لا يتوقف العسكريون الإسرائيليون عن إصدار التحذيرات للمستوى السياسي بشأن خطورة التوجه نحو إقامة
حكم عسكري في
غزة، في ضوء المعضلات التي تسعى هيئة الأركان العامة للجيش إلى تجنبها والتي منها٬ التكلفة الباهظة التي سيتحملها الاحتلال، في صراع لا ينتهي مع الشعب
الفلسطيني، بالإضافة إلى خطر تحويل الجيش الإسرائيلي إلى هيئة إدارية تُصدر التراخيص، وتُدير المدارس بدلاً من بناء قوة عسكرية.
في الوقت ذاته، ينتقد الاسرائيليون الاستخدام "السهل" لمصطلح الحكم العسكري دون فهم معناه العميق، لأنهم سيكونون في غزة أمام حكومة عسكرية مختلفة تمامًا، وسيتعين عليهم اتخاذ تدابير أمنية، فإذا جاء أحد الفلسطينيين للحصول على رخصة أو وثيقة، فسيكون قريبًا جدًا من قوات الاحتلال على الأرض، وهذا خطر جسيم عليها، ويعيد للأذهان هجمات الطعن وإطلاق النار والدعس، وهي حوادث على الهامش قياسا بالوضع الأمني المختلف اليوم، وحينها سيجبي الجيش أثماناَ باهظة الثمن على حسابه وحساب دولة الاحتلال برمتها.
أكد الجنرال موشيه إلعاد، الحاكم العسكري الأسبق لمناطق جنين وبيت لحم في
الضفة الغربية، ومدينة صور في لبنان، أن "هيئة الأركان العامة للجيش لديها مخاوف كثيرة بشأن التحديات الأمنية والمسؤولية الجسيمة التي قد تترتب عليها في حال تم فرض الحكم العسكري في غزة، مما يزيد من التحديات الأمنية والمدنية على الجيش، لأن الحكم العسكري له أدوارٌ متعددة، بجانب مهامه العملياتية الميدانية، فهو أيضًا مسؤول عن إدارة الحياة المدنية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي والتعليم والبنية التحتية الطبية".
وأضاف في مقابلة مطولة مع موقع "
ويللا"، ترجمتها "عربي21" أن "تجربته السابقة الغزيرة كحاكم عسكري للعديد من المدن الفلسطينية، تطلّبت منه أن يُقسّم يومه بين اجتماعات مع رؤساء البلديات والمخاتير ومديري المدارس، والتعامل مع الأوضاع الأمنية، بجانب جباية الضرائب من التجار مثل ضرائب الدخل والأملاك، والعمل في نظام التعليم المحلي، ولذلك فإذا تولّت الدولة مسؤولية غزة اليوم، فسيكون من الضروري تخصيص ميزانية لكل شيء من أموالها".
وأشار أن "غزة لا يوجد فيها نشاط اقتصادي، وبالتالي لا يوجد من يُحصّل الضرائب منه، كما أن هناك سؤالا عما سيحدث لمليون طالب يحتاجون للتعليم، فضلا عن الحديث عن البنية التحتية التي دمرتها الحرب: الصرف الصحي، والمياه، والكهرباء، والتي سيستغرق إعادة بنائها سنوات قادمة، ولذلك فإن الوضع في غزة اليوم يختلف تمامًا عما كان عليه عام 1967، فالقطاع مُدمّر اليوم، ولا توجد أموال محلية على أي حال، ولن تكون هناك لفترة طويلة أيضًا".
وأكد أن "المهمة الأولى في حال احتلال غزة بعد الحرب ستكون إعادة الحياة إلى طبيعتها، ولكن وفقًا لتقديرات البنك الدولي، هناك حاجة لما يقرب من ٥٣-٥٤ مليار دولار لإعادة تأهيل القطاع، ومن غير الممكن الجمع بين حكم عسكري وعملية إعادة الإعمار، لأنها تتطلب هيئة فريدة تُعنى فقط بها، وليس حكومة عسكرية، ولا أعتقد أن أيًا من الأطراف ستوافق على ذلك".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن "الصراع بين مصالح الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني سيتجلى في كل مجال تقريبًا في غزة، وسيواجهان صعوبة بإيجاد حلّ متفق عليه لكل قضية، ومنذ البداية، سيسألان عن الجهة المختصة بكل قضية، وسينعكس هذا في مسائل يومية صغيرة".
وحذر أن "العديد من الحكومات العسكرية تم فرضها في المنطقة، في أفغانستان والعراق وشرق آسيا وسريلانكا، لكن في كل مكان حاولوا فيها فرض حكومة مؤقتة لاستقرار الوضع، ازدادت أعمال المقاومة والتمرد، وبالتالي إذا فُرضت حكومة عسكرية في غزة، فسيطلب مسؤولو الحكومة زيارات شديدة الحراسة، مثل الدبابات وناقلات الجند المدرعة، نظرًا للوضع في القطاع، لأن غزة قصة مختلفة، وواقع مختلف، حيث لا أتوقع أن يزور الحاكم العسكري المناطق في غزة بناقلات جند مدرعة، في حال فرض ذلك السيناريو، لأنه لن يتعاون معه أحد، ولن يتحدثوا معه إطلاقًا".
وأشار أن "القضية الحاسمة في الحكم العسكري المستقبلي في غزة هي التوظيف، حيث سيحتاج الفلسطينيون إلى مصادر دخل، فهل سيعودون للعمل في الداخل المحتل أم لا، ومن سيوقع لهم التراخيص، وكل ذلك سيُثقل الضغط على كاهلنا من جديد، وإذا لم نسمح لهم بالعمل، فإننا نشجعهم على سلوك طريق العمل المسلح، لأنهم بحاجة للمال كي يعيشوا، وهذه ستكون المعضلة الأكبر أمامنا، وليس فقط كيفية إعادة الإعمار، ومن سيحكم في غزة".
وقدّر أن "خوف رئيس الأركان السابق هآرتسيّ هاليفي، والحالي إيال زامير، من إدارة عسكرية في غزة لا ينبع فقط من احتكاك الجيش بالفلسطينيين، وتوزيع الغذاء، بل أيضًا من الإضرار بميزانية الجيش، فالإدارة العسكرية تتطلب استثمار الأموال في البنية التحتية المدنية، بدلًا من ميزانيات الدفاع، وإذا طُلب من الجيش تمويل البنية التحتية التعليمية والمدارس والمعلمين، فلن يتبقى مال لتطوير قوته، وسيتعين عليه تعيين مسؤول وتمويل المدارس والمدراء والمعلمين، صحيح أنت تعرف كيف يبدأ الأمر، لكنك لا تعرف أبدًا أين سينتهي".