رغم الرغبة الأمريكية والإسرائيلية بتوسيع رقعة
التطبيع مع المزيد من الدول العربية والإسلامية، وآخرها إعلان
الولايات المتحدة انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات التطبيع، وهي التي حافظت على علاقات مباشرة مع دولة
الاحتلال لأكثر من ثلاثة عقود، فإن هناك مخاوف بدأت تتكشف أمام
الإسرائيليين من انضمام هذه الدول إلى التطبيع.
وذكر خبير في السياسة الدولية وإدارة الأزمات والاتصال الاستراتيجي، شاي غال، أنه "عندما أعلن ترامب "انضمام" كازاخستان لاتفاقيات أبراهام، بدا الأمر إنجازا دبلوماسيا، رغم أنه في الواقع مجرد استعراض، ووهم جيو-استراتيجي، حيث يرتبط إسرائيل وكازاخستان بعلاقات كاملة منذ أكثر من ثلاثة عقود، أولها زيارات شمعون بيريس في 2009، وبنيامين نتنياهو في 2016، ورئيس كازاخستان الذي زار إسرائيل في 1995 و2013، وتعاونهما في التكنولوجيا والزراعة والطاقة، ونفط كازاخستان المُكرّر في حيفا، وإطلاق أقمار عاموس الصناعية الإسرائيلية من أراضيها".
وأضاف غال، في مقال نشرته صحيفة "
يسرائيل هيوم"، وترجمته "عربي21" أنه "في ضوء كل هذا السجل من العلاقات القائمة، فإنه لم يكن هناك ما يُبرر "التطبيع"، وقد أدركت دولة إسرائيل ذلك فورًا، واختارت الصمت، سياسةً لا إحراجًا، لأن هذه الخطوة كشفت عن مشكلة أوسع نطاقًا، فواشنطن تُسوّق حاليًا خريطتين في آن واحد، وهما عبارة عن مسارين ورؤيتين لنظام عالمي جديد".
اظهار أخبار متعلقة
وشرح قائلا إن "المسار الأول هو "الممر الأوسط" الذي تقوده
تركيا، ويربط الصين بأوروبا عبر كازاخستان وبحر قزوين والقوقاز، وممر زانجيزور الذي فُتح عقب السلام بين أذربيجان وأرمينيا، ويُفترض أنه بديل لخط السكك الحديدية العابر لسيبيريا الذي توقف منذ الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه في الواقع أداة في يد أنقرة لتوسيع نفوذها".
وأكد أنه "من جهة أخرى، هناك مشروع IMEC، الممرّ الهندي المتوسطي، وهو مشروع متعدد الأبعاد يربط الهند والإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان بأوروبا، عبر شبكة من الموانئ والسكك الحديدية والطاقة والبيانات".
وأشار إلى أن "الفرق هنا ليس جغرافيًا فحسب، بل أساسي أيضًا، لأن الممر الأوسط هو تنويع للمسار، وليس القوة، واستبدال الاعتماد على موسكو مع أنقرة، بينما IMEC هو تنويع حقيقي، وجسر هندي عربي متوسطي يمتد من مومباي في الشرق إلى بيريوس في الغرب، ويعبر الأردن وإسرائيل إلى البحر المتوسط، ويعطي العالم ركيزة طريق الاستقرار في مواجهة روسيا والصين وتركيا".
وأكد أنه "عندما ضم ترامب كازاخستان إلى قطار التطبيع، وهي دولة تربطها عضويتها في الاتحاد الأوراسي بموسكو، تحت علامة اتفاقيات أبراهام، فقد طمس التمييز بين الممرات، وخلط الرموز بالواقع، وقوض الرسالة الاستراتيجية للولايات المتحدة".
وأضاف أن "هناك أيضًا اعتبار أمريكي مباشر وراء هذه الخطوة، ويتمثل بالوصول لكنوز اليورانيوم والمعادن النادرة في كازاخستان، وهي ضرورية للصناعات الأمريكية، ولعل إحدى نتائج هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، هي إيقاف مشروع الممر الذي تم الإعلان عنه قبل شهر بالضبط في نيودلهي، وفهم الإيرانيون ذلك، ومفادها أن IMEC هو مسار للاستقرار والتطبيع والشراكة الإسرائيلية السعودية، وهو تهديد مباشر لمحورهم".
وأشار إلى أن "الحوثيين في اليمن هاجموا ممرات الشحن في البحر الأحمر، وأبطأوا حركة المرور بشكل كبير في قناة السويس، وتجاوزت مئات السفن إفريقيا، وارتفع التأمين التجاري، وأعاد العالم اكتشاف تكلفة الاعتماد على طريق واحد، وهنا انتهزت تركيا الفرصة، فبينما أدان الرئيس رجب طيب أردوغان الضربات الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين، فقد قدم ممرّه كبديل "آمن"، بينما كان يستمتع بالفوضى، ولم يكن هذا من قبيل المصادفة، بل كان سياسة".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أنه "في المقابل، قدمت الهند العكس تمامًا، وأثبتت الحروب الأخيرة حول العالم أن الردع في القرن الحادي والعشرين لا يقتصر على الصواريخ، بل على تكامل الاستخبارات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأقمار الصناعية وسلاسل التوريد والتنسيق بين القارات، وهذا هو بالضبط منطق IMEC، فالقوة مبنية على الاتصال، وليس التبعية، وما تم إيقافه في السابع من أكتوبر ليس ترفًا، بل ضرورة أمنية واقتصادية، من خلال تأمين شريان حياة، ونظام دفاعي للحرية والأمن، والبنية التحتية لجميع شركائه وللعالم الحر بأكمله".
وأوضح أن "ممر IMEC ينتقل بالفعل من مرحلة الرؤية إلى مرحلة التنفيذ، من خلال خطوط سكك حديدية جديدة في الهند والسعودية، وتوسيع موانئ جدة وحيفا، وأكبر مشروع للكهرباء تحت الماء في أوروبا، وهو مشروع الربط البحري العظيم بتمويل من الاتحاد الأوروبي بـ657 مليون يورو".
وختم بالقول إنه "خلال قمة الطاقة الأخيرة في أثينا، جددت دولة الاحتلال واليونان وقبرص والولايات المتحدة آلية "3+1" ووضعت الأساس للمرحلة التالية، وكل ذلك يؤكد أن العالم يتحرك بين الخيال والواقع، وهنا تُختبر السياسة الخارجية الأمريكية: بين إدارة الأوهام وإرساء نظام مستقر، من المستحيل الجمع بينهما".