مدونات

بين الصمت وهدير التحوّل: توازن استراتيجي جديد في البحر الأحمر والمحيط الهندي

رميصاء عبد المهيمن
"أي اضطراب في هذه المسارات ينعكس مباشرة على الأسواق، وأسعار الشحن"- الأناضول
"أي اضطراب في هذه المسارات ينعكس مباشرة على الأسواق، وأسعار الشحن"- الأناضول
شارك الخبر
يشهد البحر الأحمر والمحيط الهندي تحوّلات عميقة تعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي في آن واحد، حيث تتشابك الجغرافيا مع المصالح السياسية وتلتقي طرق التجارة مع خرائط النفوذ في أكثر الممرات البحرية حساسية وديناميكية في العالم.

فمن هذين الممرين يعبر أكثر من 30 في المئة من التجارة البحرية العالمية ونسبة كبيرة من تدفقات الطاقة التي ترتبط بها اقتصادات الخليج والشرق الأوسط وجنوب آسيا، ولذلك فإن أي اضطراب في هذه المسارات ينعكس مباشرة على الأسواق، وأسعار الشحن، وتكلفة التأمين البحري التي ارتفعت، وفقا لتقارير الأمم المتحدة بعد عام 2024، بنسبة تتراوح بين 18 في المئة و22 في المئة، بينما زادت تكاليف النقل البحري عالميا بنحو 35 في المئة، مما فرض ضغوطا اقتصادية على الدول المعتمدة على هذه الممرات الحيوية.

وفي هذا السياق يأتي التقارب السعودي-الإيراني ليس بوصفه خطوة سياسية فحسب، بل باعتباره تحولا استراتيجيا يساهم في تخفيف التوترات الإقليمية ويفتح هامشا أوسع للتنسيق الأمني والاقتصادي، خصوصا في القضايا المتعلقة بحماية خطوط الملاحة، واستقرار أسواق الطاقة، ومرونة سلاسل الإمداد.

وتشير الإحصاءات الاقتصادية إلى أن أكثر من 60 في المئة من واردات الخليج و70 في المئة من صادراته تمر عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما يجعل استقرار هذين الممرين جزءا أساسيا من حسابات الموازنات المالية، ونسب التوظيف، وتوجهات الاستثمار اللوجستي.

ويذهب بعض المحللين إلى أن "فهم النظام العالمي الجديد لا يبدأ من خرائط اليابسة بل من خرائط التجارة البحرية"، وهي رؤية تعكس واقع المنافسة الحالية بين الصين التي توسع حضورها من خلال مبادرة الحزام والطريق، والهند التي تعزز موقعها عبر شراكات "Indo-Abrahamic"، والولايات المتحدة التي تعيد توصيف المنطقة باعتبارها جزءا من "Global Maritime Commons".

وفي خضم هذا المشهد تقف دول مثل باكستان في موقع حساس، حيث ترتبط مصالحها الاقتصادية والأمنية مباشرة بهذه التحولات، مما يدفعها إلى اتباع سياسة متوازنة تحافظ على علاقاتها الخليجية والصينية والإقليمية. وإذا طال أمد التوتر في البحر الأحمر فقد تتأثر ميزانيات الطاقة في الخليج وتتراجع وتيرة التجارة بين أفريقيا وآسيا، فيما قد يعاد توجيه الاستثمارات البحرية نحو مسارات أكثر أمنا. أما إذا استمر التعاون السعودي-الإيراني في إطار دبلوماسي هادئ، فمن المتوقع أن تتوسع فرص بناء آليات بحرية مشتركة وسياسات طاقة أكثر توازنا تدعم الاستقرار الإقليمي.

إن أخطر ما يكشفه هذا المشهد هو أن الأزمات البحرية لا تخص دولة واحدة؛ فاضطراب البحر يغيّر المزاج السياسي للمنطقة بأكملها، كما كتب أحد المفكرين: "البحر لا ينتمي لأحد، لكن قلقه يبتلع الجميع". ويبقى السؤال الجوهري: هل ستنجح دول المنطقة في صياغة مستقبل مشترك داخل هذا التوازن الجديد، أم سيظل كل طرف منشغلا بحماية ساحله بينما تتسع الفجوة الجيوسياسية في قلب المنطقة؟

[email protected]
التعليقات (0)