كتب

المساعدات الإنسانية تحت الحصار.. قراءة قانونية وواقعية لأزمة غزة 2023 ـ 2025

 المجاعة في غزة كانت حالة مصطنعة ونتيجة مباشرة لسياسات الحصار والعرقلة الإسرائيلية، وهي تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتضافر جهود المجتمع الدولي، ووضع حدٍّ للانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني..
المجاعة في غزة كانت حالة مصطنعة ونتيجة مباشرة لسياسات الحصار والعرقلة الإسرائيلية، وهي تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتضافر جهود المجتمع الدولي، ووضع حدٍّ للانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني..
يُعدّ قطاع غزة، في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 7/10/2023، مسرحاً لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، وقد تحوّل الغذاء من حقّ أساسي إلى سلعة نادرة، بل ومصدر خطر على حياة الساعين لتحصيله، حيث يواجه أكثر من مليونيْ إنسان حصاراً خانقاً أدى إلى تفاقم المجاعة، وانعدام الأمن الغذائي، وتدهور الأوضاع الصحية والإنسانية.

وعلى الرغم من أن القانون الدولي الإنساني يُلزم أطراف النزاع بتأمين المساعدات الإنسانية وتجريم استخدام التجويع كسلاح حرب، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل فرض قيود مشددة على دخولها والتحكم التعسفي في مسارها، مما يحول دون وصولها إلى مستحقيها، الأمر الذي ضاعف من حدّة الكارثة الإنسانية وفاقم الوضعيْن الأمني والإنساني في قطاع غزة.

وقد أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علميّة بعنوان: "المساعدات الإنسانية: المفهوم، والقانون، والواقع: الحرب الإسرائيلية على غزة نموذجاً 2023 ـ 2025"، حيث تسعى الدراسة إلى بيان ماهية المساعدات الإنسانية، والإطار القانوني المنظّم لها في حالات الاحتلال الحربي، وتطبيق ذلك على حالة الاحتلال الإسرائيلي لغزة. كما تعمل على تسليط الضوء على الواقع المُعاش في القطاع، ومقارنته بالمفاهيم المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، وبما يُقرّه القانون الدولي بشأنها.

وتكمن أهمية هذه الورقة، والتي أعدها الباحثان ضياء نعيم الصفدي وبكر عبد الحميد الضابوس، في أنها تجمع بين الجانب النظري والقانوني والجانب التطبيقي الواقعي، إذ تركز على حالة الحرب الإسرائيلية على غزة 2023 ـ 2025، وتداعياتها على المساعدات الإنسانية. وهي تنفرد بتقديم تحليل قانوني معمّق مقروناً بتوصيات عملية قابلة للتنفيذ، وباعتمادها على مناهج بحثية متعددة؛ وهي الوصفية، والتحليلية، والتطبيقية، مما تجعلها دراسة شاملة. كما أنّها تكشف عن التحديات الراهنة في وصول المساعدات، مثل تسييس الغذاء وغياب الرقابة الفعّالة، ما يجعلها مرجعاً مهماً لفهم الأزمة الإنسانية في غزة واقتراح حلول عملية لها.

وقد سلّط الباحثان الضوء على ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، المساعدات الإنسانية، من حيث مفهومها وأبعادها النظرية والقانونية ودورها في حماية المدنيين؛ وثانياً، القانون، الذي يوضح التزامات أطراف النزاع وسلطة الاحتلال وفق القانون الدولي؛ وثالثاً، الواقع، حيث تناول التحديات التي تواجه وصول المساعدات إلى غزة، بما في ذلك الحصار والتجويع وغياب آليات الرقابة الفعّالة، في دراسة معمّقة لواقع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية منذ 7/10/2023 وحتى كتابة هذه الورقة. وقد رصدت الدراسة مخالفة "إسرائيل" الصريحة لأحكام القانون الدولي، الذي يُلزمها بعدم الرفض التعسفي للمساعدات الإنسانية، وبتسهيل دخولها.

وخرجت الدراسة بعدة توصيات، كان أبرزها ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وعادل وشفاف، بما في ذلك ضرورة تفعيل آليات رقابية صارمة ومستقلة لمتابعة دخول وتوزيع المساعدات، وتعزيز الشفافية والمساءلة في عمل المنظمات الدولية والمحلية، وضمان الوصول الآمن وغير المقيّد لقوافل الإغاثة، وتمكين المجتمع المحلي في إدارة عملية التوزيع، وممارسة الضغط الدولي لوقف تسييس الغذاء واستهداف العاملين الإنسانيين، ومواجهة الفوضى المنظمة وسرقة المساعدات، بما يضمن توجيه المساعدات بشكل مباشر وشفاف إلى مستحقيها. بالإضافة إلى ذلك، يدعو الباحثان إلى إلغاء الأنظمة الجديدة غير الفاعلة، مع تعزيز دور منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية الدولية لضمان توزيع عادل وآمن للمساعدات.

وخلصت الورقة إلى أنّ المجاعة في غزة كانت حالة مصطنعة ونتيجة مباشرة لسياسات الحصار والعرقلة الإسرائيلية، وهي تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتضافر جهود المجتمع الدولي، ووضع حدٍّ للانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني، مؤكدة أن العمل الإنساني يجب أن يبقى فوق الحسابات السياسية والعسكرية. ولفتت الورقة الانتباه إلى أن استمرار هذا الوضع الكارثي لا يمسّ كرامة الإنسان فحسب، بل يهدد الاستقرار الإقليمي والدولي بأسره، لأن الأعمال الإنسانية من أجل غزة اليوم هي أعمال من أجل الإنسانية جمعاء.
التعليقات (0)