سياسة دولية

"الحياد ليس خيارا": لماذا يتحدث عدد كبير من الفنانين الآن عن غزة؟

ذكرت أوساط فنية "أننا وصلنا إلى نقطة تحول فيما يتعلق بمناقشة غزة"- جيتي
ذكرت أوساط فنية "أننا وصلنا إلى نقطة تحول فيما يتعلق بمناقشة غزة"- جيتي
يشهد الوسط الفني العالمي موجة متصاعدة من التضامن مع قطاع غزة، حيث بات عدد متزايد من الممثلين والموسيقيين يتحدثون علنًا ضد الإبادة الإسرائيلية ويدعمون فعاليات كبرى مثل حفل "معًا من أجل فلسطين" في لندن، الذي يشارك فيه فنانون عالميون وعرب وتخصص عوائده للإغاثة الإنسانية. 

وجاء في تقرير لصحيفة "الغارديان" أن فعاليات السجادة الحمراء، وخاصة تلك التي تُروّج لفيلم "داونتون آبي" الجديد، لا تُعتبر مكانا مناسبا عادة للتصريحات السياسية المتطرفة. ولكن في العرض الأول للفيلم في لندن في وقت سابق من هذا الشهر، تحدث نجم الفيلم، هيو بونفيل، عن غزة. 

,صرّح بونفيل، لمراسل فني بدا عليه الذهول: "قبل أن أتحدث عن روعة فيلمنا الرائع وجماله، ما سيحدث في مدينة غزة أمر لا يمكن تبريره على الإطلاق. على المجتمع الدولي أن يبذل المزيد من الجهود لوضع حد له".

وذكر تقرير الصحيفة أنه "ربما كانت كلمات بونفيل مفاجئة للبعض، لكنها في الواقع جزء من نمط أوسع من الممثلين والموسيقيين والفنانين والشخصيات الثقافية الذين يشعرون برغبة متزايدة في التحدث علنا. هذا الأسبوع، وقّع مئات الممثلين - بمن فيهم أوليفيا كولمان وإيمي لو وود ومارك رافالو - تعهدا بعدم العمل مع مؤسسات سينمائية إسرائيلية يقولون إنها "متورطة في الإبادة الجماعية والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني". 

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف أنه "من الفائز بمسابقة يوروفيجن، جيه جيه، الذي استغل فوزه لانتقاد إسرائيل، إلى لاعب كرة القدم محمد صلاح الذي انتقد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لإعلانه وفاة سليمان عبيد، "بيليه الفلسطيني"، دون أن يذكر أنه قُتل في هجوم إسرائيلي، هناك شعور بأنه إذا لم يستخدم الناس منصاتهم للتحدث علنا الآن، فقد يندمون بشدة لاحقا".

وتقول الموسيقية بينك بانثيريس، التي تعتقد "أننا وصلنا إلى نقطة تحول فيما يتعلق بمناقشة غزة: كان الكثير من الناس يخشون قول الشيء الخطأ، لكنهم يدركون الآن أن في الصمت أيضا بيان. لقد شهدنا هذا التحول، إذ يرى الفنانون أن منصاتهم مهمة بالفعل، وأن من مسؤوليتهم تعزيز الدعوة إلى العدالة. لا ينبغي أن يكون الحياد خيارا".

والأسبوع المقبل، ستُحيي فرقة "بينك بانثيريس" حفلا موسيقيا في تجسيد لهذه المرحلة الحرجة، بإقامة حفل موسيقي بعنوان "معا من أجل فلسطين" في قاعة ويمبلي أرينا التي تتسع لـ 12,500 شخص، وستُخصص جميع الأرباح للمنظمات الإنسانية الفلسطينية في غزة من خلال مؤسسة "اختر الحب" الخيرية البريطانية. 

وسيكون هذا الحفل أحد أكبر الحفلات الخيرية المخصصة لفلسطين، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وإلى جانب الأسماء التي تحدثت عن فلسطين لسنوات، مثل فرقة "ماسيف أتّاك" و"دامون ألبارن"، هناك مجموعة واسعة من الشخصيات الثقافية على قائمة المشاركين، بما في ذلك بنيديكت كامبارباتش ولويس ثيروكس وباستيل وبالوما فيث وريز أحمد وأميليا ديمولدنبيرغ  وهوت تشيب وغاي بيرس وبورتيشيد وكيليستي وجيمي إكس إكس. كما يشارك فنانون وموسيقيون فلسطينيون، مثل فرج سليمان وملك مطر وناي البرغوثي.

واستغرق تنظيم الحفل، الذي نفدت تذاكره في غضون ساعات قليلة، 18 شهرا. كانت الأماكن مترددة للغاية في البداية في المشاركة، بينما أبدى بعض الموسيقيين ترددا في التسجيل - والحقيقة هي أن هذا يحدث في جميع النقاط ليس فقط بسبب الوضع الملح بشكل متزايد في غزة، ولكن أيضا بسبب الطريقة التي بدأت بها المخاوف بشأن رفع الصوت في التبدد.

يقول برايان إينو، منظم الحفل مع المنتجة السينمائية تريسي سيوارد، مخرجة فيلمي "أشياء جميلة قذرة" و"الملكة"، والممثل خالد عبد الله، نجم فيلمي "يونايتد 93" و"عداء الطائرة الورقية"، وخالد زيادة، مؤسس مهرجان لندن السينمائي الفلسطيني: "لا تريد أن تكون الوحيد الذي يفعل هذا".

ويضيف إينو: "عندما بدأنا، كان من الصعب إثارة اهتمام أي شخص. لكنني أعتقد أن الجميع أدركوا أن ما يحدث في غزة فاحش تماما. أي مشاعر متضاربة ربما كانت لديهم تجاه الحرب قبلها قد اختفت فجأة. إنه أمر غير أخلاقي ومثير للاشمئزاز. أعتقد أن الجميع يتفقون على هذه النقطة على الأقل".

يحرص إينو على التأكيد على أن "معا من أجل فلسطين" ليس تجمعا سياسيا، بل هو يوم أمل وتواصل وذاكرة. يقول إينو: "الكثير من المشاركين في هذا العرض يهود، إلى جانب الكثير من الفلسطينيين أيضا. نريد أن يُنظر إليه على أنه مناسبة يتعاون فيها الناس، بغض النظر عن معتقداتهم أو انتماءاتهم العرقية".

إحدى هؤلاء الفلسطينيين هي الفنانة ملك مطر، التي تعمل مع مصممة المسرح الشهيرة إس ديفلين لاختيار مجموعة مختارة من الأعمال الفنية الفلسطينية للمعرض. بعض هذه الأعمال ستكون من أعمال فنانين سقطوا خلال الصراع، مثل هبة زقوت، التي قُتلت في غارة جوية إسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ودنيانا العمور، التي قُتلت في غرفة نومها عن عمر يناهز 22 عاما. وقع الهجوم الإسرائيلي الأخير في أغسطس/آب 2022، مما يُذكر بأن مثل هذه الضربات كانت تحدث قبل وقت طويل من وقوع فظائع حماس. 

تقول مطر، بصفتها فنانة نشأت في غزة ولا يزال لديها أفراد من عائلتها هناك، إنه لأمر محبط أن تشهد صمت العديد من زملائها الفنانين والمؤسسات في المملكة المتحدة. وتضيف: "بصفتي فنانة، أعرف معنى إلغاء الفعاليات لمجرد التعبير عن الرأي. طُلب مني عدم إلقاء خطابات في معارضي.

اظهار أخبار متعلقة


لكنني أعتقد أن هذه لحظة تاريخية مؤثرة، حيث يجتمع الناس للتعبير عن آرائهم. سيكون شعورا عظيما بالتضامن الذي نشعر به ليلة 17 أيلول/ سبتمبر، ومؤثرا للغاية أيضا عندما نتذكر الأشخاص الذين فقدناهم خلال الإبادة الجماعية".

عندما أُعلن عن الحفل لأول مرة، اعترف إينو بأن أحد أكبر ندمه، على مدار مسيرته الموسيقية الحافلة التي امتدت لخمسة عقود، هو أن "الكثير منا التزم الصمت بشأن فلسطين. غالبا ما كان هذا الصمت نابعا من الخوف - الخوف الحقيقي - من أن يؤدي التعبير عن الرأي إلى رد فعل عنيف، أو إغلاق الأبواب، أو إنهاء مسيرة فنية".

ومع ذلك، يُناقش هذا الخوف الآن بشكل أكثر انفتاحا. خضعت فرقة نيكاب لتحقيقات من الشرطة، وواجهت دعوات لإلغاء تأشيرات عملهم في الولايات المتحدة بعد اتهامهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية على خشبة المسرح في مهرجان كوتشيلا في نيسان/ أبريل. لكن هذا لم يمنع فنانين مثل بينك بانثيريس من المشاركة في الحفل: "أتحدث أنا وفريقي كثيرا عن الإبادة الجماعية في فلسطين، وما يمكننا فعله للمساعدة كأفراد، وكمجموعة، ولكن أيضا عما يمكنني فعله كفنان. من المهم أن تضع غرورك جانبا. عليك أن تكون مستعدا للتعلم وارتكاب الأخطاء بين الحين والآخر. أنا أستمع باستمرار وأشارك في محادثات مع فريقي وأصدقائي. وعندما جاء النداء للظهور في 'معا من أجل فلسطين'، كان من المستحيل الرفض".

يبدو أن الانفتاح على معرفة حقيقة الوضع أمر بالغ الأهمية للتحول الذي يحدث الآن. يعترف إينو بسعادة أن آرائه حول غزة تغيرت بعد زيارته للضفة الغربية قبل ست سنوات. هناك رأى بأم عينيه ما أسماه "الإذلال المستمر... وهو أبشع سلاح على الإطلاق... الإهانة باستمرار، والتردد باستمراربالتظاهر بوجود عملية سلام في حين لا توجد أي نية على الإطلاق لتحقيق السلام بأي شروط يمكن للفلسطينيين قبولها".

يقول إينو إنه عندما حاول شرح ذلك للناس، كان يُجبر دائما على استعراض تاريخ الصراع بأكمله. إما أن يُخدع الناس بالروايات المتضاربة، أو يبحثون عن طريقة سهلة لتجنب التورط. يقول إينو: "لطالما اعتمدت إسرائيل، في رأيي، على تعقيد الوضع.. بالقول: 'حسنا، بالطبع أنت لا تفهمه حقا، إنه أكثر تعقيدا مما تتخيل'. لكن الناس لم يعودوا يطلبون مني القيام بذلك، لأن الجميع يعلم أنه لا ينبغي لنا أن نكون في المكان الذي نحن فيه الآن".

تقول فرقة بينك بانثيريس إن وجود هذا العدد الكبير من الفنانين المشاركين في البرنامج لدعم الرسالة سهّل التعبير عن الرأي، ونأمل أن يُسهّل على آخرين الانضمام إليهم مستقبلا. وتضيف: "قد يُتجاهل صوت واحد، لكن عندما يكون صوتا جماعيا، يكون الأمر أصعب بكثير. إن رؤية فنانين من خلفيات مختلفة يجتمعون معا يُثبت أن هذه ليست مجرد قضية سياسية، بل إنسانية".
التعليقات (0)