سياسة دولية

مسؤولون في إدارة بايدن يعربون عن ندمهم حول التعامل مع الحرب في غزة

عدد متزايد من كبار مساعدي بايدن كشفوا عن "تأملاتهم" حول كيفية تعاملهم مع الحرب- جيتي
عدد متزايد من كبار مساعدي بايدن كشفوا عن "تأملاتهم" حول كيفية تعاملهم مع الحرب- جيتي
كشف مسؤولون سابقون في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، عن ندمهم  من الموقف الذي اتخذوه بسبب الحرب ضد قطاع غزة، وقالوا إنه الولايات المتحدة لم تتصرف كقوة عظمى. 

وفي تقرير أعدته ناحال توسي ونشرته مجلة "بوليتيكو" قالت فيه: " في لحظة ما، بعد أشهر من بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، خيل إلي للحظة أن الرئيس آنذاك جو بايدن ومساعديه أدركوا أخيرا قوتهم. كان ذلك بعد أن قتلت إسرائيل مجموعة من عمال الإغاثة التابعين لمنظمة "وورلد سنترال كيتشن" (المطبخ المركزي العالمي) الذين كانوا يحاولون إطعام الفلسطينيين في القطاع المحاصر".

وذكر التقرير "أدان بايدن وفريقه الهجوم بعبارات قاسية على غير العادة، وأجرى اتصالا هاتفيا حادا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وحذر وزير الخارجية أنتوني بلينكن من أنه إذا لم تسمح إسرائيل بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، حيث لقي آلاف الفلسطينيين حتفهم بالفعل، فستكون هناك تغييرات في سياستنا".

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف التقرير أن "الضغط نجح، حيث ارتفع عدد شاحنات المساعدات التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى غزة فجأة، مما فند مزاعم إسرائيل بأنها تبذل قصارى جهدها بالفعل على تلك الجبهة. لكن مع مرور الوقت، انخفضت الأعداد مجددًا، وتفاقمت الأزمة الإنسانية".

وأكدت معدة التقرير "أعلن في الآونة الأخيرة عدد متزايد من كبار مساعدي بايدن عن تأملاتهم حول كيفية تعاملهم مع الحرب. وفي مقالات الرأي والبودكاست وغيرها من المنصات، قدم العديد منهم آراء تتراوح بين "لقد بذلنا قصارى جهدنا" و"كان بإمكاننا تقديم أداء أفضل".  وهذا ليس محاسبة تماما، يزال الناس يعيدون النظر بما حدث ويحاولون معرفة أين انتهى بهم الأمر".

وذكرت أن "الشهادات تتيح لنا فرصةً مبكرة لمعرفة كيف يأمل فريق بايدن (أو يخشى) أن يُحكم التاريخ على أفعاله في غزة. و"منذ متابعتي للتعليقات، توصلت إلى استنتاج رئيسي واحد: منذ البداية، تعامل فريق بايدن مع الصراع كما لو كانت أمريكا ضعيفة لا قوية، قد قيدت أقوى دولة في العالم نفسها، ويعود ذلك إلى عوامل متعددة، منها التزام بايدن الراسخ تجاه إسرائيل والمخاوف بشأن تأثير الحرب على فرص الديمقراطيين في الانتخابات والاعتقاد بأن إسرائيل ستفعل ما تشاء، حتى لو ذهبت الولايات المتحدة إلى حد قطع إمدادات الأسلحة عنها.  وقد مثلت هذه المخاوف قيودا فرضتها على نفسها وأثرت تقريبا على كل خطوة اتخذها بايدن وفريقه وعلى التوقعات التي وضعوها".

ونقل التقرير عن أندرو ميلر، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي تعامل مع المنطقة في عهد بايدن قوله: "لم نتصرف كقوة عظمى. بدلا من الانطلاق من فكرة أن هذه مشاكل يمكننا حلها، أقنعنا أنفسنا بأنه لا يوجد الكثير مما يمكننا فعله لتحريك حليفنا الإقليمي، إسرائيل". 

ويقول العديد من مساعدي بايدن إنهم يتحدثون الآن لأن الوضع في غزة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، أصبح أكثر سوءا، مع تفشي المجاعة. وعلى عكس بايدن أو غيره من الرؤساء المعاصرين، يبدو أن ترامب لا حدود له في مدى سلطته التنفيذية. ولكن ربما لأن إسرائيل تحتفظ بدعم واسع النطاق من الحزب الجمهوري، فقد كان ترامب إلى حد كبير بعيدا عن التدخل في صراع غزة. ويأمل مساعدو بايدن في دفع ترامب إلى بذل المزيد من الجهد لإنهاء الحرب، حتى لو كان ذلك يعني لفت الانتباه إلى أخطائهم.

وينظر بعض المتشككين إلى وجه آخر لصراحة مساعدي بايدن الجديدة: أن هؤلاء أشخاص يريدون حماية فرص عملهم في الحزب الديمقراطي حيث يتراجع الدعم لإسرائيل.

وتقول معدة التقرير توسي إنها "تحدثت مع العديد من المسؤولين السابقين في إدارة بايدن لفهم تفكيرهم حول كيفية تعاملهم مع الحرب بين إسرائيل وحماس.. رفض معظمهم ذكر أسمائهم، حتى لو كانوا مجهولين - وهو مؤشر على مدى حرصهم في اختيار رواياتهم".

وأضافت "ربما عبر جاك لو، سفير بايدن لدى إسرائيل، وديفيد ساترفيلد، مبعوثه الذي ركز على القضايا الإنسانية في غزة، عن نهج فريق بايدن الضعيف بشكل أفضل في مقال نُشر في آب/ أغسطس بمجلة "فورين أفيرز" أقر فيه الاثنان بوجود العديد من أوجه القصور في المقال المُفصّل، لكنهما اعترفا في الوقت نفسه بالمستوى الضعيف من النجاح الذي تحقق".

وكتبا: "الجهود التي بذلناها في إدارة بايدن لإبقاء غزة مفتوحة للإغاثة الإنسانية حالت دون حدوث مجاعة". و"تبقى الحقيقة أنه خلال العام ونصف الأول من الحرب المتواصلة، لم يواجه سكان غزة مجاعة جماعية لأن المساعدات الإنسانية كانت تصل إليهم". وتعلق أن الناس يعانون من الحرب، لكن منع المجاعة ليس إنجازا كاملا. ويبدو أن جون فاينر وفيليب غوردون هما المسؤولان في إدارة بايدن اللذان ذهبا إلى أبعد مدى في قولهما: "كان بإمكاننا تقديم أداء أفضل". 

وكتب فاينر، الذي شغل منصب النائب الأول لمستشار الأمن القومي، في مجلة "ذي أتلانتيك" أنه بينما كان فريق بايدن محقا في دعم إسرائيل فورًا بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلا أن إدارتهم "لم تفعل سوى القليل جدا، بل وكانت متأخرة جدا، للحد من الضرر الكارثي الحقيقي الذي ألحقه رد إسرائيل بالمدنيين. وقال غوردون مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس كامالا هاريس، في بودكاست تابع لمجلة "فورين أفيرز" بأنه على صعيد المساعدات الإنسانية، "كان ذلك فشلا سياسيا ولا يمكن استنتاج أي شيء آخر. لم يصل ما يكفي من الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى الناس".

وفي هذا السياق كتب الثنائي مقالا نشرته مجلة "بوليتيكو" طالبا فيه إدارة ترامب لوقف مبيعات السلاح إلى إسرائيل بشكل كبير، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الحكومة الإسرائيلية تبدو غير راغبة في وقف القتال. بل ولمحا إلى أنه كان ينبغي فرض قيود كبيرة في عهد بايدن. صحيح أن الرئيس السابق حجب بعض القنابل الكبيرة عن إسرائيل، لكنه جادل بأن حجب المزيد من الأسلحة سيجعل إسرائيل عرضة لهجمات من إيران ووكلائها. 

اظهار أخبار متعلقة


وكتب فاينر وغوردون أن هذه الحجة أصبحت "أقل إقناعا بمرور الوقت، بما في ذلك أثناء وجودنا في السلطة" و "بخاصة مع تراجع التهديد من حماس، مما قوض حجة إسرائيل لإدامة الحرب  وتدهور الوضع الإنساني في غزة إلى مستويات غير مقبولة". كما أن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، يدافع الآن عن تقييد الأسلحة لإسرائيل. لكنه دافع عن خيار عدم القيام بذلك خلال سنوات بايدن، عندما كانت إسرائيل، من بين أسباب أخرى، لا تزال تواجه تهديدات إقليمية حادة.

وقال سوليفان لبودكاست "ذا بولوارك" في آب/ أغسطس: "إنّ قضية حجب الأسلحة عن إسرائيل اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه قبل عام". ويقع ماثيو ميلر، المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية، في مكان ما بين سوليفان وثنائي فاينر - غوردون. يقول الآن إنه يعتقد أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب. لم يقل ذلك قط من على المنصة، لكنه أشار إلى أنه كان يتحدث باسم إدارة بايدن آنذاك، وليس باسمه.
وكتب مسؤولون آخرون في عهد بايدن، مثل إيلان غولدنبرغ، الذي شملت أدواره العمل مع هاريس، عما اعتبروه فرصا ضائعة بطرق تظهر الإحباط إن لم يكن الندم الصريح. وتساءل غولدنبرغ عما إذا كان ينبغي على بايدن زيادة الضغط على نتنياهو في كانون الأول/ ديسمبر 2023 أو كانون الثاني/ يناير 2024 لإنهاء الحرب، حتى إلى درجة تصدع حكومة الزعيم الإسرائيلي اليمينية المتطرفة.

ويواصل آخرون دعم القرارات المتخذة بشكل كامل، وعلى رأسهم بريت ماكغيرك، المسؤول الكبير في مجلس الأمن القومي في عهد بايدن والذي كان لاعبا رئيسيًا في محادثات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وأشار في محافل مختلفة إلى أن حماس كانت الطرف الأصعب في المحادثات، وشدد على الخطر الذي واجهته إسرائيل آنذاك من جهات إقليمية فاعلة مثل إيران.

وعبرت توسي عن اندهاشها من أن مساعدي الرئيس لم يحملوا بايدن المسؤولية مباشرة بسبب سياسته المشوهة. ففي نهاية المطاف، كان هو الشخص المسؤول عن كل شيء. وسيلقي بعض المسؤولين اللوم على بايدن سرا، بلطف، وإذا قرأت ما بين سطور تعليقاتهم العلنية، فستجد أن ذلك مخفي. وعلى سبيل المثال، قال لو لمجلة "ذي نيويوركر" بأن سياسة غزة برمتها يجب أن تأخذ في الاعتبار التزام بايدن بأمن إسرائيل، وقال: "لقد كان شيئا عميقا بداخله، كان التزامه بدعم إسرائيل في معركة مشروعة وعادلة واضحا، وكان يجب أن يتعايش مع الضغط عليهم بشأن هذه القضايا الإنسانية". كان حب بايدن لإسرائيل قويًا لدرجة أنه، وفقا لنائبته، واجه صعوبة في إظهار التعاطف مع الفلسطينيين.

وكتبت هاريس في كتابها الجديد "107 يوما": "لقد توسلت إلى جو، عندما تحدث علنا عن هذه القضية، أن يمد نفس التعاطف الذي أظهره لمعاناة الأوكرانيين إلى معاناة المدنيين الأبرياء في غزة". لكنه لم يستطع فعل ذلك: فبينما كان بإمكانه أن يصرح بحماس: "أنا صهيوني"، بدت تصريحاته حول الفلسطينيين الأبرياء غير كافية ومصطنعة. وعندما سألت توسي بعض مسؤولي إدارة بايدن عما إذا كان الرئيس، وهم، قد اعتبروا حياة الإسرائيليين أهم من حياة الفلسطينيين، نفوا ذلك بشدة.

 ورد مسؤول أمريكي كبير سابق قائلاً: "هذا تصريح غير عادل على الإطلاق. كان جو بايدن يؤمن إيمانا راسخا، وعميقا، بحق إسرائيل في إدارة الحملة. وكان يعتقد أن الجهد الإنساني يجب أن يضاهي قوة الحملة النشطة، وهو ما لم يحدث قط". ورفض متحدث باسم بايدن الإدلاء بتعليق فوري. وعندما سألت مساعدي بايدن لماذا لم يوقفوا جميع الأسلحة لإسرائيل بدلا من بعضها فقط. ألم يعط تدفق الأسلحة إسرائيل، وخاصة اليمين المتطرف، حافزا لإطالة أمد الحرب؟

وجاءت الردود على مسارين: كان هذا  من شأنه أن يشجع أعداء إسرائيل، بمن فيهم حماس وإيران؛ وأن إسرائيل لديها مخزونات كافية لمواصلة القتال لفترة طويلة حتى بدون مساعدة الولايات المتحدة. كما أن إسرائيل المتحدية ستجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة. قال مسؤول سابق في وزارة الخارجية: "إذا كانت هناك دولة قوية الإرادة قادرة وراغبة في مقاومة الولايات المتحدة، فهي إسرائيل".

ومع ذلك يتشبث العديد من المسؤولين في عهد بايدن بهذه الحجج. لكن يمكن القول إنهم يقللون من تقدير مدى حاجة إسرائيل إلى المساعدة العسكرية الأمريكية ومباركتها للحرب. يشعر مسؤولو إدارة بايدن بالاستياء من استمرار الحرب بعد قرابة عامين، لكنهم يلقون باللوم في المقام الأول على نهج ترامب المتساهل، وليس على أفعالهم، مشيرين إلى أنه تم الاتفاق على وقف إطلاق النار عند رحيلهم. ومع ذلك، من الواضح أن هناك الكثير من البحث والتأمل في النفس يجري الآن.
التعليقات (0)