروا وصابروا، فإن الفجر آتٍ لا محالة. ستزول خيمة الذل ليُبنى قصر الكرامة، وسيُحاسب كل من خذلكم أمام محكمة التاريخ ومحكمة السماء العادلة.
التعليقات (0)