كتاب عربي 21

مشروع الضم الإسرائيلي….جريمة تُجهض حلم الدولة الفلسطينية

لؤي صوالحة
جيتي
جيتي
في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، يعود الحديث الإسرائيلي عن ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية ليشكّل صفعة جديدة للنظام الدولي، واختبارًا حقيقيًا لمفهوم العدالة والقانون، وتجسيدًا صارخًا لسياسة القوة التي تحكم المنطقة منذ عقود. هذا الإعلان ليس مجرد تصريح سياسي عابر أو خطوة تكتيكية؛ بل هو مشروع استراتيجي يستند إلى عقيدة صهيونية متجذّرة ترى في الأرض الفلسطينية حقًا توراتيًا وفي الشعب الفلسطيني عائقًا تاريخيًا يجب تهميشه وإزاحته.

مشروع الضم: استراتيجية القوة وإلغاء الجغرافيا الفلسطينية
تسعى إسرائيل من خلال إعلان نيتها ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، لا سيما مناطق “ج” التي تشكل ما يزيد عن 60% من مساحة الضفة، إلى خلق واقع جغرافي وسياسي جديد يحوّل فكرة الدولة الفلسطينية إلى مجرد شعار سياسي فارغ. هذه الخطوة ليست وليدة اللحظة، بل هي تتويج لمشروع استيطاني بدأ منذ عام 1967، حيث اعتمدت إسرائيل على سياسة التوسع الزاحف، عبر بناء المستوطنات، وشبكات الطرق الالتفافية، والجدار العازل الذي ابتلع مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الفلسطينية.

إسرائيل تدرك أن السيطرة على الأرض هي ركيزة المشروع الصهيوني. فالضمّ، في جوهره، ليس مجرد إعادة رسم للخرائط، بل هو مسعى لتكريس فكرة أن فلسطين التاريخية هي ملكية حصرية لليهود، ما يعني شطب أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

الشرعية الدولية: بين النصوص المعطّلة والصمت العالمي
القانون الدولي يقف بوضوح ضد مشروع الضم. قرارات مجلس الأمن، وأبرزها القرار 242 لعام 1967 والقرار 338 لعام 1973، أكدت بشكل قاطع عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو مبدأ أساسي في ميثاق الأمم المتحدة. كما أن قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016 وصف المستوطنات بأنها “انتهاك صارخ” للقانون الدولي، وطالب بوقفها الفوري.

إضافة إلى ذلك، فإن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحظر على دولة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، وهو نص صريح يضع إسرائيل في خانة الانتهاك المباشر للقانون الدولي الإنساني. لكن، ورغم وضوح النصوص، تتبدى هشاشة النظام الدولي أمام نفوذ القوى الكبرى، إذ تحولت القرارات إلى مجرد بيانات أرشيفية لا تجد طريقها للتنفيذ، في ظل الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، والشلل المزمن الذي يعيشه مجلس الأمن بفعل الفيتو الأمريكي.

البعد التاريخي: من سايكس-بيكو إلى صفقة القرن
لفهم مشروع الضم بعمق، لا بد من العودة إلى الجذور التاريخية. فالقضية الفلسطينية لم تكن يومًا صراعًا محليًا فحسب، بل نتاج نظام استعماري عالمي بدأ منذ اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، التي قسّمت المشرق العربي بين القوى الاستعمارية، ووعد بلفور عام 1917 الذي منح اليهود “وطنًا قوميًا” في فلسطين. هذه اللحظة التاريخية رسّخت التواطؤ الدولي مع المشروع الصهيوني، ووضعت الأساس للنكبة عام 1948، ثم النكسة عام 1967، حيث تحوّلت الضفة الغربية وغزة إلى أراضٍ محتلة وفق القانون الدولي.

اليوم، يطلّ مشروع الضمّ كحلقة جديدة في سلسلة استعمارية طويلة، لكنّه يتجاوز الاحتلال العسكري إلى محاولة إعادة صياغة الجغرافيا والتاريخ، وتكريس واقع “الدولة الواحدة” اليهودية، التي تقوم على التمييز العرقي وإقصاء السكان الأصليين.
المقاومة تدرك أن الضمّ ليس نهاية الطريق، بل جزء من مشروع أكبر يستهدف تهجير الفلسطينيين

موقف المقاومة: الضفة ساحة صراع مفتوحة
بالنسبة لفصائل المقاومة الفلسطينية، إعلان الضمّ ليس مجرد تحدٍ سياسي، بل إعلان حرب مفتوحة على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية. تنظر المقاومة إلى هذه الخطوة باعتبارها فرصة لإعادة إحياء مشروع المقاومة الشاملة، إذ لم يعد أمام الفلسطينيين مجال للرهان على التسويات السياسية العقيمة. الضفة الغربية اليوم تشهد تصاعدًا غير مسبوق في عمليات المقاومة الشعبية والمسلحة، في جنين ونابلس وطولكرم، ما يعكس قناعة عميقة بأن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة.

المقاومة تدرك أن الضمّ ليس نهاية الطريق، بل جزء من مشروع أكبر يستهدف تهجير الفلسطينيين، ولذا فهي تسعى لتكريس معادلة ردع تجعل الاحتلال يدفع ثمن سياساته، كما حدث في قطاع غزة الذي تحوّل رغم الحصار إلى معقل صمود عالمي.

السلطة الفلسطينية: مأزق السياسة ومحدودية الخيارات
أما السلطة الفلسطينية، فتجد نفسها أمام مأزق استراتيجي كبير. فمن جهة، هي مقيّدة باتفاقيات أوسلو التي كرّست واقع السيطرة الإسرائيلية على 60% من الضفة، ومن جهة أخرى، تواجه انهيارًا لمشروع حلّ الدولتين الذي تبنته لعقود. السلطة تدرك أن الضمّ يهدد بقاءها السياسي والإداري، لكنّها عاجزة عن مواجهة إسرائيل عسكريًا أو حتى سياسيًا في ظل انقسام فلسطيني داخلي، وتراجع الدعم العربي والدولي.

ورغم محاولاتها تدويل القضية، فإن موازين القوى لا تزال تصبّ في صالح الاحتلال. هذا المأزق يضع الشعب الفلسطيني أمام خيار تاريخي: إما الاستمرار في الرهان على نظام دولي فقد فعاليته، أو العودة إلى مشروع وطني شامل يعيد تعريف النضال الفلسطيني من جديد.

التحديات أمام إقامة الدولة الفلسطينية
أمام هذا المشهد المعقد، تصبح إقامة الدولة الفلسطينية مهمة شبه مستحيلة في ظل التوسع الاستيطاني المستمر. أهم التحديات تشمل:

1. تفتيت الجغرافيا الفلسطينية: المستوطنات، والجدار العازل، والطرق الالتفافية حولت الضفة إلى كانتونات معزولة.

2. الانقسام السياسي الفلسطيني: الصراع بين حركتي فتح وحماس يعيق أي مشروع وطني موحّد.

3. الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي: واشنطن لا تزال تعتبر إسرائيل حليفها الاستراتيجي الأول.

4. التطبيع العربي المتسارع: انشغال دول عربية بأزماتها الداخلية جعل القضية الفلسطينية في مرتبة ثانوية.

المخارج الممكنة: من الدولة إلى التحرر الوطني
الحقيقة القاسية أن فكرة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 أصبحت، في ظل الوقائع الراهنة، شبه مستحيلة، وهو ما يفرض على الفلسطينيين إعادة صياغة أهدافهم الوطنية. من بين الحلول المطروحة:

إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني: على أسس جديدة تتجاوز اتفاقيات أوسلو، وتعيد الاعتبار للمقاومة كخيار استراتيجي.

تصعيد المواجهة القانونية: عبر المحكمة الجنائية الدولية ومحاكم أوروبية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه.

بناء تحالفات عالمية جديدة: تستند إلى حركات التضامن الدولي والمقاطعة (BDS) لكسر شرعية إسرائيل.
توحيد الصف الفلسطيني: باعتبار الوحدة شرطًا لأي نصر سياسي أو عسكري.

الخاتمة: فلسطين بين وهم الضمّ وحقيقة الصمود
الضمّ الإسرائيلي للضفة ليس نهاية التاريخ، بل فصل جديد في مسيرة مقاومة عمرها أكثر من قرن. إسرائيل تراهن على الوقت لطمس الهوية الفلسطينية، لكنّ التاريخ يعلّمنا أن الشعوب التي تملك إرادة الحياة لا تهزم. الفلسطينيون اليوم يقفون أمام خيار تاريخي: إما الرضوخ لواقع استعماري جديد، أو بناء مشروع تحرري شامل يعيد لفلسطين مكانتها كقضية إنسانية كونية.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل