أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تنفيذ الجيش الأمريكي، الجمعة، عن ضربة جديدة قرب فنزويلا في
البحر الكاريبي استهدفت قاربًا يُزعم أنّه كان يُستخدم لتهريب المخدرات. وأكدت شبكة "سي بي إس نيوز" أنّ مسؤولًا أمريكيًا تحدث عن وجود ناجين من القارب المستهدف، من دون الكشف عن عددهم أو حالتهم الصحية.
وتعدّ هذه الضربة الأحدث في سلسلة الهجمات الأمريكية في المنطقة، والتي أوقعت حتى الآن ما لا يقلّ عن 27 قتيلًا، والتي تأتي بعد نحو يومين منذ أن أُعلن الرئيس الأمريكي إنه سمح لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالعمل داخل فنزويلا للحد من التدفقات غير الشرعية للمهاجرين والمخدرات من الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، وهو ما أثار قلق بعض الخبراء القانونيين والمشرعين الديمقراطيين الذين يتساءلون عما إذا كانت هذه العمليات تتماشى مع قوانين الحرب.
تحشيد أمريكي في الكاريبي
وكالة رويترز قالت إن هذه الضربات تأتي في ظل حشد عسكري أمريكي متزايد في منطقة الكاريبي يشمل مدمرات بصواريخ موجهة، ومقاتلات "إف-35″، وغواصة نووية، ونحو 6500 جندي، بالتزامن مع تصعيد الرئيس ترامب للمواجهة مع الحكومة الفنزويلية.
وفي السياق، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن أن الولايات المتحدة نشرت أسلحة متطورة في منطقة البحر الكاريبي وفي الأجواء شمال فنزويلا، وأوضحت أن وزارة الحرب نشرت قوات عمليات خاصة من النخبة بما في ذلك فوج الطيران السري 160، وتشتهر تلك القوات بمشاركتها في الغارة التي قتلت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وتستعين بالطائرات المروحية الكبيرة للنقل والهجوم.
ترامب عن مادورو: "يخاف منا"
وفي الوقت الذي تزداد فيه التكهنات داخل كراكاس بأن الولايات المتحدة تحاول الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أطلق ترامب تصريحا تضمن لفظا نابيا، حيث قال إن مادورو مستعد لتقديم تنازلات كبيرة لأنه "لا يريد اختبار صبر الولايات المتحدة"، وأكد في مؤتمر صحفي قائلا: "نعم، قدم مادورو للولايات المتحدة كل ما يستطيع تقديمه. أتعرفون لماذا؟ لأنه لا يجرؤ على المزاح مع الولايات المتحدة".
وقال ترامب إن مادورو عرض كل شيء في محادثات مع واشنطن، قبل أن يقرر إلغاءها الأسبوع الماضي،فيما نقلت نيويورك تايمز أن مادورو عرض منح الولايات المتحدة حصة واسعة في ثروات بلاده النفطية والمعدنية، فيما ذكرت أسوشيتد برس أن مسؤولين في كاراكاس بحثوا خطة لتنحيه تدريجيا لتخفيف الضغط الأمريكي.
تعبئة فنزويلية على الحدودوفي رسالة إلى مجلس الأمن، طلب سفير فنزويلا لدى الأمم المتحدة، صمويل مونكادا، من الأمم المتحدة اعتبار أن الضربات الأمريكية قبالة سواحل بلاده غير قانونية وإصدار بيان يدعم سيادة فنزويلا، متهما واشنطن باستهداف "قوارب مدنية تعبر المياه الدولية".
أما الرئيس الفانزويلي نيكولاس مادورو، أعلن خلال تصريح له رفضه للحرب في منطقة البحر الكاريبي، أو تغيير النظام بالانقلابات التي تنظمها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مؤكدا استعداد بلاده للقتال، قائلا لحشد من أنصاره: "الشعب مستعد للقتال، مستعد للمعركة"، وأضاف: "فنزويلا لن تُهان. فنزويلا لن ترضخ لأحد. ستواصل فنزويلا مسيرتها نحو السلام والوئام والاستقرار".
وحركت فنزويلا الخميس قواتها إلى مواقعها على ساحل البحر الكاريبي، في استعراض للتحدي وفقا لما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، وأعلن الجنرال ميشيل فالاداريس، قائد العمليات الدفاعية في ولاية تاتشيرا الحدودية، عن نشر 17 ألف جندي ضمن مناورات عسكرية واسعة تهدف إلى "رفع مستوى الجهوزية القتالية"، وفي ولاية أمازوناس الجنوبية، أوضح الجنرال ليونيل سوجو أنّ الجيش بدأ بتنظيم قواته لحماية "المنشآت الاستراتيجية والخدمات الأساسية"، مع إشراك "الشعب المسلّح" في هذه الاستعدادات.
مخاوف انزلاق المنطقة إلى مواجهة مباشرة
الأزمة المتفاقمة لم تبقَ حبيسة الميدان، بل بدأت تُحدث ارتدادات سياسية وعسكرية في كلا البلدين، ففي الولايات المتحدة، أعلن الأدميرال ألفين هولسي، قائد القوات الأمريكية في أمريكا الجنوبية والوسطى، استقالته المفاجئة بعد عام واحد فقط من توليه المنصب، مكتفيًا بالقول، إنه سيغادر الخدمة بعد 37 عامًا في البحرية الأمريكية.

وفي المقابل، واجهت نائبة الرئيس الفنزويلي ديلسي رودريغيز حملة اتهامات من صحف أمريكية، أبرزها "ميامي هيرالد"، زعمت دخولها وشقيقها في مفاوضات سرّية مع واشنطن للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو مقابل البقاء في السلطة، وردّت رودريغيز قائلة: "هذا كذب! إنها حرب نفسية ضد الشعب الفنزويلي، والثورة البوليفارية موحدة خلف الرئيس مادورو"، مرفقة منشورها بصورة تجمعها به.
استعداد روسيا للوساطة
وفي محاولة لتجنب الحرب، كشفت صحيفة "إزفيستيا" الروسية عن استعداد فنزويلا لقبول وساطة من روسيا، ومن جانبها، قد تدرس موسكو هذا الخيار في وقت أدان فيه الكرملين استهداف سلاح الجو الأمريكي السفن في المياه الدولية بالقرب من فنزويلا.
وفي الصدد، قال الأستاذ في جامعة واين ستيت في ديترويت، سعيد خان، لـ "إزفيستيا": "تبدو الإجراءات الأمريكية ردًا غير مقنع على خطر الاتجار بالمخدرات المزعوم لعدة أسباب: أولًا، لا يوجد دليل قاطع على أن الاتجار بالمخدرات يُمثل مشكلة حقيقية؛ ثانيًا، نُفذت العمليات العسكرية الأمريكية في المياه الدولية، وهو أمر غير قانوني في جوهره؛ وأخيرًا، هذه الإجراءات غير متكافئة وغير مناسبة، فيقال إنها تستهدف سفن صيد لا تحمل أي ذخائر خطرة. زد على ذلك، تُنفّذ الولايات المتحدة هذه الإجراءات دون أي دليل على وجود أي مخدرات على متن السفن التي تُهاجمها".
وأكد خان أنّ هناك أيضًا أسبابًا اقتصادية بالإضافة إلى الأسباب السياسية للعملية الأمريكية، وتتلخص في ضرورة إزاحة مادورو (فواشنطن لا تعترف بفوزه في الانتخابات الرئاسية العام الماضي). "فنزويلا مُنتج كبير للنفط، وقد سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى تحييد نفوذها (النفطي) الإقليمي والعالمي. وهذا يُثبت أن عداء الولايات المتحدة لكاراكاس سابق للاهتمام المُعلن حاليًا بمشكلة المخدرات".
كوبا والبرازيل تدخلان على خط التهديد
بدورها، حذرت كوبا من التصعيد المتزايد من جانب الولايات المتحدة ضد جمهورية فنزويلا البوليفارية، والتي تسعى إلى الإطاحة بحكومة الرئيس نيكولاس مادورو موروس وإقامة حكومة قالت إنها ستكون خاضعة وعلى استعداد للتنازل عن نفط فنزويلا ومواردها الطبيعية الرئيسية وسيادتها الوطنية للولايات المتحدة.
وأضافت الحكومة الكوبية، إن ذرائع هذا الانتشار العسكري الاستثنائي وغير العقلاني من جانب الولايات المتحدة واهية وقائمة على الخداع، ومن غير المقبول قانونيًا وأخلاقيًا استخدام مثل هذه الادعاءات كذريعة لشن عدوان عسكري على دولة ذات سيادة.
من جهته، رفض الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أي مطالب من حكومة أجنبية بشأن ما ينبغي أن تكون عليه كوبا وفنزويلا، لأن الشعبين "هما سيد مصيرهما"، وقال الرئيس في خطابه أمام مؤتمر الحزب الشيوعي البرازيلي: "يقول الجميع إن البرازيل ستصبح فنزويلا. البرازيل لن تكون فنزويلا أبدًا، وفنزويلا لن تكون البرازيل أبدًا. الجميع سيكونون كما هم. نحن ندافع عن فكرة"، مضيفا:" الشعب الفنزويلي هو سيد مصيره، وليس من حق أي رئيس دولة أخرى أن يقرر كيف ستكون فنزويلا أو كوبا".
" ثلاثة سيناريوهات محتملة"
وفي تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي، قدمت فيه 3 سيناريوهات محتملة لتطور الموقف الأميركي تجاه فنزويلا، وسط استمرار الجدل بشأن قدرة الولايات المتحدة على دفعها نحو تحول ديمقراطي سلمي من دون الانزلاق إلى صراع عسكري واسع، وتشير تقديرات إلى أن واشنطن قد تلجأ إما إلى دعم انتفاضة داخلية ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أو شنّ ضربات عسكرية مباشرة، أو مواصلة الضغط الدبلوماسي لتحقيق انتقالٍ سلمي، وبينما يبقى كلُّ خيارٍ محفوفًا بالمخاطر والصعوبات، فإن تحرّك واشنطن قد يحدّد مستقبل فنزويلا والسياسات الأمريكية في المنطقة.
تتهم واشنطن مادورو بالضلوع في تهريب المخدرات وقيادة كارتيل دولي، وهي اتهامات يرفضها الأخير ويصفها بأنها "ذرائع لعدوان جديد"، وكانت وزارة العدل الأمريكية قد رفعت في آب/أغسطس قيمة المكافأة مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقاله إلى 50 مليون دولار.