سلط تقرير لصحيفة "الكونفيدينسيال" الإسبانية الضوء على الجدل الذي أثارته
الفيفا عقب استحداث جائزة جديدة للسلام، يُرجَّح أن تكون تمهيدًا لتكريم دونالد
ترامب رغم تناقض سلوكه مع قيم المنظمة.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الفيفا ستسلّم في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر المقبل “جائزة الفيفا للسلام” في واشنطن، خلال حفل سحب قرعة مجموعات كأس العالم المقبلة، معتبرة أن مسؤولي كرة القدم الدولية رأوا أنّ الوقت مناسب لتكريم من “يسعى لجلب السكينة إلى الكوكب” في هذه المرحلة القاتمة.
وتساءلت الصحيفة عن هوية المرشح الذي قد تنطبق عليه هذه المعايير، مشيرة إلى أن الإعلان عن الجائزة أثار شكوكًا فورية، خاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المضيف الرئيسي للمونديال، لم يُخفِ طموحه في الحصول على
نوبل للسلام، إذ قال: "لا أعتقد أن أحدًا في التاريخ حلّ هذا العدد من الحروب، لكن ربما يجدون ذريعة لعدم منحي إياها"، مضيفًا في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول: "سيمنحونه لشخص لم يفعل شيئًا على الإطلاق… لا أريده لنفسي، أريده للبلد".
وأشارت الصحيفة إلى أن الفيفا تبدو أمام “مأزق” مع هذه الجائزة المفاجئة التي تبدو وكأنها صُمِّمت خصيصًا لإرضاء الدولة المضيفة، خشية أن يتحوّل المونديال إلى مصدر توتر قبل انطلاقه. ورغم أن البطولة تُنظَّم بين ثلاث دول، فإن الفيفا تتعامل مع كندا والمكسيك كأنهما شريكان ثانويان.
اظهار أخبار متعلقة
كما نقلت الصحيفة عن رئيس الفيفا، جياني إنفانتينو، قوله: "في عالم يزداد اضطرابًا وانقسامًا، من الضروري الاعتراف بالمساهمات الاستثنائية لمن يعملون لوضع حدّ للصراعات وتوحيد الناس بروح السلام”، مضيفًا أن الجائزة ستكرّم الجهود التي “تمنح الأمل للأجيال المقبلة".
وبيّنت الصحيفة أن الأمر اتضح أكثر خلال مشاركة إنفانتينو في منتدى أمريكا للأعمال في ميامي، حيث سأله مقدّم الحفل ساخرًا: "هل سيكون الفائز شخصًا رأيناه هنا من قبل؟" في إشارة إلى ترامب. فأجاب إنفانتينو مبتسمًا: "ربما تكون أنت… سنرى في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول"، وسط ضحكات الحضور.
وأضافت الصحيفة أن مهمة الفيفا في هذا المونديال معقّدة وحسّاسة، فـإنفانتينو يدرك أن أجواء الوئام المطلوبة يمكن أن تتبدد بتغريدتين فقط من الرئيس المضيف، وهو ما يفسّر حرصه المبالغ فيه على إظهار المودة تجاه ترامب، قائلًا: "لدي علاقة ممتازة معه… وأعتبره صديقا مقرّبا (…) لديه طاقة هائلة، يفعل ما يقول، ويجاهر بما يفكر فيه كثيرون لكنهم لا يجرؤون على قوله، ولهذا هو ناجح للغاية".
وأشارت الصحيفة إلى أنّ تصريحات ترامب تعكس قناعة راسخة بأن
جائزة سلام واحدة لا تفي بما يرى أنه يستحقه، رغم أنّ كثيرا من سلوكه وخطابه يناقض القيم التي تتغنّى بها الفيفا نفسها. وأوضحت أن الموقع الرسمي للفيفا يخصّص فصلًا كاملًا للقيم والسلوكيات التي ينبغي أن يتحلّى بها اللاعبون الصغار، وتشمل خمسة مبادئ جوهرية: احترام قواعد اللعبة واكتشافها، الاندماج داخل المجموعة، احترام الخصوم، تقبّل قرارات الحكّام والمدرّبين، والتحلّي بروح رياضية في مختلف الظروف.
وتابعت الصحيفة أن ترامب، رغم كونه رئيسًا شرعيا انتُخب بأغلبية واسعة من الأمريكيين، إلا أن احترام القواعد، وروح الفريق، واحترام الخصوم، وتقبّل قرارات الحكّام، والتحلي بالروح الرياضية ليست من خصاله المميزة. وليس مطلوبًا أن تكون كذلك، فهو شخصية سياسية استثنائية يصعب التوفيق بينها وبين أولى جوائز الفيفا للسلام، بعد أن حطّم في مسيرته العامة تلك القيم التي تحرص بيت كرة القدم العالمية على تلقينها للأطفال.
وبيّنت الصحيفة أنّ للجائزة بُعدا سياسيا واضحا، إذ تُمنح لمن "يقاتلون من أجل السلام"، فيما يفاخر ترامب بأنه أنهى سبع حروب وثامنة يزعم أنه بصدد إنهائها مع بوتين.
ورغم عدم دقة هذه الادعاءات، التي تُسند لواشنطن دورًا محوريًا في نزاعات لم تعترف أطرافها بذلك أو لم تُحسم بعد، فإن الإدارة الحالية تدفع فعلًا نحو حوارات في أزمات مزمنة، مثل الصراع بين فلسطين والاحتلال الإسرائيلي، وكذلك بين أوكرانيا وروسيا بحسب الصحيفة.
اظهار أخبار متعلقة
وتساءلت الصحيفة عمّا إذا كان ترامب رجل سلام يستحق جائزة دولية، مؤكدة أن المسألة محل نقاش، كما هو حال معظم الجوائز. وقد حصل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على نوبل للسلام قبل أن يفعل شيئًا سوى إعلان حسن النية، بينما يحمل ترامب سجلًا طويلًا، وإن لم يكن دائمًا لصيقا بالانسجام والتوافق، ففي هذا المونديال الثلاثي، وصف شركاءه المكسيكيين بأنهم "مجرمون ومغتصبون"، وعرض على الكنديين "أن يكونوا الولاية 51"، مختزلا دولة ذات سيادة وعضوًا في مجموعة السبع إلى مجرّد تابع لواشنطن.
وأوضحت الصحيفة أن نهج ترامب ليس أكثر تساهلًا مع مواطنيه، إذ نشر مؤخرًا، على وقع احتجاجات ضده، فيديو مُولّدًا بالذكاء الاصطناعي على “تروث سوشال” يُظهره يقود طائرة تُلقي القذارة على الأميركيين المعارضين، متسائلة: هل هذه هي “قيم السلام” التي ستُكافئها الفيفا؟
ولفتت إلى أن كأس العالم المقبلة ستواجه تحديات معقّدة مع الدولة المضيفة، الولايات المتحدة؛ فالبطولة التي يُفترض أن تكون احتفالًا عالميًا بالتآخي تُثير أسئلة حسّاسة حول دخول المشجعين الإيرانيين، وإمكانية السماح لأي حامل لتذكرة مباراة وتذكرة سفر بالدخول دون قيود، ومدى توقف الاعتقالات والتفتيشات التي تستهدف أصحاب المظهر المهاجر خلال البطولة، فضلا عن كيفية موازنة واشنطن بين سياستها الصارمة في التأشيرات والانفتاح الذي تفرضه استضافة المونديال.
وفي الختام، رجّحت الصحيفة أن يسهم تكريم ترامب خلال قرعة المجموعات في 5 ديسمبر/ كانون الأول بواشنطن في تهيئة أجواء أكثر انسجامًا، في حين قد يؤدي حرمانه من الجائزة إلى نتائج عكسية، مشيرةً إلى أن الفيفا ستسلّم “جائزة الفيفا للسلام” خلال الحفل، ومتسائلة عمّا إذا كان ثمة مرشّح يليق بتكريم من “يسعى لجلب السكينة إلى الكوكب” في هذه الأوقات القاتمة.