تفاقم التوتر بين أفغانستان وباكستان الأحد 12 تشرين الأول/أكتوبر، بعدما اندلعت اشتباكات عنيفة على طول خط ديورند خلّفت عشرات القتلى من الجانبين.
وأعلنت كابول تنفيذ عملية وصفتها بـ"الناجحة" ضد مواقع
باكستانية قالت إنها جاءت ردا على "انتهاكات متكررة وضربات جوية"، بينما أقرت إسلام آباد بسقوط 23 جنديا لديها وتوعدت برد "قوي وفعّال"، مؤكدة في المقابل أنها قتلت "أكثر من 200" من عناصر
طالبان ومقاتلين حلفاء لهم.
وتزامن التصعيد مع إغلاق معابر حدودية رئيسية، ومع أحاديث عن وساطة قطرية سعودية، واتهامات متبادلة تشمل حركة طالبان باكستان وامتدادات الملف إلى
الهند، على خلفية انفجارات سبقت المواجهات في كابول وجنوب شرق البلاد.
العملية الحدودية وحصائل متباينة
أعلنت الحكومة الأفغانية أن قواتها نفذت ليلة السبت عملية عسكرية "ناجحة" قرب الحدود المشتركة.
وقال المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد إن العملية أسفرت عن "مقتل 58 جنديا باكستانيا وإصابة 30"، مع الإشارة إلى "مقتل 9 من مقاتلي طالبان".
وذكر الناطق باسم وزارة الدفاع في كابول، عناية الله خوارزمي، أن التحرك جاء "ردا على الانتهاكات المتكررة والضربات الجوية التي استهدفت الأراضي الأفغانية بمبادرة من الجيش الباكستاني"، مؤكدا أن قواته "حققت أهدافها بدقة".
من جانبها، أقرت إسلام آباد بمقتل 23 من جنودها خلال الاشتباكات، وأكد الجيش الباكستاني في بيان الأحد أن قواته "قتلت أكثر من 200 من عناصر طالبان ومقاتلين تابعين لهم في عمليات قصف وغارات وضربات دقيقة".
تهديدات متبادلة وتصريحات رسمية
شدد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف على أن "الدفاع عن باكستان ليس موضع مساومة"، وتوعّد بأن "أي استفزاز سيواجه برد قوي وفعّال"، متهما حكومة طالبان في كابول بإيواء "عناصر إرهابية" تستهدف الأمن الباكستاني.
وهاجم وزير الداخلية محسن نقفي أفغانستان قائلا إنها "تلعب بالنار والدم"، محذرا من أن بلاده سترد "مثلما فعلت مع الهند" في المواجهة العسكرية الأخيرة في أيار/مايو التي شهدت إطلاق صواريخ وغارات بطائرات مسيّرة وقصفا مدفعيا.
في المقابل، صرّح ذبيح الله مجاهد الأحد أن "باكستان هي من بدأت الهجوم صباح اليوم، ونحن مستعدون للرد بقوة"، مؤكدا سيطرة قوات طالبان على مواقع أمنية تابعة للجيش الباكستاني.
وقال وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي إن بلاده "حققت أهدافها" في عملية مساء السبت ضد باكستان، مع تأكيد رغبة كابول في "علاقات جيدة" لكنه هدد بـ"التعامل مع الوضع بطرق أخرى إن لم ترغب إسلام أباد في الحوار"، مضيفا أن "الوضع على الحدود مع باكستان طبيعي في الوقت الراهن" مع دعوة إسلام آباد إلى "السيطرة على مشكلة الحركات المسلحة داخل حدودها".
بدايات التصعيد والانفجارات
وبدأ التصعيد الخميس بعد قصف نفذته طائرات باكستانية استهدف العاصمة كابول ومناطق في جنوب شرق البلاد، ما أدى إلى وقوع ثلاثة انفجارات متتالية. واتهمت وزارة الدفاع في حكومة طالبان الجيش الباكستاني بالوقوف وراء تلك الغارات، معتبرة أنها "انتهاك صارخ للسيادة الأفغانية".
في المقابل، نفت إسلام آباد مسؤوليتها عن القصف، لكنها أكدت أن حدودها تعرضت لهجمات وردّت على "مواجهات مسلحة" انطلقت من ولايات كونار وننغرهار وبكتيا وخوست وهلمند الواقعة على خط ديورند الفاصل بين البلدين.
معابر مغلقة واشتباكات متقطعة
قال مسؤولون باكستانيون إن بلادهم أغلقت المعابر الحدودية مع أفغانستان الأحد، عقب تبادل إطلاق النار خلال الليل. وتحدثت مصادر أمنية من جانبي الحدود عن إغلاق معبري تورخم وشامان، مع استمرار إطلاق نار متقطع في منطقة كورام وفقا لمسؤولين محليين وسكان.
وأفاد مسؤول رفيع في بيشاور بولاية خيبر بختونخوا أن "قوات طالبان بدأت هذا المساء باستخدام أسلحة خفيفة ثم المدفعية الثقيلة في أربعة مواقع على الحدود"، موضحا أن القوات الباكستانية "ردت بإطلاق كثيف للنار وأسقطت ثلاث مسيرات أفغانية يشتبه في أنها كانت تنقل متفجرات".
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية انتهاء العمليات عند منتصف الليل، مع تحذير من الاستعداد "للتفاعل والتحرك بحزم" إذا تكررت الانتهاكات.
علاقات متوترة منذ 2021 وخط ديورند
تتواصل الاتهامات المتبادلة منذ عودة طالبان إلى الحكم عام 2021. وتلقي باكستان باللوم على حركة طالبان باكستان، التي تتشارك العقيدة مع طالبان الأفغانية، في مقتل مئات الجنود منذ ذلك التاريخ. وتتهم كابول بدورها إسلام آباد بدعم جماعات "إرهابية"، فيما تنفي الأخيرة ذلك.
هجمات طالبان باكستان
أعلنت حركة طالبان باكستان السبت مسؤوليتها عن هجمات مميتة في ولاية خيبر بختونخوا أسفرت عن مقتل 23 شخصا، بينهم ثلاثة مدنيين.
وأشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة في وقت سابق هذا العام إلى أن حركة طالبان باكستان "تتلقى دعما لوجستيا وعملياتيا من السلطات الفعلية في كابول"، في إشارة إلى حكومة طالبان، لكن الأخيرة نفت هذه الاتهامات بشكل قاطع.
وقال وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف أمام البرلمان الخميس إن بلاده "بذلت جهودا عديدة لإقناع سلطات طالبان الأفغانية بوقف دعمها لحركة طالبان الباكستانية، لكن تلك الجهود باءت بالفشل".
وساطة قطرية سعودية ومواقف خليجية
قال وزير الخارجية الأفغاني إن قطر والسعودية تدخلتا للوساطة بعد تبادل إطلاق النار مساء السبت، وإن الدولتين أصدرتا بيانين أعربتا فيهما عن القلق.
وأكدت المملكة العربية
السعودية في بيان لوزارة الخارجية على منصة "إكس" أنها "تتابع بقلق التوترات والاشتباكات" ودعت إلى "ضبط النفس، وتجنب التصعيد، وتغليب لغة الحوار والحكمة"، مع تأكيد دعمها "للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تعزيز السلام والاستقرار" وحرصها على "استتباب الأمن بما يحقق الاستقرار والازدهار للشعبين الباكستاني والأفغاني الشقيقين".
وبدوره، قال المفتي العام لسلطنة عمان، الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، في تدوينة على منصة إكس: "وكم كنّا نتمنّى من #باكستان الشقيقة - بعد انتصارها الساحق على دولة من أكبر دول الكفر- ألّا تُضيع هذه المكاسب بتوجيه سلاحها إلى دولة إسلامية. على أننا ندعو إمارة #أفغانستان الإسلامية الشقيقة إلى ضبط النفس، وعدم تصعيد الموقف،".
الأطراف المتورطة في النزاع
تشمل المواجهات القوات المسلحة الأفغانية التابعة لحكومة طالبان، والجيش الباكستاني، وحركة طالبان باكستان.
وتضيف إسلام آباد اتهامات مباشرة للهند بتقديم التمويل والدعم للحركة.
وقالت كابول الأحد إنها أوقفت الهجمات "بناء على طلب قطر والسعودية"، فيما صدر عن الدولتين بيانان أعربا فيهما عن القلق إزاء الاشتباكات.
من جانبه، اتهم ناشط يمني السعودية قائلا: "قبل أيام قليلة وقعت السعودية اتفاقية عسكرية مع باكستان وخرج الإعلام السعودي يصفها بأنها "اتفاق إسلامي"!! لكن منذ توقيع هذه الاتفاقية، بدأت باكستان تهاجم الإمارة الإسلامية في أفغانستان".
وأضاف: "واشتعلت مجددا الخلافات والفتن التي كانت قد هدأت بين البلدين! بصراحة، حيثما تتجه أموال دول الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية، تجد أن المستهدف هو المسلم الحر الذي لا يخضع للإملاءات الأمريكية والغربية، للأسف السعودية والإمارات خصصوا أموالهم لخدمة الرغبة الأمريكية، ولمحاربة قضايا الأمة الإسلامية".
هل للهند علاقة بما جرى؟
تحدثت باكستان عن "حركة طالبان الأفغانية وجماعة فتنة الخوارج المدعومة من الهند" في سياق الهجوم على طول الحدود، وهي اتهامات نفتها الهند.
وبالتزامن، رفعت نيودلهي مستوى علاقاتها مع كابول قبل أيام، بإعلان إعادة فتح سفارتها التي أغلقت بعد عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، مع تأكيد أفغاني بإرسال دبلوماسيين إلى الهند.
وكانت الهند قد أدارت بعثة صغيرة منذ 2022 لتسهيل التجارة والدعم الطبي والمساعدات الإنسانية. ويُذكر أن نحو 12 دولة تبقي سفارات في كابول، بينها الصين وروسيا وإيران وباكستان وتركيا، فيما تبقى روسيا الدولة الوحيدة التي اعترفت رسميا بالحكومة الأفغانية التي يخضع وزراؤها لعقوبات أممية تشمل حظر السفر وتجميد الأصول.
موجة ترحيل لاجئين وضغط إنساني
ورحّلت باكستان الشهر الماضي آلاف الأفغان من حملة بطاقة لاجئ أصدرتها الأمم المتحدة، مع تسارع وتيرة العودة رغم الزلزال المدمر الذي ضرب أفغانستان في نهاية الأسبوع الماضي. ودفع ذلك المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى مناشدة حكومة باكستان "تعليق تنفيذ خطة إعادة الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني" في ضوء الظروف الراهنة.
روايات ميدانية عبر وكالة الصحافة الفرنسية
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤولين محليين في ولايات كونار وننغرهار وبكتيا وخوست وهلمند وقوع "اشتباكات عنيفة" على امتداد الحدود.
وذكر مسؤول رفيع في بيشاور أن "قوات طالبان بدأت باستخدام أسلحة خفيفة ثم المدفعية الثقيلة في 4 مواقع على الحدود"، مشيرا إلى أن القوات الباكستانية "أسقطت 3 مسيرات أفغانية يشتبه بأنها كانت تنقل متفجرات".
ومن جانبه، استذكر الإعلامي ريحان الأفغاني الرئيس الباكستاني السابق عمران خان قائلا: "عندما كان عمران خان رئيسا لباكستان، كانت العلاقات مع أفغانستان طيبة جدا وداعمة لسيادتها. لكن مع عودة حكم العسكر العميل في باكستان، فسدت العلاقات وبدأ تشويه سمعة طالبان على كل المجالات. لذالك نرى اليوم هذه الحرب بين الدولتين المسلمتين نتيجة سياساتهم العدائية تجاه أفغانستان ".
سياق تاريخي
وأعاد ناشطون، اقتباس يعود إلى تشرين الأول/أكتوبر 1963 أن رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان قال لخلفه أليك دوغلاس هيوم: "بني العزيز، ما دمت لا تغزو أفغانستان، فأنت في خير حال".
ويُستشهد بالقول على أن الروس والأمريكان لم يتعلما هذا الدرس، إذ انتهت تجربتاهما في أفغانستان إلى هزيمتين مذلتين رغم الفارق الهائل في ميزان القوى.
وتكشف المواجهات الأخيرة عن هشاشة العلاقة بين كابول وإسلام آباد رغم دعوات إقليمية إلى ضبط النفس، وتبرز اتساع رقعة الاتهامات لتشمل طالبان باكستان والهند، مقابل مساع وساطة قطرية سعودية.
وتبقى حصائل القتلى متضاربة بين روايات الطرفين، فيما يظل خطر الانزلاق إلى جولة جديدة من التصعيد قائما ما لم تُعَد قنوات الحوار وتُبنَ آلية أمنية مشتركة لضبط الحدود.