نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك تناولت فيه ما وصفته بلحظة سياسية بريطانية غريبة ومتناقضة، بدأت عندما تلقت، أثناء شروعها في كتابة المقال، تنبيها على شاشتها يفيد بأن "المراهنين يدعمون نايجل فاراج لرئاسة الوزراء بعد كير ستارمر"، ليحل زعيم حزب الإصلاح في المرتبة الثانية بسوق المراهنات بعد ويس ستريتينغ.
وعلقت الكاتبة على ذلك بالقول إن الأمر يعكس ازدواجية لافتة، إذ يأتي في أسبوعه الرابع من الكشف عن مزاعم سلوكيات عنصرية في المدرسة، ومع ذلك يستمر حضوره السياسي.
واعتبرت أن هذه إحدى اللحظات التي يبدو فيها أن تغييرا جذريا سيقع حتما، قبل أن يتلاشى الزخم ويعود المشهد إلى ما كان عليه. وشبهت ذلك بمعركة قوى مادية، من تحقيقات صحفية وشهادات ومبلّغين عن مخالفات، تهب كعاصفة على سياسي قد تُسقطه، لكنه يتمسك بمكانه إلى أن تهدأ العاصفة.
وأشارت مالك إلى أن فاراج خرج من هذه المرحلة متألما وقد تضررت شعبيته، لكنه ظل صامدا، رغم شهادات نحو 28 من معاصريه في كلية دولويتش، الذين قالوا لصحيفة "الغارديان" إنهم تعرضوا أو شهدوا سلوكا عنصريا أو معاديا للسامية عندما كان مراهقا.
وذكرت أن طلابا يهودا تعرضوا للسخرية، حيث قيل لهم: "أطلقوا عليهم الغاز، كان هتلر على حق"، فيما قيل لطالب أسود أصغر سنا من فاراج، الذي كان يبلغ 17 عاما آنذاك: "هذا هو طريق العودة إلى أفريقيا"، واعتبرت الكاتبة أن هذه الادعاءات تشكل، في رأيها، حملة مهووسة ضد طلاب الأقليات، تُشنّ بتفانٍ يفهمه كل من تعرض للتنمر.
وتناولت الكاتبة رد فاراج على تلك الشهادات، معتبرة أنه زاد الجرح عمقا، إذ شن هجوما مضادا، وأنكر الاتهامات، ورفض الاعتذار، وهاجم هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لبثها هذه الادعاءات، وكرر ما وصفته بالأعذار المهينة، مدعيا أن ما جرى لم يكن أكثر من "مزاح" شائع في ذلك الوقت.
وفي دفاع وصفته بالأكثر تواضعا حتى الآن، قال: "لم أحاول أبدا إيذاء أي شخص بشكل مباشر أو حقيقي". وعلقت مالك بسخرية قائلة إن ذلك يعني القبول بفكرة أن انتظار طالب أسود عند بوابات المدرسة لتكرار عبارات بذيئة لم يكن بقصد الإساءة المباشرة، بل مجرد سلوك عابر من سلوكيات الشباب.
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت أن هذه الفكرة قد تُقبل للأسف، معتبرة أن الإجراء الوحيد المناسب، ليس فقط لهذه الادعاءات بل أيضا لطريقة رد فاراج عليها، يتمثل في التشكيك بدوره في الحياة العامة من الأساس، ناهيك عن كونه رئيسا محتملا للوزراء.
ورأت أن ما يبدو مبالغا فيه يعود في الحقيقة إلى غرابة الواقع السياسي، إذ تكاد تنعدم الدعوات لاستقالته أو حتى لإعادة النظر في موقعه. وأشارت إلى أن كيمي بادينوش وكير ستارمر، إلى جانب مجموعة من الناجين من المحرقة، طالبوا باعتذار، إلا أن هذا المطلب لم يجد صدى لدى أعضاء حزبه أو قطاعات واسعة من الصحافة، بينما بدت بعض وسائل الإعلام اليمينية متحمسة لهجومه على "بي بي سي"، وتصويره على أنه "دمر" الهيئة و"يطالب" باعتذارها.
وأوضحت مالك أن أحد أسباب ذلك يعود إلى طبيعة حزب الإصلاح وفاراج نفسه، إذ يُنظر إليهما كأداة لنشر نمط من كراهية الأجانب، يرفع مستوى الغضب من مزاعم العنصرية إلى مستويات أعلى.
لكنها أشارت أيضا إلى سبب آخر يتمثل في تطور الخطاب السياسي حول العرق والهجرة وتداخلهما، حيث تأتي هذه المزاعم في وقت تضيق فيه الفجوة بين فاراج بوصفه حالة متطرفة، وبين التيار السياسي السائد.
ولفتت إلى أن حزب المحافظين وحزب العمال وحزب الإصلاح يتنافسون في المزايدة على أعداد المرحّلين، إذ يتباهى حزب العمال بترحيل 50 ألف شخص، ويتعهد حزب الإصلاح بترحيل 600 ألف، فيما يقول المحافظون إنهم سيرفعون العدد إلى 750 ألفا.
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت أن حزب العمال يلقي باللوم على المهاجرين غير الشرعيين في ما يصفه بـ"تمزيق البلاد"، ويتحدث عن
بريطانيا كـ"جزيرة من الغرباء"، ويركز بشكل مكثف على الترحيل وتشديد القيود على طالبي اللجوء والوافدين للعمل. وفي هذا السياق، رأت أن تصرفات فاراج المزعومة تبدو أكثر قبولا، لأنه لم يعد حالة شاذة بل أحد طرفي نقيض داخل المشهد السياسي.
ووسعت الكاتبة الإطار بالقول إن فاراج يعمل اليوم في بلد يشهد تجمعات كبيرة لليمين المتطرف، ويتشجع فيه سياسيون مثل روبرت جينريك على التصريح بعدم "رؤية وجه أبيض آخر" في بعض الأحياء، فيما تتخذ الخطابات المعادية للمهاجرين لغة عنصرية، متذرعة بمخاوف الهجرة.
وأشارت إلى لحظة وصفتها بالمروعة، حين صرحت كيمي بادينوش بأن البلاد بحاجة إلى الحماية من القتلة والمتحرشين جنسيا، وأن على المرحّلين "العودة إلى أوطانهم".
واعتبرت مالك أن فاراج بات تجسيدا لنجاح هذه السياسات التحريضية، التي تبرر التشويه المستمر للأقليات، من صور الوجوه غير البيضاء في ملصق "نقطة الانهيار"، إلى تصوير الأطفال الذين لا يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى كدليل على "التحطيم الثقافي" للمملكة المتحدة، والادعاءات بأن الهجرة جعلت بريطانيا "غير قابلة للتمييز".
وأكدت أن هذه الادعاءات تُقدم على أنها نابعة من قلق بشأن التماسك الاجتماعي، لا من عنصرية أو كراهية للأجانب، وهو ما يجعل مزاعم المدرسة مقلقة لفاراج، لأنها لا يمكن تغليفها بغطاء "المخاوف المشروعة"، بل تمثل عنصرية صريحة.
وختمت الكاتبة بالقول إن الأمور بلغت أبعادا كارثية، معتبرة أن فاراج يبدو أكثر شرا وحقدا من أي وقت مضى، وأن ذلك لا يعكس سياساته فحسب، بل يعكس أيضا تمكين تحيزات باتت تختبئ خلف ذرائع متعددة مثل الأمن والضرائب والاندماج، نتيجة ربط كل شيء بالهجرة.
وأضافت أنه إذا نجا من هذه المرحلة، فسيكون ذلك خيبة أمل مأساوية لأولئك الذين تجرأوا على كشف الحقيقة، وسيحدث ذلك لأن "القليل من سمه بات منتشرا في كل مكان الآن".