قالت صنم وكيل، مديرة
برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس بلندن، إن دول
الخليج تواجه
الآن تهديدا جديدا، ولم تعد إيران هي البعبع، ولكن
الاحتلال.
وقالت في مقال بصحيفة
الغارديان إن محاولة الاحتلال اغتيال قادة حماس في الدوحة، خرقت خطا أحمر
لا يمكن حتى لأقرب شركائها العرب تجاهله.
وأضافت: "لطالما
بررت إسرائيل الضربات الاستباقية والخارجة عن حدودها باعتبارها ضرورية لأمنها.
وعلى مدار عامين، ردا على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ضربت ست دول
في المنطقة بما في ذلك فلسطين، سعيا للقضاء على جميع التهديدات لأمنها".
لكن ضرب عاصمة
قطر،
الدولة الثرية والشريك الأمني والحليف غير عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)
للولايات المتحدة ومكان مفاوضات مضنية بين الاحتلال وحماس بناء على طلب واشنطن،
ليس مجرد عملية قتل مستهدفة أخرى. إنه يمثل تحولا جوهريا حيث لم تعد الدول العربية
ترى إيران على أنها العامل الرئيسي الوحيد المزعزع للاستقرار في المنطقة. بل بات
قادة دول الخليج يرون أن إسرائيل أيضا مزعزعة للاستقرار.
اظهار أخبار متعلقة
وليست هذه المرة
الأولى التي تضرب فيها إسرائيل بينما كانت المفاوضات والجهود الدبلوماسية جارية.
فعلى مدار هذين العامين، قامت بعمليات اغتيالات وضربات واسعة في لبنان ضد حزب
الله، وفي سوريا، مما زاد من حدة التوترات مع حكومة الشرع الجديدة، وفي اليمن حيث
استهدفت الحوثيين. كما وشنت حربا ضد إيران، في حزيران/ يونيو استمرت 12 يوما وعندما
كانت طهران تجري مفاوضات مع واشنطن.
وكثيرا ما قام
الاحتلال بهذه الضربات لعرقلة المحادثات أو لإظهار رفضها المسار الدبلوماسي.
وتندرج ضربة الدوحة في هذا السياق، لكن رمزيتها ستخلف آثارا بعيدة المدى.
وقد سقطت الصواريخ في
حي هادئ بالدوحة، على مقربة من قصر زاره دونالد ترامب مؤخرا خلال جولته في المنطقة
في أيار/مايو، وشملت أيضا زيارة قاعدة جوية أمريكية في قطر.
وبالنسبة لحكام
الخليج، تشكك هذه الرسالة في افتراضهم الراسخ بأن العلاقات الأمريكية والقواعد
العسكرية ستحميهم من الهجمات.
ومن قطر أدارت القوات
الأمريكية عملياتها في أفغانستان والعراق وسوريا، وفي عام 2022،
صنف جو بايدن قطر "حليفا رئيسيا من خارج الناتو".
وقد تعرضت الدوحة أيضا
لصواريخ إيرانية خلال الحرب الإسرائيلية - الإيرانية في حزيران/يونيو، عندما أطلقت
طهران صواريخ على القاعدة الأمريكية ردا على الضربات النووية.
وهذه الضربة الثانية
في أقل من بضعة أشهر، بدعم من حليف وثيق للولايات المتحدة، وقد أثارت تساؤلات حول
الحماية الأمريكية.
وتقول وكيل إن دول
الخليج بنت رؤيتها للأمن الإقليمي وعلى مدى عقود من خلال عدسة التهديد الإيراني،
المتمثل ببرنامجها النووي ولرعايتها ما عرف بـ "محور المقاومة" وقدرتها
على الضرب عبر الحدود، كما في هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ عام 2019 على
منشآت أرامكو السعودية.
أما اليوم، فقد أعادت الإبادة
في غزة، وتصعيد العمليات في الضفة الغربية والتصعيد المستمر في لبنان وسوريا وقطر،
صياغة التفكير في دول الخليج بخاصة والعالم العربي عامة.
وتستنتج الدول العربية
أن "إسرائيل أصبحت الآن أكبر تهديد للاستقرار في المنطقة. ومع أن هذا
لا يبرر سلوك طهران، فلا يزال دورها في تأجيج الصراع في العراق ولبنان
وسوريا واليمن واضحا. لكن اعتداءات إيران أصبحت مألوفة ومتوقعة للغاية، وربما يكون
تقدير قوتها في المنطقة مبالغا فيه".
وعلى النقيض من ذلك، "أصبحت
أفعال إسرائيل أكثر جرأة على حساب المعايير التي افترض القادة العرب أنها لا تزال
تحكم منطقتهم".
اظهار أخبار متعلقة
وقد عزز التقاعس
الأمريكي هذا التصور، حيث رفضت كل من إدارتي بايدن وترامب كبح جماح العدوان على
غزة وستجبر الضربة ضد قطر حكام الخليج على مواجهة حقيقة أن واشنطن تبدو غير راغبة،
أو غير قادرة، على كبح جماح أقرب حلفائها.
وطالما خشيت دول
الخليج من أن توجه أمريكا تركيزها نحو آسيا، فهي تتذكر بوضوح كيف فشلت الدفاعات
الأمريكية في وقف هجوم إيران عام 2019 على السعودية، وترى هذه الدول، اليوم عدم
الرغبة الأمريكية في ضبط الاحتلال. والنتيجة هو شعور بأن الضمانات الأمنية آخذة في
التآكل.
وكان من المفترض أن
تقود اتفاقيات التطبيع المقترحة إلى إدارة الأمن الإقليمي، لكن هذه الخطط اليوم،
في حين يستمر الوضع في غزة دون هوادة، لم تعد قابلة للتطبيق.
وردا على ذلك، من
المرجح أن يعمق قادة الخليج التعاون فيما بينهم مع تسريع الجهود لتنويع شراكاتهم
الخارجية والأمنية، والحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع الصين وتوسيع التعاون
الدفاعي مع تركيا وإعادة تقييم احتمالات التطبيع غير المؤكدة مع الاحتلال.
وبالنسبة للدول التي
سعت منذ فترة طويلة إلى موازنة العلاقات مع الاحتلال والولايات المتحدة مقابل
الرأي العام المحلي والحساسيات الإقليمية، فقد جعل الهجوم هذه المهمة الدقيقة بالفعل
أكثر صعوبة بكثير.
في الوقت نفسه، يواصل
حكام الخليج سعيهم لتحقيق استقلالية استراتيجية أكبر، وهم مصممون بشكل متزايد على
التحوط من مخاطر الاعتماد على الولايات المتحدة. وربما أثبت الهجوم على الدوحة
بأنه نقطة تحول في نهاية المطاف، وبلور شعورا بأن النظام الإقليمي التقليدي آخذ في
التفكك، وأن سيادة الشركاء غالبا ما يتم التضحية بها باسم الأمن، وهو ما يترك
السؤال مفتوحا: كيف، وليس ما إذا كانت دول الخليج ستقاوم؟.